إميل أمين يكتب: شباب العرب ووسائل التواصل الاجتماعي
من بين القضايا التي أفرزها إنتشار فيروس كوفيد-19 المستجد، قضية التواصل الإنساني، لا سيما وأن هذا الوباء الشائه قد أرغم البشرية على أن تحتمي خلف جدران المنازل، وأن تعطل أنماطًا إجتماعية ألفها البشر من آلاف السنين.
على أن البشرية وربما من حسن طالعها هذه المرة، أنها قد أصيبت في زمن توجد فيه أدوات للتواصل الإنساني ربما خففت بدرجة أو بأخرى من حالة الجدب الإنساني والعاطفي التي حلت بالمسكونة من غير سابق إنذار.
في هذا السياق نحن لا نتحدث عن محطات التلفزة الإعتيادية أو الإذاعات الموجهة، بل عن تلك الأدوات والوسائط المحدثة التي ارتبط ظهورها بظهور أجهزة الكمبيوتر، لا سيما الحديثة منها، والهواتف الذكية بمختلف أنواعها، وبينهم مسارات ومسافات تويتر وانستجرام وفيسبوك، وهي التي جعلت من العالم وعن حق “حارة كونية”، إن جاز التعبير، بعدما رأى عالم الاجتماع الكندي الشهير “مارشال ماكلوهان”، في ستينات القرن الماضي أن العالم برمته قد أضحى قرية كونية.
كانت فترة الأشهر الثلاثة المنصرمة هي إختبار حقيقي لقدرة الشباب العربي في غالبية الأقطار العربية للتعاطي مع تلك الأدوات التواصلية الفاعلة والناجزة بشكل كبير وماهر وجيد في الوقت نفسه، ومن ثم تجاوز الاستخدامات السطحية لها كما درجت الغالبية العظمى أن تفعل.
على أنه من الأمور الواجب الإشارة إليها هو أهمية وجود الحاضنة الإجتماعية التي تعضد وتزخم عمل هولاء وأولئك، والتي تنسق من جهودهم من خلال خبرائها وعونها المادي، ما تمثل على الأرض في مركز الحوار العالمي “كايسيد” في فيينا، صاحب المبادرات الحوارية والإنسانية الخلاقة والمثيرة للتأمل.
ضمن برامج المركز برنامج يعرف باسم “برنامج وسائل التواصل الاجتماعي كمساحة للحوار”، والذي يهتم بجعل هذه الأدوات وسيلة لتقريب المسافات العرقية والفكرية، المذهبية والطائفية، في إطار من الإنسانية الواحدة المشتركة، ومجابهة أزمات العصر ونوازل الحياة.
في هذا الإطار ومع تفاقم ظواهر مدعاة للشفقة مواكبة لكوفيد -19 من عينة التمييز غير الإيجابي وغير الخلاق، وإنتشار التنمر، والقصور في مد يد العون الفكري قبل المادي للآخر المتألم، أطلق خريجو البرنامج في أكثر من بلد عربي سلسلة حملات عبر الإنترنت لمواجهة تعاظم إنتشار خطاب الكراهية في أثناء الجائحة، والعمل على ترتيب الأوراق لمناهضة التمييز وتقييم المساعدات الإنسانية الضرورية.
عدة تجارب من أوطان عربية مختلفة تبين لنا كيف أنه وفي الوقت الذي يعمل فيه المسؤولون الحكوميون ومسؤولو الصحة في شتى أرجاء العالم بوتيرة متسارعة لتعريف الناس بالجائحة، فإن الشباب المنتمي إلى كايسيد قد عملوا على تشجيع متابعيهم الإفتراضيين على تطبيق قواعد الحجر الصحي، والتباعد الإجتماعي، وإطلاق حملات التمويل الجماعي لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
أثبتت الجائجة قدرة “كايسيد” الإستشرافية على النظر إلى الأمام، ووضع الخطط المستقبلية لتعظيم الاستفادة من المبتكرات العصرانية في وصل ما قد انفصل، فمنذ عام 2015، عمل برنامج “وسائل التواصل الاجتماعي كمساحة للحوار”، التابع للمركز على تأهيل أكثر من 700 من القيادات الشابة في المنطقة العربية من أجل مناهضة خطاب الكراهية والتطرف عبر الإنترنت، والدعوة إلى الاندماج في المجتمع والاعتدال، وبناء على دعوة المركز، فإن خريجي البرنامج يواصلون تقديم ميزة تحقق صحة المعلومات لمواجهة التضليل ودعم القيادات الدينية في جهودها الرامية إلى تشجيع أتباعها على إتباع الإرشادت الصحية الحكومية.
ثلاثة نماذج مشرقة ينبغي التوقف أمامها في ثلاثة بلدان عربية، الأردن، العراق، ولبنان، لثلاثة شباب عرب استطاعوا أن يقدموا نموذجا ذكيا فاعلا إنسانيا، نموذج يقطع بأننا بالفعل نستطيع ونقدر حين توجد الإرادة، المستندة إلى رؤية ثاقبة للجماعات المساندة.
في الأردن يستخدم أعضاء “مشروع صلة” وسائل التواصل الإجتماعي لمنع مظاهر التمييز والتنمر على ضحايا فيروس الموت هذا، وفي مقدمة شباب البلد العربي الشقيق يجئ “عامر أبو دلو”، الذي يقود حملة مجتمعه الرقمي المناهضة لخطاب الكراهية والتنمر عبر الإنترنت.
أثناء الجائحة نتواصل مع الناس لمحاربة أشكال السلوك الخاطئ، لا سيما التمييز والتنمر ضد من يصاب بالفيروس، ولهذا نتواصل مع الناس عبر الفيسبوك وتويتر وانستجرام والواتس آب، وكذا البث الحي والمقابلات المتلفزة.
كذلك يرأس أبو دلو مشروع “صلة” الذي يعمل ضمن مبادرة “نحن ننهض”، المدعومة من مركز الحوار العالمي، على تعزيز ثقافة الحوار والاحترام عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد درب أبو دلو 600 مشارك لمناهضة خطاب الكراهية والقوالب النمطية المجتمعية والتشهير بالضحايا.
في العراق الجريح نجد “ميرون أكرم كاشو”، يستخدم كشأن بقية الشباب العراقيين جواله وحاسبه المحمول، لكن عوضا عن أن يستخدم الفيس بوك للتواصل والتسلية التي لا طائل من ورائها، يرى كاشو أنها فرصة لمعالجة قضايا كالتمييز العنصري والعنف.
في الأسابيع الماضية، استجاب كاشو عبر مبادرته “صناع الأمل” لنداء مركز الحوار العالمي، بإطلاق حملة ترمي إلى نشر الوعي بشأن كوفيد -19، والدعوة إلى المساواة وعدم التمييز في إيصال الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي.
يقول كاشو: “في أثناء الحجر الصحي، استخدمت مع أصدقائي حساباتنا على الفيس بوك وبقية الأدوات المشابهة لدعم حملة “خليك في البيت”، ولقد أسهم هذا المجهود الجماعي بالفعل في تحقيق تماسك إجتماعي عبر دعوة أناس آخرين إلى مساعدة المستضعفين والمهمشين في مجتمعاتنا.
أما في لبنان فهناك جمعية محمد الجندي “تنمية وتحسين”، والتي تجمع ما بين التوعية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاستجابة الطارئة على أرض الواقع، والذي يخبر بأنهم يعملون جاهدين على مساعدة العائلات على الثبات في أثناء الحجر الصحي، ومنع انتشار كوفيد في المنطقة الواسعة شمال لبنان التي يتدنى فيها مستوى الخدمات العامة.
ما الذي تخبرنا إياه القصص السابقة؟
باختصار غير مخل، هناك عقول عربية تفكر وتعمل مثل كايسيد من جهة، وهناك إستجابات شبابية عربية تبشر بالخير من جانب آخر.