إميل أمين يكتب: روسيا.. هل تقف وراء عسكرة العالم؟

إميل أمين

 ما جرى ويجري على صعيد الأزمة الروسية – الأوكرنية، لن تنتهي مفاعليه بعد وقف إطلاق النار، بل ستمتد إلى ما هو أبعد زمنيا، وجغرافيا، وربما ديموغرافيا كذلك.

تبدو الأزمة الروسية وكأنها تعود بالعالم إلى زمن العسكرة مرة جديدة، والمثير أن القيادة الروسية تظهر في الداخل ميولا لتشجيع فكر الحرب والميل إلى حل النزاعات عن طريق القوة، أما في الخارج فقد بات العالم مهموما وعما قريب محموما  بالسعي في طريق إعادة التسلح.

عسكرة  الداخل الروسي في واقع الأمر من الواضح أنه كان مخططا لها، وحتى قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، فقد فقدت روسيا الثقة في الغرب منذ زمان وزمانين، والجميع يتذكر مقولة القيصر بوتين: “من لا يتذكر ما جرى  للاتحاد السوفييتي من تفكيك ليس له قلب”.

أدرك الروس أن حلف الناتو غير موثوق، وليس له مصداقية، لا سيما بعد أن تنكر قادته لفكرة عدم التوسع أو الامتداد شرقا،  وجاءت تجربة أوكرانيا الأخيرة لتؤكد نوايا الحلف، كما تم التأكد منها بالفعل مع جورجيا عام 2008.

من هذا المنطلق بدا وكأن الروس يعملون على تلقين الأجيال الروسية فكر القتال والمواجهة منذ الصغر، استعدادا للنزالات القائمة والقادمة.

في أواخر ديسمبر كانون الماضي كانت وسائل الإعلام الروسية والعالمية تلفت الأنظار إلى تجربة جديدة تجري على  صعيد المدارس الروسية، وفي جميع أنحاء البلاد، فقد عقدت  مسابقات تضمنت أنشطة عسكرية مثل قراءة الخرائط وإطلاق  النار واختبارات في تاريخ البلاد.

المثير أن الكرملين عينه هو من قام بتمويل هذه المسابقات، كما  مُنح الفائزون جوائز وهم يرتدون ملابس عسكرية في احتفال  اقيم خارج موسكو .

لم تكن النيويورك تايمز الأمريكية بعيدة عن رصد هذا المشهد، وقد نقلت عن سفياتوسلاف أوميلتشينكو، وهو عضو سابق في القوات الخاصة التابعة لجهاز الأمن والاستخبارات الروسي القديم “كي.جي.بي”، ومؤسس مجموعة “فيمبل، التي تدير هذه المسابقات قوله: “يدرك الآباء والأطفال أن هذه  القوقعة من العدوانية من حولنا تضيق، وتتصلب، ولهذا فإننا نبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن الأطفال يدركون ذلك، ونجعلهم مستعدين للذهاب والخدمة”.

عسكرة المدارس الروسية ليست خطوة عشوائية جرت قبل غزو أوكرانيا، وإنما فكرة تتسق ورؤية القيادة السياسية  الروسية التي تؤمن فيها وتعتقد بها الحكومة الروسية منذ سنوات، وهي أن “الوطن الأم محاط بالأعداء”، وتذكيرا بأن روسيا العظمى يمكن أن تضطر مرة أخرى إلى الدفاع عن نفسها كما فعلت ضد النازيين في زمن الحرب العالمية الثانية”.

يعن للمرء التساؤل: كيف لهذه الأجيال أن تمضي مستقبلا، وهل سيكون للسلام وطروحاته دالة عليها؟

التساؤل يحمل شقا آخر ينبغي التوقف أمامه، وهو وجهة نظر تحترم في كل الأحوال، وقد أشار إليها الرئيس بوتين بقوله: إن “روسيا لا تريد إراقة الدماء، ولكنها مستعدة للرد بتدابير عسكرية تقنية، على السلوك العدواني الغربي”.

حكما ستنشأ عما قريب أجيال روسية ترى من حولها سباق تسلح أكثر ضراوة مما جرت به المقادير في زمن الحرب الباردة، وإن اتسم بذكاء اقتصادي وتكنولوجي كبيرين، بمعنى أن روسيا لم تنسق وراء سباق تسلح كمي يدخلها في دائرة  استنزاف مالي كما حدث للاتحاد السوفييتي من قبل، ولهذا  نرى التسليح الروسي الحديث يتمحور حول صواريخ فرط صوتية لا تصد ولا ترد، وغواصات غير مأهولة بالبشر، قادرة على تغيير مسارات المعارك العسكرية، والاهتمام بتسليح الفضاء.

هل الصراع الأخير ما بين روسيا وأوكرانيا في الظاهر، أو بين روسيا والناتو في الخفاء، هو من أشعل عسكرة روسيا والعالم، أم أن الغرب بدوره قد عزز ذلك الاتجاه؟.

يحاجج الروس بأن الولايات المتحدة الأمريكية وفي معيتها  عدد من الدول الأوربية، هي السبب الرئيسي وراء إطلاق شرارة العسكرة حول العالم من جديد، فعلى سبيل المثال واشنطن هي من أنشات حلف أوكوس مع بريطانيا واستراليا  بهدف تهديد الحضور الروسي والصيني في مياه المحيط الهادئ.

كما أن الولايات المتحدة عينها، هي من بلور تحالف كواد مع اليابان والهند وكذا استراليا، تحت مظلة الدولة الديمقراطية، وفكرة مواجهة الأنظمة الشمولية، في حين أن الهدف الرئيس في واقع الأمر هو التحضر عسكريا لحصار الصين وروسيا.

عسكرة العالم إذن ليست روسيا هي السبب الوحيد والرئيسي فيها، والأمر لا يقتصر عليها في مجال إضفاء المزيد من ملامح العنف على العالم، فالصين بدورها، ولأنها تدرك الأبعاد الاستراتيجية لخطوط الطول والعرض الأمريكية، والتي تسعى  لحصارها والتضييق على فرص صعودها القطبية، تسعى بدورها في مدارات التسليح النووي غير المسبوق، ومن آية  ذلك، الحديث عن حيازة عشرة آلاف رأس نووي خلال العقد الحالي، ما يعني قدرا يوازي ما في الترسانتين النوويتين الروسية والصينية معا.

العسكرة في حاضرات أيامنا باتت أوربا تستشعرها، ومن قبل المواجهة بين موسكو وكييف، والمثير هنا هو أن الأوربيين ربما بلغوا ملء الزمان الذي يتحتم فيه مغادرة معسكر الناتو، بعد أكثر من سبعة عقود من التبعية الأمريكية، وما طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والخاص بإنشاء جيش أوربي إلا بداية زمن الانفصال.

أوربا المعسكرة باتت تعبر عنها ألمانيا على نحو خاص، والتي رصدت ميزانية أولية تبلغ مائة مليار يورو، بهدف إعادة  تأسيس قواتها العسكرية، وربما سيستمع العالم عما قريب، عن المانيا النووية، غير المكتفية بالقواعد الأمريكية على أراضيها، وفي زمن ارتفاع صوت العرقيات، وزيادة المد القومي والآري بين الألمان.

المشهد نفسه ومن غرائب الأمور، وصل إلى حدود اليابان والتي تشهد ثورة شبابية على قيود ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغت الشطحات العسكرية مؤخرا حد مطالبة رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، بنشر رؤوس نووية ولو أمريكية على الأراضي اليابانية.

عسكرة العالم هي أزمة العقود القادمة، والنتيجة الحتمية توصل إليها أديب روسيا الكبير أنطوان تشيكوف في إحدى قصصه، إذ قال : “حين تقرأ في الفصل الأول من رواية ما أن هناك بندقية معلقة على الحائط، فإنه في غالب الأمر ستنطلق في الفصل الثالث”.

إلى أين يمضي عالمنا المعاصر؟ إلى قراءة قادمة بإذن الله.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]