إميل أمين يكتب: سيناريوهات استشرافية للأزمة الأوكرانية
دخلت الأزمة الروسية– الأوكرانية أسبوعها الثاني على التوالي، ومن غير أن تبدو هناك في الأفق أي علائم للحل، أو بوادر وساطة دولية تنهي الأزمة التي أربكت حال العالم إرباكا غير مسبوق، منذ نهايات الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود.
ومع تطور الأحداث، لا تبدو حظوظ سيناريوهات التفاوض السلمي أوفر حظا من خطط المواجهات، فرغم الاتصالات الهاتفية المطولة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فإن المحصلة النهائية لا شيء.
يعن للمرء أن يتساءل: “هل هناك مصلحة غربية عامة، وأمريكية خاصة، في أن تنتهي الأزمة سريعا؟
الشاهد أنه وفي ضوء التحليل المعمق للصراع الروسي مع الناتو، وعدم المقدرة على المواجهة عسكريا، يبقى سيناريو المستنقع الأفغاني هو الأكثر ملاءمة لإخماد جذوة الصحوة الروسية عبر عقدين من الزمن بقيادة بوتين.
في هذا السياق تبقى عملية إطالة أمد الأزمة، أمرا مهما لواضعي الإستراتيجيات الغربية، لا سيما من قبل جماعة المحافظين الجدد الساعين إلى صبغ العالم بصبغة أمريكية، منذ أن طرحوا مشروعهم للقرن الأمريكي عام 1997 وحتى الساعة.
هنا يمكن للمرء أن يرصد طريق عسكرة أوكرانيا، بمعنى تدفق السلاح إليها، بالضبط كما حدث في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، ولعله من عبث الأقدار أن يعاد اللجوء إلى نوعية صواريخ، “ستينغر”، والتي تم استخدامها في اصطياد طائرات السوفييت في أفغانستان، لتؤدي الدور نفسه مرة جديدة في حاضرات أيامنا.
أظهرت المقاومة الأوكرانية تحديات واضحة للقوات الروسية على الأرض، على الرغم من القدرات عدم المتكافئة بين الجانبين، غير أن علامة الاستفهام: “إلى متى ستظل المقاومة الأوكرانية صامدة، ومتى يمكن أن تخور قواها، وبخاصة إذا سقطت العاصمة كييف؟
ضمن سيناريوهات المواجهة المستقبلية يبقى الحديث عن تدخل بعض أسلحة الجو لدول الجوار، والحديث الدائر في الأيام الأخيرة عن دفع الولايات المتحدة بولندا، الدولة الجارة لروسيا، لتزويد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة حديثة، وهو ما أنذرت روسيا وحذرت منه.
هل يمكن أن تضحى بولندا مرة ثانية عبر التاريخ السبب الرئيس لإشتعال الحرب العالمية الثالثة ، كما كانت من قبل شرارة الحرب العالمية الثانية؟
الثابت أن الرئيس بوتين لم يوفر تهديدات مباشرة لأي طرف دولي مجاور يسعى لخلط الأوراق أو قلب الموازين، وساعتها حكما سيكون الرد الروسي على قدر التدخل، وليس سرا أن الكثير من الأوراق الحربية لا تزال في حوزة القيصر، وهو قادر حال التضييق عليه على استخدامها، وسواء كانت أوراقا عسكرية، أو اقتصادية .
يبدو سيد الكرملين مصمما على مطالبه، والتي تبدأ من عند نزع سلاح الدولة الأوكرانية بكاملها أول الأمر، ثم حتمية تغيير أوكرانيا نصوص دستورها لتلتزم بعدم الانضمام إلى أي تجمع أو حلف غربي، ثم الاعتراف باستقلال إقليم الدونباس، حيث جمهوريتي دونتيسك ولوهانسك، وأخيرا الإقرار رسميا بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم.
هل هذه شروط تعجيزية من قبل روسيا تجعل من أمر التفاوض السلمي أثرا بعد عين؟
غالب الأمر ذلك كذلك، لا سيما أن المشهد على هذا النحو، لا يحفظ حق أوكرانيا كدولة ويستفالية مستقلة، ومن جهة ثانية يعطي دافعا لأي قوى دولية تمتلك القدرة المسلحة، على القيام بتغيير ملامح جيران لها، أو بعيدة عنها، بالأسلوب نفسه، الأمر الذي يعني المزيد من الفوضى العالمية في الحال والاستقبال.
يحاجج البعض هنا بأن أوكرانيا كانت يوما ما جزءا من الأراضي الروسية، ورغم أن ذلك قد يكون من الناحية التاريخية قريبا من الصحة بدرجة أو بأخرى، فإن الواقع العملي يخبرنا أن سيناريو تغيير الأنظمة الأممية على هذا النحو، لا داعم له من قانون دولي أو وضعي، وإلا أصبح العالم غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ما يعود بنا إلى مقولة الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، من أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
أخر الطروحات الموضوعة على مائدة السيناريوهات المستقبلية للأزمة الأوكرانية، خطة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمكونة من ست نقاط:
** حشد تحالف إنساني دولي يعمل لصالح أوكرانيا.
** دعم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
** زيادة الضغط الاقتصادي ضد روسيا إلى الحد الأقصى.
**منع التطبيع الخبيث لما تفعله روسيا بأوكرانيا.
** متابعة المسار الدبلوماسي، توصلا إلى خفض التصعيد.
**إطلاق حملة سريعة لتعزيز الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية.
هل من الوارد أن يوفي الحظ لتلك الخطة؟
أغلب الظن أنها كلامية بلاغية بأكثر منها واقعية قادرة على تغيير مسارات القيصر بوتين على الأرض، كما أن الإصرار من جهة جونسون غير واضح المعالم بدرجة مؤكدة، لا سيما بعد أن اشار إلى روسيا بوصفها الدولة الكبرى، ذات التاريخ الكبير، والحضارة العظيمة، الأمر الذي يعني أن صاحب خطة النقاط الست، لا يزال في حالة عدم يقين بالنسبة لمستقبل الأزمة الأوكرانية.
ما الذي يتبقى في الملامح الأولية للإشكالية الأوكرانية؟
حكما تبقى قضية ارتدادات العقوبات الاقتصادية على بقية العالم، ذلك أنه حتى وإن أثرت سلبا وإلى أبعد حد ومد على روسيا في الداخل، إلا أنها ستترك بصمات سلبية على بقية شعوب العالم، وربما بدأت تلك التبعات الكارثية في الظهور بالفعل، ويكفي المرء النظر إلى سوق الطاقة وما يجري فيها من ارتفاعات لأسعار النفط.
هل من خلاصة؟
لا يبدو في الأفق ومن جديد أي ضوء في نهاية النفق، وبخاصة في ظل الافتراق الواضح بين الأوروبيين والأمريكيين، مهما حاول الجميع إظهار وحدة في الرأي والتوجه، وخير دليل تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتز نهار الإثنين السابع من مارس، تلك التي أكد فيها أنه لا غنى لأوروبا عن النفط والغاز الروسيين.
أخشى ما يخشاه الجميع أن يكون السيناريوالأوكراني هو انهيار جبل الثلج، وليس كرة الثلج، أي القارعة العالمية التي لا تبقى ولا تذر.