إميل أمين يكتب: بيرل هاربر الجديدة.. أسئلة مزعجة بعد عقدين على 11 سبتمبر
هذا عمل تتوجب قراءته هذه الأيام في الذكرى العشرين لما جرى في نيويورك وواشنطن، فيما عرف باسم الثلاثاء الدامي أو ثلاثاء الإرهاب العالمي.
قدم دافيد راي غريفين أستاذ فلسفة الدين في كلية اللاهوت في جامعة كليرمونت في كاليفورنيا لما يزيد عن 30 عاما ومؤلف لأكثر من 20 كتابا، عملا بديعا ، إذا ما قرأ بذهن منفتح، ولو بنسبة ثلاثين بالمائة فقط، فمن المؤكد أنه سيغير الطريقة التي نفهم فيها حقيقة الديمقراطية الدستورية في الولايات المتحدة على أعلى المستويات السياسية.
إنه كتاب مثير للقلق بحق، يصور الأزمة العميقة المتعلقة بالشرعية السياسية للدولة الأكثر نفوذاً وقوة منذ بدء التاريخ.
ما الذي يقدمه هذا الكتاب؟
يقدم غريفين دراسة شاملة وحرة ومميزة للقصة الكاملة لكيف ولماذا وقعت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ، وأيضاً لماذا لم يتم التحقيق بالسرعة القصوى في مثل هذا الإنهيار غير المسبوق للأمن القومي، كونها مسألة ذات أولوية قومية طارئة. في الواقع، ثمة ثغرات كبيرة في الروايات الرسمية لـ11/9 بحيث لم يتبق معها أي قصة واضحة وجديرة بالتصديق، وحتي هذه اللحظة ما زال الأمريكيون يتابعون حياتهم بلامبالاة وكأن حقيقة تلك الأحداث المأساوية لم تعد ذات أهمية.
يبين غريفين، بتبصر وفهم عميقين للأبعاد المتعددة لسياسة الأمن العالمي لإدارة بوش، بأن معرفة حقيقة ما حدث في 11/9، ولو جاءت هذه المعرفة متأخرة لها أهمية عظيمة.
أما الأسباب التي تجعل تخمين غريفين في غير حاجة حتي لو لقارئ ذي عقل منفتح، فتكمن في الوقائع غير المفسرة، والجهود العديدة، من قبل أولئك الموجودين في السلطة، الرامية لإعاقة إجراء تحقيق مستقل، والدلائل على وجود خطة سابقة لهجمات 11/9 وضعت من قبل متنفذي بوش من أجل القيام بالضبط بما قاموا به.
أين القصة الحقيقية إذن ؟
بالطبع، من الطبيعي أن نتساءل، هذا إذا كانت النتيجة التي تشير إليها دلائل غريفين صحيحة، لماذا لم تُروَ بوضوح قصة القرن هذه في ذاك البلد . لماذا كانت وسائل الإعلام نائمة؟ لماذا كان الكونجرس سلبياً جداً بخصوص القيام بدورة كسلطة رقيبة في الحكومة، ناهيك عن دورة الأساسي كحامٍ للشعب الأمريكي؟ لماذا لم تُقدَّم استقالات علي مستويات عليا من قبل ممثلي الشعب؟
ثمة أسئلة طرحت في كل مكان وإدعاءات بالتورط الرسمي انتشرت تقريباً منذ اليوم الأول للهجمات، خاصة، ولكن، لم يمتلك أي أمريكي قبل غريفين العزيمة والصبر والشجاعة والذكاء من أجل جمع الأجزاء العديدة في رواية واحدة مفهومة.
جزء من صعوبة تحقيق المصداقية فيما يتعلق بقضايا كهذه تكمن في أن الأصوات المتهمة غالباً ما تكون صارخة ومزعجة وغير مسؤولة، الأمر الذي يجعلها قابلة للرفض بسهولة بإعتبارها “سيئة الظن” و”خارجة عن الحد” بدون النظر فيما إذا كانت الهواجس التي تثيرها تستحق التحقيق أو البحث بالمقابل، فمقاربة غريفين هادئة وحجته محكمة ودامغة، مما يجعل تحليله معقولاً لأنه غير قابل للرفض.
لماذا المقارنة مع بيرل هاربور ؟
غالباً ما قورنت هجمات 11/9 بالهجمات على بيرل هاربر. فقد كتب المراسل الصحفي المحقق جيمس بامفورد، على سبيل المثال، عن تصرف بوش بأنه “في معمعة بيرل هاربر معاصرة، كما صرحت شبكة سي بي إس للأخبار بأن الرئيس نفسه، قبل أن يذهب إلى فراشه في 11/9، كتب في مفكرته: وقعت اليوم بيرل هاربر القرن الواحد والعشرين.
ولقد وضعت هذه المقارنة على الأغلب من أجل التأكيد على أن الرد الأمريكي على 11/9 ينبغي أن يكون مشابهاً للرد الأمريكي على بيرل هاربر . فبعد خطاب الرئيس بوش إلى الأمة في 2001/11/9 مباشرة، نشر هنري كيسنجر مقالة على الإنترنت قال فيها: “يجب أن تطالب الحكومة برد منظم يتمنى المرء أن ينتهي كما انتهى الهجوم على بيرل هاربر –بتدمير النظام المسؤول عنه”.
كما حثت مقالة كتبها رئيس تحرير مجلة تايم بعد الهجمات مباشرة: “دعونا، لمرة واحدة فقط ، لا نكتب كلاماً بلاغياً سخيفاً عن معالجة الجراح، لا يمكن ليوم مشؤوم أن يستمر حياً في الأذهان دون تغذيته بالغضب. دعونا نغضب المطلوب هو نوع متحد من الغضب الأمريكي الأرجواني، ضرب من بيرل هاربر موحد “.
بعض المقارنات أشارت إلى أن هجمات 11/9 أثارت بالفعل ردة فعل مشابهة لردة الفعل التي أحدثها الهجوم على بيرل هاربر: المطالبة باستخدام القوة العسكرية الأمريكية. فقد كتب الصحفي الأسترالي جون بيلجر، مستشهداً بتكهن صرح به في العام 2000 رجال سرعان ما أصبحوا من كبار المسؤولين في إدارة بوش، مفادها أن التغييرات التي يرغبون بها ستكون صعبة ما لم تحدث “بيرل هاربر جديدة”.
لقد أمنت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 بيرل هاربر جديدة . كما صرح عضو في معهد الجيش الأمريكي للدراسات الإستراتيجية بأنه بعد 11/9، “أصبح التأييد الشعبي للعمل العسكري في مستويات موازية لردة الفعل الشعبية بعد الهجوم على بيرل هاربر”.
الحرب على الإرهاب والإمبريالية
علاوة على ذلك، تعتبر “الحرب على الإرهاب” التي شنتها إدارة بوش مجرد ذريعة لإتباع سياسة إمبريالية أشد عدوانية من ذي قبل، يقول فيليس بينيس، على سبيل المثال أنه نتج عن 11/9 ” سياسة خارجية مفروضة على بقية العالم عبر قانون إمبراطوري متسلط”، بالطبع ، قلة من المؤرخين أشاروا إلى زمن لطالما رغب القادة الأمريكيون بإمبراطورية تغطي العالم كله.
غير أن معظم منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية يؤمنون بأن إمبريالية إدارة بوش الثاني، وخصوصاً منذ 11/9 ، كانت أشد وضوحاً وأبعد تأثيراً وأكثر غطرسة. لقد وصفها ريتشارد فالك بـ ” مشروع الهيمنة العالمية”. وعلى الرغم من وجود تدفق كبير من النوايا الطيبة تجاه أمريكا بعد 11/9 واستعداد واسع للمصادقة على إدعائها بأن الهجمات أعطتها الحق بشن حرب عالمية على الإرهاب ، إلا أن هذه النوايا الطيبة سرعان ما خبت وفطرت همتها.
فالسياسة الخارجية الأمريكية تنتقد اليوم على نطاق أوسع في العالم وبشكل أشد من أي وقت مضى، حتى أكثر مما كان عليه الحال أثناء حرب فيتنام .
براهين ضد الرواية الرسمية
من وجهة نظري، يقول المؤلف، هنالك خمسة أنواع أساسية للبراهين التي قدمت ضد الرواية الرسمية. النوع الأول، وهو يتعلق بالتناقضات والأمور غير القابلة للتصديق في الرواية الرسمية لما حدث في 11/9، مشروح في الفصول الأربعة للجزء الأول، والأنواع الأربعة الأخرى من البراهين مناقشة في الجزء الثاني.
وضعت هذه البراهين على شكل عدد من “الأسئلة المثيرة للقلق”، وهي مثيرة بالقلق بالتحديد لأنها تؤكد بأن الرواية الرسمية ما هي إلا كما يدعوها عنوان الترجمة الإنجليزية لكتاب الكاتب الفرنسي “تيري ميسان” والأول حول الموضوع، “كذبة كبيرة”.
وهي مثيرة للقلق أيضاً لأنها تعتقد بإمكانية صحة الفرضية المعدلة والتي تقول بأن هجمات 11/9 – التي دعاها الرئيس بوش ، محقاً ، بالشريرة – نفذت بمشاركة بعض المسؤولين في إدارة بوش نفسها .
وفي الخاتمة ، يتساءل المؤلف ما إذا كان التفسير الأفضل للدلائل المقدمة في الفصول السابقة ، كما يقترح أصحاب الرواية المعدلة، يعني بالفعل وجود تواطؤ رسمي في هجمات 11/9. ومن ثم يناقش نوع التحقيق الذي نحتاج إليه اليوم.
معان محتملة لـ”التواطؤ الرسمي”
رغم أن الكتابات التي يستمد منها هذا الكتاب معلوماته تتهم الحكومة بالتواطؤ في هجمات 11/9 ، إلا أن ثمة شئ ناقصاً فيها وهو غياب مناقشة مفصلة لما يدعونة بـ”التواطؤ الرسمي” في 11/9. ولكي يتسنى للقراء أن يقرروا، بينما هم يتفحصون الدلائل، أي نوع من التواطؤ الرسمي، إن وجد، تؤيده هذه الدلائل، فقد عمد صاحب الكتاب إلى تقديم وجهات النظر الثمانية هذه هنا في قائمة مرتبة حسب خطورتها – أي حسب خطورة التهمة الموجهة ضد إدارة بوش والمتضمنة في كل واحدة من وجهات النظر:
– تأليف رواية كاذبة: وجهة النظر المحتملة الأولى تقول بأنه على الرغم من أن المسؤولين الرسمين لم يلعبوا أي دور في تسهيل الهجمات ولم يكونوا يتوقعونها، فهم قاموا بتأليف رواية كاذبة عن ما حدث فعلاً، سواء من أجل حماية الأمن القومي ، أو من اجل التغطية عن وقائع مركبة، من أجل استخدام الهجمات لتنفيذ أجندتهم.
– شيء ما متوقع من قبل وكالة الاستخبارات : وجهة النظر المحتملة الثانية تقول بأنه علي الرغم من أن بعض وكالات الإستخبارات الأمريكية – مثل الأف بي آي والسي آي إي وبعض وكالات الاستخبارات التابعة للجيش الأمريكي – لم تكن تملك أية معلومات محددة عن الهجمات مسبقاً ، إلا أنها كانت تتوقع حدوث نوع معين من الهجمات . ،ومع أن هذه الوكالات لم تلعب أي دور في التخطيط للهجمات ، فمن الجائزة أنها لعبت دوراً في تسهيل حدوثها، بمعنى أنها لم تقم بأي خطوات تحول دون وقوعها.
– أحداث محددة متوقعة من قبل وكالات الاستخبارات (ولكن ليس البيت الأبيض) التي كانت تملك معلومات محددة عن توقيت وأهداف الهجمات.
– وكالات الاستخبارات متورطة في التخطيط: وجهة النظر المحتملة الرابعة تقول بأن وكالات الاستخبارات (ولكن ليس البيت الأبيض) ضالعة في التخطيط للهجمات .
– البنتاجون متورط في التخطيط : وجهة النظر المحتملة الخامسة تقول بأن البنتاغون (ولكن ليس البيت الأبيض) ضالع في التخطيط للهجمات
– شيء ما متوقع من قبل البيت الأبيض : وجهة النظر المحتملة السادسة تقول بأنه علي الرغم من أن البيت الأبيض لم تكن لديه أي معلومات محددة عن الهجمات بشكل مسبق، إلا أنه كان يتوقع حدوث نوع من الهجمات وكان طرفاً في تسهيل حدوثها ، على الأقل بعدم إصدار الأمر والحيلولة دون وقوعها”.
– معرفة محددة مسبقة من قبل البيت الأبيض: وجهة النظر المحتملة السابعة تقول بأن البيت كان يملك معرفة مسبقة بتوقيت وأهداف الهجمات.
– البيت الأبيض متورط في التخطيط : وجهة النظر المحتملة الثامنة تقول بأن البيت الأبيض كان طرفاً في التخطيط للهجمات.
ويبقى قبل الانصراف التساؤل التالي.. متى سيعرف العالم حقيقة ما جرى في ذلك النهار الحزين؟