إميل أمين يكتب: جورباتشوف.. مصلح روسي أم خائن؟

إميل أمين

عن عمر 91 عاما، رحل ميخائيل جورباتشوف، آخر سكرتير للحزب الشيوعي الروسي، وبعد صعود سريع لقمة السلطة، كان بداية لانفراط عقد الاتحاد السوفيتي.

ومع رحيله تبقى هناك علامة استفهام تدور حول الرجل، وما إذا كان مصلحا حقيقيا، أم أنه خائن لبلاده، تم استغلاله من قبل الدوائر الغربية لتفكيك الاتحاد السوفيتي، ومن غير عناء إطلاق رصاصة واحدة، وليس الدخول في حرب نووية.

لقد أصبح من المألوف أن يؤرخ لبدايات التغيير في الاتحاد السوفيتي بصعود جورباتشوف إلى السلطة منذ عام 1985 ولم يكن لجورباتشوف ذاته أي سمعة خاصة كمصلح، فحسب تعبير المنشق الروسي المنفي “جورس ميدفيديف” لم يكن جورباتشوف ليبراليا، ولا مصلحا اجتماعيا جريئا، والواقع أنه كان يدين بصعوده إلى القمة لرعاية “أندروبوف”  السكرتير العام الأقدم للحزب الشيوعي.

في غضون سنة واحدة من مجيئه إلى السلطة كان جورباتشوف يدفع بإلحاح في اتجاه نهج بالغ الاختلاف عن النهج الذي كان متبعا في العقدين السابقين.

وفي المؤتمر السابع والعشرين للحزب في 1986 أطلق شعاري “بريسترويكا” أي إعادة البناء، و”جلاسنوست” أي العلانية، وشن حملة من أجل هذه التغييرات في جلسة كاملة هامة للجنة المركزية في يناير 1987.

ومع وعد جورباتشوف بثورة سلمية، سمح للصحفيين لأول مرة منذ منتصف العشرينات بأن يكشفوا عن شكل الحياة في الاتحاد السوفيتي، كما يعيشها الناس فعلا.

فقد ظهرت تقارير عن الفساد الواسع الانتشار وسيطرة المافيا، وحجم الفقر والبغاء، وتدهور الخدمة الصحية والتلوث المفزع، والمشكلات البيئية  الهائلة.

كان التأييد القاطع لجورباتشوف واسع الانتشار، لكن لم يكن هناك في ذلك الوقت سوى أشخاص قليلين للغاية مستعدين أن يحاولوا إثبات أن اليسار لا ينبغي أن يضع ثقته في جورباتشوف.

كان التحرر من الأوهام  قادما، دون إبطاء، فقلما انتقد جورباتشوف أولئك الذين خربوا ” البرويسترويكا ” و”الجلاسنوست “، دون أن يهاجم أيضا أولئك الذين سعوا إلى دفعهما ” أسرع مما ينبغي “.

والشاهد أن الاتحاد السوفيتي حاول أن يقدم ما يعرف برأسمالية الدولة المكتفية ذاتيا وقوميا، وأن يقدم دافعا إضافيا كبيرا في الغرب والعالم الثالث لإعادة بناء الصناعات القومية، لتتلاءم مع ضرورات الإنتاج المتعدد الجنسيات.

ومما لا شك فيه أن العنصر الأول في انهيار الاتحاد السوفيتي كان فشل رأسمالية الدولة القومية، وقد استتبعه مباشرة التفتت الداخلي، فعندما  تفقد العناصر التي تكون أي آلة بيروقراطية كبيرة ثقتها بزعمائها، فإنها تستدير لتهاجمك بعضها في بدايات الثورة البلشفية، وقد أصل ستالين بصورة منهجية سياسة “ترويس” للشعوب غير الروسية (أي إجبارها على أن تكون روسية)، كجزء من عملية تعزيز قبضته البيروقراطية المركزية الناطقة  بالروسية، وقد طهر ستالين قوميات الأقليات، من مواقع السلطة إلى حد أنه في أواخر الثلاثينات كان 17 فقط من أصل 1310 موظفين في القوقاز الشمالي من المواطنين المحليين، وقد صفى ستالين جسديا مثقفي هذه القوميات، وقام بتهجير أمم بأكملها آلاف الأميال، وكان خروشوف أقل وحشية، لكنه فصل كثيرا من القادة الحزبيين المحليين، بتهمة النزعة القومية البرجوازية الصغيرة.

وفي ظل بريجينيف، سُمح لقادة بعض الجمهوريات بأن يلعبوا على سمات ثقافية بعينها للقومية المسيطرة محليا، ولكن دون مناقشة للسيطرة  الشاملة على الإتحاد السوفيتي من جانب البيروقراطيين الروس.

أما استخدام اللغات غير الروسية، فقد داسوها بالأقدام منذ أواخر العشرينات فصاعدا.. ما الذي فعلته هذه النزعة القومية أكثر من مجرد توفير وسيلة للناس للاحتجاج على الاضطهاد القومي؟

الواقع أنها أدت أيضا إلى تعميق مشاعرهم بالاغتراب عن أولئك الذين كانوا يديرون الدولة المركزية.

هل كان إخفاق البريسترويكا نتاجا لنواقص شخصية تاريخية عند جورباتشوف؟

المؤكد أن تلك النواقص كانت ماثلة منذ البداية في صميم المهمة التي حددها جورباتشوف لنفسه، فمن الناحية السياسية ارتكزت البريسترويكا على تناقض، كان لابد من إعادة تنظيم جذرية لأضخم بيروقراطية في العالم ، ولم يكن من الممكن أن يحدث ذلك دون السماح بالضغط عليها من خارج صفوفها .

تاليا، لم يكن فشل الإصلاح الإقتصادي مجرد فشل في التنفيذ، كان هناك خطأ في صميم فكرة الاصطلاح ذاتها، فالهدف هو إعادة بناء الإقتصاد السوفيتي، بحيث تتوسع أقسامه القادرة على تكييف نفسها مع المستوى العالمي الراهن لقوى الإنتاج في حين تتوقف أقسام أخرى.

لم يكن لدى المصلحين في الاتحاد السوفيتي أي خيار سوى أن يحاولوا إدخال آليات السوق الداخلي، في حين يحتفظون بالحماية ضد المنافسة الخارجية، لكن ذلك ترك المشروعات السوفيتية العملاقة في مركز احتكاري أو شبه احتكاري، قادرة على إملاء أوامرها على السوق، وعلى إنتاج ما تريد إنتاجه، وليس ما يحتاج إليه الإقتصاد ككل ، وعلى رفع الأسعار، وقد أفضت محاولة الإصلاح بصورة لا يمكن تفاديها إلى التضخم، وإلى عجز يزداد إستفحالا، وإلى تقليص إداري للإنتاج.

كتب كارل ماركس ذات مرة قائلا :” إن البشرية لا تطرح على نفسها إلا مشكلات تستطيع حلها، لكن ذلك ليس صحيحا فيما يتعلق بالأفراد، أو فيما يتعلق بالطبقات المستغلة”، ” بكسر الغين “، فهولاء  مدفوعون إلى محاولة تحقيق غايات لا يملكون القدرة على بلوغها .

كان هذا هو الحال مع جورباتشوف ورأسمالية الدولة الروسية، فالطبقة الحاكمة لا يمكنها لا أن تتخلى عن الإصلاح الإقتصادي .

من هذا المنطلق سيدور الجدل غالب الأمر طويلا حول الرجل الذي يراه البعض مصلحا حاول استنقاذ بلاده، بينما نفر أخر من الروس يؤكدون على أنه خائن.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]