إميل أمين يكتب: ديفيد باسيج.. والسقوط الخامس لإسرائيل
خلفت المواجهات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة علامة إستفهام كبيرة وعريضة حول مستقبل الدولة العبرية، لا سيما في ظل إنكشافين واضحين، تركا أثرا بالغا على قادم أيامها، الأول يخص القوة العسكرية، والتي أثبتت التجربة أنها ليست ضمانة تفوق أبدية لإسرائيل، مهما أضافت إلى ترسانتها العسكرية من أحدث أنواع الأسلحة، والثاني إخفاقها في تصدير صورة مزيفة عما يجري هناك، بعد عقود طوال من التزوير الإعلامي، والذي انطلى من أسف على دول العالم، وبخاصة الدوائر الغربية، إذ قدر لوسائل الإعلام الحديثة كشف المستور، وإماطة اللثام عن حقيقة الوحشية الإسرائيلية من جهة، ومخالفتها الواضحة للقوانين الدولية التي تحتم عليها الحفاظ على الملامح الجغرافية والديموغرافية للمدن والبلدات الواقعة تحت سيطرتها.
السؤال الجذري الخاص بمستقبل إسرائيل، بات يشغل العقول التقدمية الإسرائيلية، تلك التي ترصد وقائع الحال، ومآلات الاستقبال بعين ثاقبة، وبعيدا عن العاطفة الهوجاء أو النزعات اليمينية المتطرفة.
من بين أهم الأصوات التي ارتفعت مؤخرا في الداخل الإسرائيلي، يأتي صوت البروفيسور ديفيد باسيج، أستاذ الدراسات المستقبلية، من جامعة بار إيلان، والذي توقع هزيمة دولة إسرائيل عما قريب إذا لم يتم اتخاذ خطوات بعينها للحفاظ على استمراريتها.
عرف العالم اليهودي قديما فكرة بوق القرن، ذاك الذي يستخدم في التحضر والاستعداد للحروب، وكذا في الأعياد الدينية الكبرى، ويبدو أن باسيج ومن خلال هيئة الإذاعة الإسرائيلية، مؤخرا قد بوق بالبوق الشهير، حين حذر إسرائيل من المستقبل المظلم القادم.
هل كان تحذير البروفيسور الإسرائيلي الشهير مرده إلى مقاومة الفلسطينيين أو صواريخهم التي أزعجت جيش الاحتلال الإسرائيلي؟
بالمطلق لم يكن الأمر كذلك، فيما كانت المفاجأة الكبرى متمثلة في اهتراء النسيج المجتمعي الإسرائيلي، وهو ما سيأتي عليه بالتفصيل في كتابه القادم المعنون “السقوط الخامس”، وفيه يتوقع أن تشهد بلاده حربا أهلية ضارية على المدى القريب، بين اليهود أنفسهم، وليس بينهم وبين الفلسطينيين، ومع جريان الدماء اليهودية بأيد يهودية، ومقتل الكثيرين خلال الاحتفال بأحد الأعياد اليهودية، سوف تبدأ أحجار الدومينو الإسرائيلية في السقوط، وخلال ثلاثة أجيال بحسب باسيج ستكون الدولة العبرية قد تفككت.
عند تلك النقطة ستبدأ حالات الاغتيال لشخصيات يهودية بارزة، ثم تحدث انتفاضة داخلية بين الإسرائيليين أنفسهم، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الهجرة العكسية للنخب اليهودية والكفاءات الإسرائيلية.
هل من جزئية بعينها لم يتوقف عندها الرجل الإستشرافي في الداخل الإسرائيلي؟
ربما الغوص عميقا في قراءات ورؤى باسيج يأخذنا إلى منطقة التطرف الديني اليميني اليهودي المتصاعد بقوة والذي بات يتهدد مسيرة دولة إسرائيل، فقد تعمق مؤخرا الشرخ الحادث بين التيارات المدنية الإسرائيلية، وبين جماعات اليمين المغالية في تشددها إلى حد التطرف، وفي المقدمة منها جماعة لهفاه، المكافئ الموضوعي لداعش، والتي تطالب بإلغاء القوانين الوضعية، والعودة إلى شرائع التوارة، ما يعني ردة دينية مطلقة، والكارثة أن أتباع لهفاه، يمضون وراء تحقيق رؤاهم من خلال أساليب القوة العمياء، والسعي في طريق التصفيات الجسدية.
في هذه الأجواء لن تكون إسرائيل دولة جاذبة بل طاردة، لا سيما إذا مضت قدما في طريق المزيد من التنعت والغي تجاه الفلسطينيين، وساعتها يبقى التحدي المطلوب مواجهته مضاعفا، بمعنى أنه سيصبح على حكوماتها المتعاقبة التصدي لجماعتين وليست جماعة واحدة.
هنا سوف تفضل – بحسب باسيج – الكثير من الأجيال الإسرائيلية الشابة، لا سيما من العلمانيين واليساريين ودعاة السلام، الهجرة العكسية إلى خارج إسرائيل، وبطبيعة الحال لن تضحى هناك آمال في أن تستقدم إسرائيل مهاجرين جددا من كافة أنحاء العالم.
هل باسيج وحده من رفع صوته عاليا منبها ومحذرا من مغبة ما ينتظر إسرائيل في المستقبل القريب؟
التنبيه والتشديد علي خطر الدولة الأصولية اليهودية لا يقف عند حدود “دافيد هيرست” و”إسرائيل شاحاك”، أو “جون ميرشايمر” و” ستيفن والت”، وغيرهم الكثير من العقول الغربية غير اليهودية، إذ بات يتجاوز هؤلاء ليصل إلي عقول من قلب المؤسسة اليهودية مثل “إبراهام بورغ” رئيس البرلمان الإسرائيلي السابق، وصاحب الصيحات التاريخية الصادمة للدولة الإسرائيلية، من عينة القول بأن “تعريف إسرائيل علي أنها دولة يهودية هو مفتاح نهايتها” وأنه “ينبغي إبقاء تيودور هيرتزل خلفنا”
بل إن الرجل عينه قد نبه إلي كارثية قانون العودة ووصفه بأنه يؤدي إلي طلاق “بيننا وبين يهود الشتات وبيننا وبين العرب”، وذهب إلي ما يهز أركان الدولة الإسرائيلية، عندما قال إن إسرائيل حاليا أشبه ما تكون بألمانيا عشية الحكم النازي.
هل إسرائيل أمام لحظة مصيرية، ومنعطف تاريخي يحتم عليها أخذ مبادرة شجاعة للفكاك من القدر المحتوم؟
المتابع للمشهد الدولي يتأكد لديه أن تل أبيب قد خسرت الكثير أدبيا في الجولة الأخيرة، الأمر الذي يجعل من البحث عن مسالك سلام حقيقي وعادل هو الحل، وما عدا ذلك انتحار تتحقق معه إستشرافات باسيج.