إميل أمين يكتب: المصالحة الفلسطينية والخديعة الإيرانية

تبدو  الساحتان الإقليمية والدولية في الأعوام الأخيرة متشابكتين ومعقدتين، الى أبعد حد ومد، حتى بات التفريق بين المحلي والإقليمي والدولي شأنا عسيرا، في زمن تداخلت فيه الخيوط وتشابكت الخطوط، وسط قدر كبير من الزيف والخداع أحيانا، والمؤامرات الاستراتيجية إن جاز التعبير مرات أخرى.

من بين القضايا التي كانت ضحية لزمن طويل للتلاعب غير الخلاق، تأتي القضية الفلسطينية التي ذرف البعض دموع التماسيح على ما خيل أنه جثمانها، وفي المقدمة من هؤلاء كانت ايران ولا تزال.

لماذا الآن فتح هذا الملف؟

المؤكد أن المصالحة الوطنية التي قادتها مصر المحروسة مؤخرا بين منظمة التحرير الفلسطينية “فتح”،  وبين حركة المقاومة الاسلامية “حماس”، دفعتنا للتأمل فيما هو أبعد من اللحظة ومدى ارتباط القضية الفلسطينية والتوصل الى سلام عادل وشامل، وبين الإشكالية الإيرانية الوجودية التي تعقد من حدوث هذا السلام مرة والى الأبد.

جاءت المصالحة بين فتح وحماس لتنزع عن اسرائيل حجتها وذريعتها المتصلة بحالة الانشقاق الداخلي في البنيان الفلسطيني الواحد، وبذلك وضعت اسرائيل أمام استحقاق مرحلة مغايرة من مراحل البحث عن حلول جذرية منافية ومجافية لمنطق الاحتلال.

هنا نجد اسرائيل أمام مفترق طرق حقيقي، سيما وأن المجتمع الدولي برمته بات مهيئا لقبول فلسطين كعضو كامل العضوية في إطاره الأممي، وقد كان قبول فلسطين في هيئة الشرطة الدولية “الانتربول” مؤخرا خير مثال على ما نقول به.

عطفا على ذلك.. فإن المتابع المحقق والمدقق للإدارة الأمريكية الجديدة، إدارة دونالد ترامب، يدرك أن هناك إرادة قوية للمضي قدما في طريق انجاز صفقة القرن، أي السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ويبدو أن ترامب عينه على ما فشل فيه من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين، وليس سرا الإشارة الى أن هناك مفاوضات ولقاءات تجري في الخفاء والعلن معا، لترتيب مسيرة تنتهي الى حل الدولتين، وساعتها يمكن لترامب الرئيس الذي لا دالة له مطلقا على العمل السياسي، أن يستحوذ منفردا على وصف “القيصر الأمريكي” دون أدنى منازع.

يستلفت النظر هنا أن الطريق الى إنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، يواكبه تعقيدات كبرى في المشهد الايراني، ربما تصل الى إلغاء ترامب الاتفاقية النووية مع إيران، والسؤال هنا: هل من علاقة ما بين تعزيز المصالحة الفلسطينية والسعي الى تشديد الحصار على إيران؟

أحسن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حين أشار مؤخرا الى أن السلام الإقليمي مرهون بتوقف إيران عن التمادي في سياساتها التوسعية، والتزامها  بمبادئ حسن الجوار، واحترام الأعراف والقوانين الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

هنا يعن لنا أن نتوقف عند علاقة إيران بالقضية الفلسطينية، وتلك التي يصفها الكاتب الأمريكي الجنسية الإيراني الأصل “تريتا بارسي” بأنها علاقة وسيلة وليست غاية ..ماذا يعني ذلك؟

يعني دون اختصار مخل أو تطويل ممل أن إيران مارست ومنذ قيام ثورتها في أواخر سبعينات القرن المنصرم خدعة سيكولوجية مكنتها من التلاعب بالشارع العربي والاسلامي، الذي ظن فعلا وقولا أن إيران هي داعم قوي لا محالة للقضية الفلسطينية وللمقاومة على الأراضي المقدسة، ثم ألا يكفي إيران أن لديها فيلق بأكلمه يطلق عليه “فيلق القدس”؟

لكن الناظر للمشهد الإيراني بعين فاحصة يدرك كم أن الأمر أكاذيب وتهويمات، بل وازدواجية مقيتة، ذلك أن موقف إيران من قضية العرب والمسلمين الأولى هو موقف براجماتي يسعى الى الهيمنة الإقليمية على حساب الجيران العرب، وقد تبلور في واقع الأمر قبل قيام الثورة التي أطلقت على نفسها “الاسلامية”، وذلك أثناء آخر سنوات حكم الشاه محمد رضا بهلوي.

والشاهد أنه لم يكن للخوميني ومريديه أن يرتدوا عن هذا النهج، بل المزايدة عليه وأكثر منه، اذ مضوا في المغالاة بحس ووازع دوجمائي لا يلين، معتبرين المشهد عقائديا قبل أن يكون خلافا سياسيا نسبيا لا علاقة له بعالم المطلقات.

من الشاه الى الخوميني كان السعي لاستمرارية الزعامة الإقليمية الإيرانية المطلوبة يحتاج الى قبول العرب ودعمهم للدور الإيراني، وهو ما لا يمكن كسبه إلا من خلال توجه براجماتي مؤيد لقضية فلسطين في السياسة الخارجية الإيرانية.

على أن الأحداث تبين كيف أن هذا التوجه كان كاذبا ومنافقا، بل يحمل علامات الخيانة للقضية الفلسطينية عينها، ففي الوقت الذي كانت فيه القوات المصرية والسورية على جبهات القتال في حرب اكتوبر المجيدة عام 1973، كانت ايران – الشاه، هي الدولة الوحيدة التي تزود اسرائيل بالنفط، بعدما توقف العالم العربي عن تصديره.

عطفا على ذلك فإن فيلق القدس الذي لم يطلق رصاصة واحدة على الحدود الاسرائيلية، نجح في التلاعب بمقدرات الأمن الداخلي في بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، ولم يك يفعل ذلك اعتباطا أو عشوائيا، وإنما انقيادا لوصية الخوميني “عندما  تنتهي الحرب مع العراق علينا أن نبدأ حربا أخرى… أحلم أن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت”.

كان من الطبيعي جدا أن تحزن طهران وتجزع من المصالحة الوطنية الفلسطينية – الفلسطينية، سيما وأنها جرت بتضافر جهود الشقيقة الكبرى التي لا يحملون لها إلا كل كراهية تاريخية، على خلاف مشاعرهم تجاه اسرائيل الموجودة باستفاضة في منهجية حلف المصالح المشتركة ما بين طهران وتل أبيب، وقد ربط بينهم الملك الفارسي قورش زمن السبي البابلي برباط وثيق لا تنفصم عراه، وهو ما اعترف به شيمون بيريز علنا أكثر من مرة.

الحقيقة المؤكدة أن كل تقدم على صعيد التوصل لحل شامل وكامل وعادل للقضية الفلسطينية يختصم اختصاما جذريا من المزايدات الوهمية الإيرانية، ويجعلها تقف عارية ليرى جميع العرب والمسلمين أنها كانت تاريخيا خصما من هذه الإشكالية التي دفع العرب من دمائهم الكثير ثمنا لها وفي سبيل الزود عنها، عوضا أن تكون رصيدا مضافا حقيقيا لإحقاقها وزخمها عبر طريق العدالة.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]