إميل أمين يكتب: سانت إيجيديو.. صلاة لأجل تعايش سلمي أمريكي

إميل أمين

على  هامش الصراع المحتدم في الولايات المتحدة الأمريكية، والعنف المتصاعد على الصعيد العرقي، أعلنت جماعة سانت ايجيديو عن سهرة صلاة مساء الجمعة القادمة   في كاتدرائية سانت ماري بوسط روما.. ما الهدف الذي من أجله تدعو الجماعة للسهر والصلاة؟

تأتي الدعوة في إطار الحث على التعايش السلمي، وتفعيل الحوار والجوار بين الأمريكيين وبعضهم البعض، ومن أجل القفز على حواجز العنصرية المريرة، تلك التي يمكنها أن تحطم النسيج المجتمعي الأمريكي.

يعن لنا التساؤل: ماذا عن تلك الجماعة التي تعمل عبر خمسة عقود لتوطين السلام وطرد الخصام من العالم؟.. ولماذا باتت على هذا النحو من الأهمية في الحياة المعاصرة؟

المؤكد أنه لا يمكن تقديم جواب شاف واف قبل العودة إلى عقد الستينات بنوع متميز، ففي ذلك الوقت عاشت الكنيسة الكاثوليكية نهايات زمن انعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والذى كان بمثابة نقلة فكرية وروحية في تعاطي الكنيسة مع المؤمنين من غير الكنيسة الكاثوليكية، وكذا مع غير المسيحيين حول العالم، ويمكن تلخيص رؤية المجتمع للبشرية بأنها شرعت الأبواب واسعة للحوار والجوار، للتلاقي والاقتراب من الآخر، وهاهي تمضى في إثره حتي الساعة، حاملة رغبة جذرية في أن يكون الحوار أداة للوصول إلى السلام حول العالم.

من هذا المنطق يمكن القطع بأن جماعة “سانت إيجيديو” نشأت في ظل حاضنة فكرية إيمانية خلاقة، إنطلقت جذوتها في نفوس طلاب المدارس الثانوية عام 1968 في إيطاليا.

كان الهدف الرئيسي لها تعزيز السلام في نفوس وقلوب وعقول شعوب العالم، ولم تكن أوروبا بعيدة في ذلك الوقت عن حرب عالمية طاحنة تعلم منها الجميع درسًا مفاده أن السلام ثمنه عظيم ويستحق أن يبذل الجميع في سبيله كل مرتخص وغال، وبالإضافة إلى دورها الرئيسي في نشر السلام، كانت تقدم مساعدات إنسانية فعالة، وتقوم على برامج لتعليم الفقراء، ومن ثم تأهيلهم للعب أدوارًا اساسية على الصعيدين الدولي والإقليمي.

على أن علامة الاستفهام في هذا المقام: ما الذي ميز ولا يزال طريقة “سانت إيجيديو” في القيام بدور الوساطة اللازمة لنشر السلام حول العالم وإنهاء الخلافات والخصومات داخل الدولة الواحدة، وبينها وبين غيرها من الدول؟

تمضي “سانت إيجيديو” التي امتدح عملها الأمين العام الراحل للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي في طريق تعميق الحوار مع الآخر ليكون مدخلاً أساسيًا في بناء أرضية قوية من الثقة المتبادلة تمكن الجميع من القفز فوق ظلامية اللحظات الحاضرة.

تسعى “سانت إيجيديو” في طريق العلاقات الشخصية وفهم ثقافة الأطراف المتحاربة، ثم النهج الحذر الصبور في الاقتراب من الأزمات، والتعامل الشخصي الإنساني القريب واللصيق من القائمين على القرار، الأمر الذي يمكن فعلاً وقولاً من القفز على الواقع المؤلم الذي يشمل عالمنا.

لعبت “سانت إيجيديو” دورًا بارزًا على صعيد الكنيسة الكاثوليكية، حتي أنها أطلق عليها “أمم متحدة الفاتيكان” والسبب في ذلك قدرتها على حشد أتباع لها من جميع أرجاء العالم، من كل الأديان والجنسيات، الأعراق والمذاهب.

نجحت “سانت إيجيديو” في وساطات سلام عديدة في افريقيا كما الحال في بوروندي، وفي منطقة البلقان التي شهدت حروبًا أهلية طاحنة، عطفًا على ساحل العاج وليبريا، وفي أمريكا الجنوبية في جواتيمالا، ولم يكن العالم العربي بعيدًا عنها، ففي زمن السنوات العشر التي عاشتها الجزائر في حرب أهلية مع الإرهاب، كادت جهودها تنجح لولا تأجيج نيران الفتنه ضد الجماعة من قبل دول أجنبية، فيما كان النجاح الفائق لها في السلام الذي حل في موزمبيق، ويقول الراسخون في العلم إن كثيرًا من المؤسسات السياسية الدولية الكبري لا تفضل لسانت إيجيديو مثل تلك النجاحات لاسيما أنها تختصم منها الشئ الكثير.

والمؤكد أن أعمال هذه المنظمة الخيرية، ونشاطاتها للدفاع عن حقوق المهمشين والمبادرات في حل النزاعات متجذرة في أصولها الروحية بوصفها جماعة صلاة وزماله، ولهذا يصف قادة المنظمة أنفسهم كأصدقاء، ويعزون كثيرًا من نجاحهم للفلسفة الأساسية ونهج المجموعة.

يصف “أندريا ريكاردي” الأب المؤسس لمنظمة “سانت إيجيديو” الحرب بأنها سبب كل الفقر، فهي تجعل الجميع فقراء، حتي الأغنياء، ولهذا تسعي للحوار بين أتباع الأديان كآلية مهمة للتفاهم الخلاق الذي يتجاوز العداوات الشخصية، وهي تؤمن في كل الأحوال بأهمية التآزر بين الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية والحكومية، ولا يوجد لديها صيغة موحدة لصنع السلام، كما يرى وسطاء “سانت إيجيديو”، وإن كانت بعض الاستنتاجات يمكن استخلاصها من تجربة الجماعه، وعلى وجه الخصوص دورها الرائد والناجح في موزمبيق، والتي تقول بأن التفاهم الثقافي بين الأطراف المتنازعة، والذي يختلف بالطبع من صراع إلى صراع، أمر حاسم للنجاح.

تعرف طريقة “سانت إيجيديو” في العمل بأنها تمتنع عن ممارسة الضغط على الاطراف أو وضع الإنذارات، ولذلك لا يتم استخدام نهج التهديد، وتعتمد على شبكتها الواسعه من الاتصالات والعلاقات بين الأديان والمكتسبة خلال أكثر من عشرين سنة من التعامل في الحوار بين الأديان العالمية الكبري، بالإضافة إلى الاجتماع الدولي السنوي بين الأديان للصلاة من أجل السلام، والذي يعقد عادة كل عام في سبتمبر ويحضره أكثر من 400 من قادة الأديان من مختلف أنحاء العالم.

غير بعيد منا كذلك الدور الإنساني الخلاق الذي تقوم به “سانت إيجيديو” في خدمة المهاجرين الفارين من الحرب في العراق وسوريا بنوع خاص، وفي ذلك يتصدون ويتحدون لموجات العنصرية والميل إلى اليمين المتطرف، وقد جاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيطاليا لتدق أجراس الخطر تجاه عنصرية فاشية تكاد تنمو في أحشاء أوروبا عامة وإيطاليا بخاصة من جديد.

في لقاء البابا فرنسيس بالجماعة قبل بضعة أيام كان يدعوهم للتحلي بقلب منفتح أمام الجميع، من دون أي تمييز، فيما كانت نصيحته الرئيسية لهم: “لا تخافوا أمام قوى الشر”، مضيفًا إن العالم اليوم غالبًا ما يسكنه الخوف.. أو الغضب الذي هو شقيق الخوف، وحتي لا نشعر بالخوف – يقول البابا ـ أمام قوى الشر، وحتي نحمي ذاتنا من “الأيديولوجية” ونتحرر من تنمير الخوف، علينا أن نحب قراءة الكتاب المقدس على الدوام.

تلقى “سانت إيجيديو” في خمسينيتها إهتمام العالم برمته، الأمر الذى تجلى في البرقية التي أرسلتها المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” لرئيس الجماعة الحالي “ماركو ايمبالياتسو” وقالت فيها: “لقد وضعتم ضواحي العالم في المركز”.

وفي كلمات للمؤسس أضافت: “أيها العزيز البروفيسور ريكاردي، عندما أسست الجماعة عام 1968 وكنت في سن الـ 18 بالكاد، إلى جانب زملاء من طلبة الثانوية، كانت أوروبا والعالم كله تمر بمرحلة تحول اجتماعي عميق، وتابعت: “أراد كثيرون العمل لجعل العالم مكاناً أفضل. لقد سرت أنت أيضاً على هذه الطريق ونجحت”.

لماذا “سانت إيجيديو” اليوم علامة على الطريق؟

المؤكد أنه إذا كان رجالات ونساء سانت ايجيدو اليوم معروفين دوليًا، فلأن التزامهم في العالم يتحدث عنهم، حيث سيرتهم على ألسنة رجال ونساء من ديانات مختلفة تمضى باحترام كبير، لما  بذلوه ويبذلونه كل يوم للانتصار على الذات وتمهيد طرق الحوار حول العالم بعزم لا يلين وحزم لا يهن.

تقدم “سانت إيجيديو” اليوم للعالم نموذجًا من شمولية التضامن، فمستقبل العالم كما أشار الأب الأقدس يكمن في العيش معاً، وهذه المثالية تتطلب التزامًا ببنيان الجوار والمحافظة على حوار متفتح والمثابرة على ملاقاة الآخر.

وفي كل الأحوال تبقى “سانت إيجيديو” علامة على الرجاء الحي والتواصل  الإنساني في زمن بات فيه اليأس يخيم على سماوات العالم، والقطع بين الأمم والشعوب هو السمة الغالبة، تلك المرحلة التي تعقبها الحروب وتتولد من ورائها الكراهية، وتشتعل نيران الأصوليات.

دور “سانت إيجيديو” يحتاج للدعم حول العالم لاسيما فيما يتصل بالحوار، سيما وأنه حوار يستجيب لأعمق أسباب المحبة والتعايش، صداقة المؤمنين يجب أن تقف في وجه الصعوبات والاختلافات الواضحة، في ظل وعي على انه لا يوجد بديل عن الحوار، وبذلك يصبح قطبًا لجذب جميع الذين يبحثون عن عالم أكثر عدالة وأشمل إنسانية.

الخلاصة: جماعة “سانت إيجيديو” جماعة نافذة عبر مبادئها الإنسانية وقادرة على  تصويب أخطاء السياسة العمياء، ولهذا يبقى لها مستقبل عميق من العمل البناء بين مختلف الأمم والشعوب.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]