إميل أمين يكتب: البابا فرنسيس وقضايا الشرق الأوسط

إميل أمين

جرى العرف مرة كل عام، وفي بواكير السنة الميلادية  تحديدا، أن يلتقي بابا روما، رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بأعضاء السلك الدبلوماسي الذين يمثلون دولهم لدى الكرسي الرسولي، وفي اللقاء يتبادل الحبر الأعظم التهاني بالعام الجديد مع السفراء، ويقوم عادة الرجل ذو الثوب الأبيض بإلقاء خطاب رسمي، يعبر فيه عن رؤية المؤسسة الكاثوليكية لحال ومآل العالم، ويضع الخطوط الواضحة تحت القضايا التي يتطلب أن تعلي فيها الكنيسة صوتها، في برية عالمنا المعاصر.

في خطاب هذا العام تناول الحبر الأعظم العديد من القضايا  الدولية، وفي مقدمها  كارثة جائحة فيروس كوفيد-19 المستجد، والذي أشار إلى أنه وضع العالم مجددا وبقوة أمام بعدين للحياة البشرية لا مفر منهما: المرض والموت.

غير أن فرنسيس، الفقير وراء جدران الفاتيكان، يرى أن الجائحة على هولها ورعبها، تذكرنا بقيمة كل حياة بشرية وكرامتها، في كل لحظة من مسيرتها الأرضية، وتذكرنا كذلك بالحق في الرعاية، إذ أن كل شخص بشري هو غاية في حد ذاته، وليس أبدا مجرد أداة تقدر وفقا لفائدتها.

توقف فرنسيس أيضا في خطاب هذا العام، والذي تأجل لظروف مرض الأعصاب الذي ألم به، من 25 يناير إلى 8 فبراير، أمام الإشكالية التي أولاها الكثير من الاهتمام منذ أن تبوأ السدة البطرسية، إشكالية البيئة والتغيرات المناخية.

اعتبر فرنسيس أنه ليس الإنسان وحده مريض، لكن أرضنا  أيضا، ومؤكدا على  أن الجائحة قد بينت لنا مجددا مدى  هشاشة الأرض وحاجتها إلى الرعاية، وقد علق أملا على  مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي سيعقد في نوفمبر المقبل في غلاسكو، والتوصل إلى اتفاق فعال للتصدي لعواقب تغير المناخ، وعنده أن هذا هو الوقت المناسب للعمل، لأننا نستطيع بالفعل أن نلمس لمس اليد آثار تقاعس طال أمده، على حد تعبيره.

كان للشرق الأوسط وقضاياه نصيب وافر في الجزء السياسي من خطاب فرنسيس هذا العام، لا سيما وأن الكثير من الجروح الثخينة لاتزال مفتوحة في الجسد العربي.

في خطابه تمنى البابا أن يكون عام 2021 هو العام الذي تكتب فيه نهاية الصراع السوري الذي بدأ قبل عشر سنوات، وعنده أنه لكي يحدث ذلك، فإن هناك حاجة أيضا إلى اهتمام متجدد من جانب المجتمع الدولي لمواجهة أسباب الصراع بجدية  وشجاعة، وللبحث عن حلول يمكن من خلالها للجميع، بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني، أن يساهموا في مستقبل البلاد بصفتهم مواطنين.

الأرض المقدسة، وقضيتها، كانت في القلب من خطاب فرنسيس، إذ وجه أمنيته في السلام لها، ومضيفا، يجب أن تكون الثقة المتبادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين الأساس من أجل تجديد حوار مباشر حاسم بين الطرفين، لحل صراع مستمر طال أمده، ودعا المجتمع الدولي إلى دعم وتسهيل هذا الحوار المباشر، دون افتراض إملاء حلول لا تحمل في أفقها  خير الجميع، ومعبرا عن مكنونات صدره من أن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء لديهم الرغبة في العيش بسلام.

توقف البابا طويلا هذه المرة أمام لبنان، بلد الأرز الذي يعاني من أزمات داخلية عميقة، وفي ظل عدم مقدرة على تشكيل حكومة وطنية تواجه أعباء البلاد المتردية.

في كلمته تمنى فرنسيس تجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي يمر بأزمات داخلية، والمعرض لفقدان هويته ولمزيد من التورط في التوترات الإقليمية.

هنا يرى فرنسيس أنه من الضروري للغاية أن يحافظ البلد  على هويته الفريدة، وذلك أيضا من أجل ضمان شرق أوسط متعدد ومتسامح ومتنوع، حيث يستطيع الوجود المسيحي أن يقدم مساهمته، وألا يقتصر على أقلية يجب حمايتها.

كان من الطبيعي أن يتوقف فرنسيسس عند أوضاع المسيحيين اللبنانيين، وبخاصة في ظل اختطاف الدولة من قبل جماعة دوجمائية ترتهن الدولة للقرار الخارجي، معتبرا أن المسيحيين  في لبنان يشكلون النسيج الرابط التاريخي والاجتماعي في هذا البلد الرسالة، ومن خلال الأعمال التربوية والصحية والخيرية العديدة، يجب أن تضمن لهم إمكانية الاستمرار في العمل من أجل خير البلد الذي كانوا من مؤسسيه.

ينبه فرنسيس لأهمية معالجة أوضاع اللاجئين السوريين والفلسطينيين، فالبلد إضافة لذلك، دون عملية عاجلة لإنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار، معرض لخطر الإفلاس، مع ما قد ينتج عنه من انحرافات أصولية خطيرة.

لذلك فمن الضروري – والحديث للبابا – أن يتعهد جميع  القادة السياسيين والدينيين، واضعين جانبا مصالحهم الخاصة، بالسعي لتحقيق العدالة، وتنفيذ إصلاحات حقيقية لصالح المواطنين، فيتصرفون بشفافية ويتحملون مسؤولية أفعالهم.

لم يكن لفرنسيس أن يهمل ما يجري في ليبيا، وهناك رابط سري كبير ومهم بين إيطاليا وليبيا تاريخيا، ولهذا جاء البابا  ليتمنى أن يحل السلام في ليبيا، تلك التي أضناها أيضا صراع طويل، على أمل أن يسمح منتدى الحوار السياسي الليبي الأخير الذي عقد في تونس في نوفمبر الماضي تحت رعاية الأمم المتحدة، بأن تطلق فعليا عملية المصالحة المنتظرة في البلاد.

يتساءل القارئ، وله في الحق ألف حق: “وما فائدة ما يقوله البابا أو ينادي به، في عالم لا يحمل غير مفاعيل القوة الخشنة، ولا يقيم وزنا إلا لقعقة السلاح؟

قد يكون الطرح منطقيا بالفعل، لكنه يعود بنا إلى حديث التندر الذي بدر عن الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، ذلك أنه حين طالب البابا بيوس الثاني عشر بالمشاركة في مؤتمر يالطا الذي عقد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تهكم ستالين قائلا: “كم فرقة عسكرية يمتلك البابا”؟.

كان رد بيوس الثاني عشر، قولوا لابننا جوزيف إنه سيلاقى كتائبنا في السماء، وقد كانت طواحين السماء تعد بابا قادما من بولندا، يوحنا بولس الثاني، ليدق أول مسمار في نعش الشيوعية، ومن غير الحاجة لأن يحرك البابا فرقه العسكرية.

من هذا المنطلق يمكن القطع بأن البابوية سلطة إقناع معنوية، وتأثير قوتها الناعمة لا يقل أهمية عن القوة الخشنة، فالرجل صاحب صوت مؤثر ومسموع في برية العولمة الرأسمالية المتوحشة، وحيث تسليع الإنسان أصبح ديدن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، ولهذا يبقى فرنسيس الفقير صوتا صارخا في برية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]