إميل أمين يكتب: ديمقراطية أميركا في مهب الريح

 

عدة مظاهر وظواهر تشير إلى أن الديمقراطية الأمريكية في أزمة حقيقية، في المقدمة منها محاكم القانون السري الاستخباراتية، والعلاقة المثيرة للجدل بين واشنطن والجماعات الأصولية، لا سيما ما عرف بجماعات الإسلام السياسي، وهي علاقة ضاربة بجذورها في المجتمع الأمريكي منذ خمسينات القرن الفائت، عندما أرادت أن تهاجم المعسكر الشيوعي بتسخير قوى الإسلام السياسي كما اصطلح على  تسميته، وقد شهد العالم من أدناه إلى أقصاه صوراً للسيناتور الجمهوري النافذ والراحل حديثا “جون ماكين” تجمعه مع رجل داعش الأشهر أبو بكر البغدادي.

يقول الأمريكيون إن هناك تهديدات حقيقية تضرب جنبات المجتمع الديمقراطي الأمريكي، ومنها القوانين التي تنتهك حقوق  التعديل الثاني، وإستهداف المعارضة السياسية مع تهديدات مصلحة الضرائب، ومحاكمة الأمريكيين الذين يعرضون جرائم واشنطن وإعتبارهم خونة، عطفاً على إرسال الشباب الأمريكي للمشاركة في الحروب العدوانية الإستباقية.

لا تتوقف مظاهر تدهور الديمقراطية الأمريكية عند ما سبق، بل تمتد لتغطي قطاعات عريضة من الحياة  العامة والسياسية والاقتصادية، فمنها التجبر الواضح والفاضح للحكومة المركزية الأمريكية، تلك التي تقوم بإطلاق النار على أشخاص غير مسلحين يعانون من أزمات مرض عقلي، وإستخلاص الأموال من الفقراء وإستخدامها لدعم الأغنياء وأصحاب الشركات العالمية، بينما يلزمون الناس بشراء منتجات لا يريدونها أو يحتاجونها.

على أن هناك قضايا بعينها تكاد تشي بأن أمريكا الديمقراطية الحقيقية في خطر، وقد أطلق جرس الإنذار عالم الاجتماع السياسي “فرانسيس فوكاياما” قبل بضعة أشهر.

من بين تلك القضايا عودة التمايز العرقي في الداخل الأمريكي بين الأمريكيين وبعضهم البعض، وبنوع خاص التمييز بين السود والبيض، فقد ظن المرء أن العنصرية الأمريكية قد ذهبت إلى غير رجعة، إلا أن حوادث الأعوام القليلة الماضية ضد الأمريكيين من أصل افريقي، أثبتت أن العنصرية كامنة عند بعض الـــ WASP، أي الأمريكيين البيض البروتستانت من أصول ساكسونية، لا تزال قائمة تحت الجلد، وقد تبدت تلك الحقيقة من خلال إحراق كنائس للسود، وإطلاق النار على تجمعات دينية وإجتماعية تضمهم، كما تشير البيانات الاحصائية إلى أن غالبية السجون الأمريكية تعج بالأمريكيين السود، الأمر الذي جعل العنصرية قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة وكل لحظة.

والثابت أنه كان من الطبيعي في ظل عودة العنصرية ضد السود أن تتعالى صيحات المد اليميني الأمريكي، وهذا يمكن أن نقسمه إلى قسمين، يميني يلوي عنق النصوص الدينية، ويمين قومي شوفيني متطرف، لا يلتفت كثيرًا للإشكاليات العقائدية، بل جل همه الأكبر تركز حول قيادة وريادة أمريكا للعالم.

هذان التياران مهددان قويان للمحددات الأساسية للديمقراطية الأمريكية، وفي المقدمة منها فصل الدين عن الدولة من جهة، والمساواة في الحقوق من ناحية أخرى.

تغيب الديمقراطية أو تتهدد عندما ترتفع الأصوات الدينية المحرفة بعيدًا عن سماحة الدين، وعن طهره ونقائه، لتستغل من أجل تهديد الآخرين بسيف الدوجمائيات البتار، وما جرى من قبل إدارة ترامب بشأن إعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، وكذلك نقل السفارة الأمريكية إليها، جميعها تؤكد أن أصوات اليمين الأصولي الديني هي التي باتت أكثر علوا وارتفاعًا عن الأصوات السياسية الرصينة، ما يهدد بالفعل الديمقراطية الأمريكية، ويضعها في مهب الريح.

أما إشكالية المساواة فباتت بدورها عرضة للمساءلة، إذ تهيمن الطبقة الثرية على مقدرات البلاد، ولتنشأ بينها وبين جماعات الضغط علاقات، تعمق من نفوذ الدولة الأمريكية العميقة، وتعمل على تصعيد الإنزياحات جهة الدولة الديمقراطية…. هل من مثال على ما نقول به؟

خذ إليك أزمة إنتشار السلاح بين أيدي المواطنين، وكيف تقع كل يوم حوادث تقترب من المجازر، سيما في المدارس الأمريكية، وذلك لسهولة الحصول عليه في بعض الولايات، وهناك تجد الجميع يحاجج بوجود نصوص دستورية تعود للعام 1791 تجيز حمل السلاح للدفاع عن النفس.

غير أن التوقيت الذي صدر فيه هذا التشريع كان هدفه حماية الاستقلال الأمريكي الناشئ حديثاً، وعندما لم يكن هناك جيش وطني، أو شرطة  نظامية، تقوم على ضبط الأمن في البلاد.

غير أن الذين يقفون وراء شركات الأسلحة الصغيرة يخشون على أرباحهم الطائلة، وعليه فإنهم يرفضون المساس بالتعديل الثاني من الدستور الأمريكي إعتباراً أنه يصون الحريات، وإن كان لا أحد يضمن الأمن المجتمعي، وفي هذا السياق أصبح المال عصبًا حساسًا، وإن غير حاسم بالضرورة، وخلق نوعًا من الرخص السياسي الإنتخابي الذي يختصم ولا شك من الديمقراطية إلى أبعد حد ومد….كيف ذلك؟

المعادلة سهلة ويسيرة والطرف الأول فيها رجالات السياسه الأمريكية على إختلاف درجاتهم ومناصبهم، بدءاً من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، مروراً بحكام الولايات، وصولاً إلى عمد المدن الصغيرة، هولاء يحتاجون لأموال الطرف الثاني، المتمثل في شركات مبيعات الأسلحة الصغيرة، والتي تحقق أرباحاً خرافية، وعليه فإنها تقوم بتمويل الحملات الإنتخابية لهولاء وأولئك، لضمان أن يبقوا سنداً وعوناً لها ضد أي اقتراحات قد تغير من الشكل التقليدي لتلك التجارة الرابحة.

فيما الطرف الثالث هم المواطنون الأمريكيون، وهولاء غالباً مغيبون بدرجة أو بأخرى عن معرفة الحقائق، إذ هم لاهون في البحث عن الراتب الأسبوعي، الذي ينفق برمته، ولا يعود هناك مجال إلا لتصديق ما تبثه وسائل الاعلام، وهي بارعة جداً في هذا السياق، إلى الدرجة التي تجعلنا نتذكر المقولة الشهيرة… “في زمن الإمبراطورية الرومانية، كان من لديه الخبز يصنع الشريعة، فيما بات المشهد الآني من يتحكم في وسائل الإعلام، هو الذي يقدم للعالم الشرائع التي توافقه وتحقق له مصالحة الإستراتيجية”.

سؤالان محددان لمسيرة الديمقراطية الأمريكية: الأول كيف تموت الديمقراطيات، وقد كان السؤال المتقدم مادة بحث وتفكير “عزرا كلاين” المدون والكاتب والإعلامي الشهير عبر موقع (VOX)، وعنده انه من أجل صعود الديمقراطية، يتعين تقديم القيم الأساسية على المكاسب السياسية المباشرة، وهو ما تفتقر إليه الديمقراطية الأمريكية حالياً، ولذلك فهي عرضة للخطر.

مشهد الديمقراطية الأمريكية كان دائما ما يتجلى في التعاون بين الحزبين الكبيرين والرئيسيين الجمهوري والديمقراطي من أجل الصالح العام، وثمة معياران رئيسان حافظا على الضوابط والتوازنات الأمريكية، هما التسامح المتبادل، و إدراك أن الأحزاب المتنافسه تتقبل وجود بعضها البعض، أو فكرة أن السياسيين يجب أن يمارسوا ضبط النفس في استخدام صلاحياتهم المؤسسية.

غير أن هذا لم يعد حاصلاً في الداخل الأمريكي فقد كان هناك 385 نوعًا من العراقيل في مجلس الشيوخ بين عامي 2007 و2012، أي ما يعادل عدد العراقيل في العقود السبعة الممتدة بين الحربين العالمية الأولي، ونهاية إدارة ريجان، وقد تسبب ذلك في تراجع عدد التعيينات في محكمة الدائرة، التي تجاوزت 90% في الثمانينات إلى حوالي 50% خلال رئاسة باراك اوباما.

وفي عام 2013 عندما توفي القاضى أنطونين سكاليا، رفض زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ “ميتش ماكونيل” حتي عقد جلسه للنظر في تعيين “ميريك جارلاند “إختيار أوباما ليحل محله.

يري كلين أن أكثر قلقه في عام 2017 هو رد “ساره ساندرز” السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، على سؤال من صحافي حول كذبة فجة لوزير الأمن الداخلي الجنرال “جون كيلي”، إذ كان ردها: “إنه من المشين مجادلة جنرال يحمل أربعة نجوم”… هكذا تموت الديمقراطية.

إن الشقوق في السياسه الأمريكية، والغضب والخوف الذي يشعر به الواحد تجاه الآخر هناك، والتصدعات التي سوف يتسبب فيها التغيير الديموغرافي في النظام، وهذه إحقاقا للحق قد سبقت ولاية الرئيس ترامب، تعني جميعها أن السبيكة المجتمعية الأمريكية لم تعد مرتاحة لبعضها البعض، الأمر الذي يثير مخاوف حدوث زلزال اجتماعي، عندما تتحرك فيها فوارق، وربما فوالق المجتمع دفعة واحدة.

ينهي “كلاين” مقالته بالقول: “إن الحقيقة الواضحة هي أن العالم لم يشهد قط ديمقراطية متعددة الأعراق لا تكون فيها مجموعة عرقية هي الأغلبية، وتسودها العدالة الاجتماعية”.. ربما تكون أمريكا أول دولة يقام فيها نظام كالمذكور آنفاً، ولكن على الأمريكيين الحذر من الفشل، فالخطر المحدق بالولايات المتحدة يمس ديمقراطيتها.

هل باتت الديمقراطية الأمريكية في مهب الريح ؟

قد يكون ذلك كذلك بالفعل.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]