إميل أمين يكتب: القدس والمسلمون .. ورهانات أوروبا المتطرفة

 

 

مثلت “براغ” العاصمة التشيكية مؤخراً  منطلقا لثورة اليمين الأوروبي المتطرف ضد فكرة الإتحاد الأوربي، مرتكزة إلى مفهوم يبدو في ظاهرة سهلًا بسيطًا وواضحًا، وهو “استعمار المسلمين لأوروبا”.

في منتصف ديسمبر ـ كانون أول الماضي كانت العاصمة التشيكية براغ تشهد لقاءًا هو الأول من نوعه، وذلك عندما التقى قادة أبرز الأحزاب الأوروبية اليمينية في مؤتمر عنوانه “من أجل أوروبا للأمم صاحبة السيادة”… من شارك في هذا المؤتمر؟

بلا شك رموز ما عرف بـ”أوروبا الأمم والحريات”، وهي التشكيلة السياسية التي تأسست قبل سنتين داخل البرلمان الأوروبي، والتي تركز على التعاون خارج أطر الإتحاد الأوروبي.

كان “توميو اوكامورا” زعيم حزب “الحرية والديمقراطية المباشرة” هو الجهة المستضيفة للمؤتمر، كيف لا وهو من يدعو بشكل جديد لأوروبا، شكل أكثر إنفصالية يتجسد في تدمير الإتحاد الأوروبي الذي يعتبره الزعيم التشيكي المتطرف آيلا إلى الزوال خصوصا مع التطورات الجديدة التي ساهمت في صعود حركات اليمين في العديد من الدول الأوروبية، حيث تجلت مساعي “اوكامورا” بتوجيه تفكير قادة التطرف في أوروبا، من خلال دعوة الأمم الأوروبية إلى التخلص من إرث هذا الاتحاد الذي يعاني من مشكلات كثيرة.

تحت أجنحة “اوكامورا” الأخلاقية أجتمع في براغ  “ماريان لو بان” زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي والتي كانت منافسًا رئيسيًا وأساسيًا لإيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الحالي، إضافة إلى “غيرت فيلدرز” زعيم حزب الحرية الهولندي، و “لورنزو فونتانا” من رابطة الشمال الإيطالية، وكذا “غيورغ ماير” من حزب “حرية النمسا”، وماركوس بريشل من حزب “البديل من أجل ألمانيا”، بالإضافة إلى البلجيكي “جيرولف أينمانز”، والبولندي ميشال ماروسيك وكذلك “جاينس أتكينسون” التي كانت عضوًا في حزب “استقلال المملكة المتحدة”.

هل كان “أوكامورا” التشيكي القلب والعقل الناطق لهذا التجمع اليميني المتطرف، والماضي في عداواته ضد الأجانب لاسيما من المسلمين في أوروبا؟

غالب الظن أن ذلك كذلك بالفعل، إذ اعتبر “اوكامورا” أن الأوروبيين في مرمى خطر الإستعمار الإسلامي، ومشيراً إلى أن أوروبا تمر بانحطاط القيم القومية والثقافية التقليدية.

وفي هجوماته على فكرة الإتحاد الأوروبي تحدث “اوكامورا” متهمًا هذا الكيان السياسي الذي ناضل الأوربيون طويلاً من أجل تشييده بأنه أضحى “دولة شمولية”، قائلاً: إن مستقبل أوروبا في عدم مركزيتها سياسيًا واقتصاديًا، كما بيَّن أن مشروع إتحاد الشعوب الأوروبية يقضي بالحفاظ على حرية التنقل للمواطنين والشحنات في أراضي القارة بالتعزيز الكبير لأمن الأوروبيين.

ومن على الأراضي التشيكية أيضًا ارتفع صوت “ماريان لوبان” بالقول: “إن الإتحاد الأوروبي في النفس الأخير، وهناك أمل في أننا سنسقط هذه المنظمة غير الصحيحة من داخلها، وعلينا أن نتصرف كما يتصرف الفاتح”.

والثابت أن الأحزاب اليمينية التي التأم شملها على أرض براغ التشيكية، إنما تخطط في وحدتها هذه للفوز في الإنتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، وهو ما أشارت إليه لوبان بقولها: إن “هذه القوى تستطيع القضاء على الإتحاد الأوروبي” الذي وصفته بـ”المؤسسة الكارثية التي تقود القارة إلى الموت، ومضيفة: “إن الشعوب الأوروبية عليها تحرير نفسها من أغلال الاتحاد الأوروبي”.

هل كان لـ “غيرت فيلدرز” بدوره أن يفوت هذا التجمع من دون أن يثير الغبار تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا؟

قطعًا كان اللقاء فرصة ذهبية متجددة، يعلن فيها أن الهجرة من الدول المسلمة تمثل إحدى أكبر المشاكل التي تواجهها أوروبا مشددًا على “ضرورة منع الهجرة الجماعية إلى أوروبا حتى لو سنكون مضطرين إلى إقامة جدار”.. ومضيفًا أن “الاتحاد الأوروبي لم يعد بإمكانه إبقاء الأبواب والنوافذ مفتوحة أمام المهاجرين من العالم الإسلامي”.

لم تتوقف المواقف التشيكية عند حدود التصريحات الكلامية أو الخطب الرنانة فحسب، بل تجاوزتها إلى المواقف التي تثبت ميولها الحقيقية الكارهة للعرب والمسلمين دفعة واحدة، وقد كان القرار الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والخاص بإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، نقطة إختبار موجهة إلى قلب الإدارة التشيكية السياسية، وقد أظهرت التجربة مدى تمكن العنصرية اليمينية التشيكية من عقل وقلب الجميع هناك لاسيما الحكومة… لماذا؟

لأن الرئيس التشيكي “زيمان” كان الزعيم الأوروبي الوحيد الذي لم ينتقد، بل رحب بقرار الرئيس ترامب الخاص بالقدس، نهار السادس من ديسمبر الماضي، وقد صرح زيمان بعد يومين من الإعلان عن هذه الخطوة بالقول: “أشعر بفرح كبير من هذا القرار، وعندما زرت إسرائيل منذ 4 سنوات، قلت أنذاك إنني سأرحب بشدة بنقل السفارة التشيكية إلى القدس”.

ومن المعروف أن رئيس الوزراء الاسرائيلي “بنيامين نتانياهو” كان قد أعلن رسمياً عن جهود بلاده لمحاولة تفكيك موقف دول الإتحاد الأوروبي الـ 28 ككتلة واحدة مؤيدة لمشروع القرار الرافض لاعلان الرئيس الأمريكي”. وبحسب القناة العاشرة الاسرائيلية فقد اضطر نتانياهو بهدف كسر هذا الإجماع الأوروبي لـ”خطب ود” رئيس الحكومة التشيكية.

وقد بدا واضحاً نجاح جهود نتانياهو، بل أن تصريحات زيمان كانت مغالية إلى أبعد حد ومد، إذ اعتبر أن أوروبا متخاذلة في ردة فعلها على قرار ترامب بشأن القدس، مضيفاً أن “الاتحاد الأوروبي الجبان يقوم بكل شئ لكي يعلو تيار إرهابي مؤيد للفلسطينيين على تيار مؤيد للإسرائيليين”.

ويبقى السؤال: “ماذا عن مستقبل المسلمين في التشيك بنوع خاص في ظل هذا التنامي المكروه لليمين المتطرف؟

بحسب الإحصائيات المتوافرة لنا فإن عدد المسلمين في التشيك يبلغ نحو خمسين ألفا، وأعدادهم مرشحة للزيادة، الأمر الذي يخلق حاجة متصاعدة لأماكن عبادة أوسع وأرحب، وخدمات تتصل بمباشرة الحياة عبر كافة أشكالها إجتماعياً وصحياً وثقافياً، عطفاً إلى حاجتهم لمنابر إعلامية ومجتمعية يمكن لهم من خلالها عرض مشاكلهم والدفاع عنها، ناهيك عن الإشكالية الأكبر والتي تتعلق ببناء مساجد لهم.

والشاهد أنه وإن كان رئيس الوقف الإسلامي في التشيك “منيب الراوي” يرى أنه لا يوجد تمييز حكومي أو رسمي سلبي تجاه المسلمين حتى الآن، إلا أنه ومع تصاعد دعوات “أوكامورا” وفريقه، لم يعد المستقبل واضحاً بصورة كافية، لكن هناك ما يساعد مسلمي التشيك في تثبيت أقدامهم على الأرض، ذلك أنه رغم ظاهرة التقارير المسيئة للمسلمين في عموم أوروبا، إلا أن جهاز الأمن المدني التشيكي، قد اعترف في يناير كانون الثاني الماضي (2017) بأن الجالية الإسلامية في البلاد مثال في الإيجابية ومنع المتطرفين من إختراق صفوفها.

لكن هذا الرأي الأمني لم يمنع الرئيس التشيكي “زيمان” من وصف جميع المسلمين داخل التشيك وخارجها بغير الحضاريين، وأنه يجب منع قدومهم إلى أوروبا، نظراً لعدم تأقلمهم مع الحضارة الأوروبية حسب رأيه.

لقد عمل مسلمو التشيك طوال العقدين الماضيين على وأد بذور التطرف المحتملة بين أبناء الجالية المسلمة في البلاد بعد حملات التوعية والتحذير المستمر من نتائج أي تطرف يضر بالجميع حيث تم خلق آليه فعالة في التواصل بين الجميع وإبعاد أي شخص متطرف أو متهور.

هل سيستمر هذا الوضع أم أن ضغوطات واستفزازات اليمين التشيكي المتطرف سوف تدفع نفرًا من الجالية المسلمة هناك إلى ردود فعل تتسق وقوانين الطبيعة “مساوية في المقدار ومضادة في الاتجاه”؟

مهما يكن من شأن الجواب، فإن كتلة يمينية متطرفة ترتفع رايتها عالياً من قلب أوروبا، ضمن فصول تتري من مسرحية اليمين الأوروبي القادم لا محالة.

 

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]