إميل أمين يكتب: شعبويات قاتلة وديمقراطيات مهترئة

 

ما الذي يحدث في الغرب في الأعوام الأخيرة؟.. وهل تفكك النسيج المجتمعي الأمريكي والأوروبي أضحى حقيقة مؤكدة تعكسها اليوم ظاهرة الشعبويات المتنامية، بما تحمله من مشاهد الأحقاد والكراهية، والتعصب والتمذهب اللذين يولدان رغبات انتقامية، ويفرزان ضحايا في الحال والاستقبال وعلى كافة الأصعدة الحياتية؟.

ليس سرا أن منطلق علامة الاستفهام المتقدمة ما حدث في مدينة “كريست تشيرش” النيوزيلندية الأيام القليلة الماضية، من مذبحة بشرية نتجت عن رؤى شعبوية متطرفة، كنا نظن أنها قائمة في أوروبا وأمريكا فحسب، فإذ بها تنطلق إلى مكان قصي من العالم، حيث مساحة جغرافية واسعة للغاية، وعدد سكان قليل جدا، لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة، ومع ذلك ضاقت صدور الشعبويين هناك، وجلهم من المهاجرين الأوربيين بنظرائهم من المسلمين، وأعمل السفاح نيران أسلحته فيهم.

هل باتت الشعبوية كارثة العصر الحالي؟.. وإلى أين تقود عالمنا المأزوم؟.

أفضل من يمكن أن نجد عنده جواب على السؤال المتقدم هو الباحث والمفكر الألماني “يان فيرنر مولر”، ومرد هذا التفرد أنه بالانتماء موصول بدولة عاشت وعانت آلاما فظيعة مريعة من جراء تيار شعبوي في أوائل القرن العشرين، أفرز نازية قاتلة كلفت العالم أكثر من سبعين مليون قتيل، وخسائر نفسية ومادية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، وفي الوقت الحاضر تبدو ألمانيا كذلك موضعا وموقعا لعودة شعبويات مهلكة، تتجلى في صورة حركات عنصرية مثل بغيدا، والتي تفاخر وتجاهر بمشاعرها العنصرية الرافضة للآخر، لا سيما إذا كان من المهاجرين أو اللاجئين والمسلمين تحديدا، فيما حزب البديل من أجل ألمانيا بدوره حصد أكثر من مائة  مقعد في الانتخابات البرلمانية الماضية.

لم يكتب أحد بتبصر ومعرفة أكبر من “يان مولر” حول الإنحطاط الديمقراطي في الغرب مؤخرا، ويواجه مولر مباشرة هنا جملة أسئلة يثيرها إنبعاث الشعبوية في العالم مجددا: كيف تختلف الشعبوية عن أشكال السياسات الأخرى ولم تشكل كل هذه الخطورة؟.. وكيف يمكن التغلب عليها؟.

يصف الرجل الشعبوية باعتبارها ظل الديمقراطية الأخلاقي المعادي للتعددية  والتنوع، وهو توصيف بارع، لا سيما في ظل أزمة الديمقراطيات الغربية التي يبدو أنها دخلت مرحلة  الشيخوخة، وباتت غير قادرة على مجاوبة من يسأل عن تردي الأوضاع السياسية في الداخل الغربي، عبر جناحي الأطلسي الأوروبي والأمريكي، وفي وقت صارت فيه العملية السياسية الأخلاقية في الأصل ضربا من ضروب الماركنتيلية.ز أي أن كل شئ يباع ويشترى على  الأرصفة، ومن يجمع من التبرعات ما هو أكثر يستطيع أن يحقق أحلامه وطموحاته السياسية، ولتذهب الشعوب إلى ما شاء لها أن تذهب، وربما لهذا نرى أصواتا عديدة في الداخل الأمريكي تسعي إلى إعادة قراءة كارل ماركس من جهة، ودعم المرشح الديمقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز من ناحية ثانية، على أمل أن يكون في الأمر فرار من تلك الهجمة النيولبيرالية التي أدت الى انهيار ديمقراطي بدرجة أو بأخرى.

أين لنا أن نجد الشعبويين حول العالم الآن؟.

إنهم لا يحدهم البصر، ليس فقط في اليونان، ولكن في أوروبا كلها التي حبست أنفاسها  عام 2015 أمام التحالف الذي جمع يساريين ويمينيين شعبويين في هذا البلد. وفي أسبانيا  يتقدم الشعبويون أيضا، ويتداعى النظام الحزبي الذي حكم البلد منذ نهاية عصر فرانكو.

أما في فرنسا، فإن الجبهة الوطنية أضحت، منذ زمن، جزءا من النظام السياسي القائم، ومع فيكتور أوربان، وياروزلاف كاتشينسكي، والسلوفاكي روبرت فيكو تضحى المجر وبولندا وسلوفاكيا تحت رحمة اليمين المتطرف.

ليست أوروبا وحدها التي تجتاحها حمى الشعبويين، فالولايات المتحدة الأمريكية بدورها تعيش ومنذ مجئ الرئيس ترامب إلى الحكم، وربما منذ أن انتوى دخول دائرة السباق الرئاسي حالة غير مسبوقة من المد اليميني المتطرف، فمنذ ستينات القرن العشرين لم يقم فاعل سياسي مشهور بما قام به ترامب، وبلا خجل، من السخرية من الأقليات، بل أحيانا كال لهم الشتائم بأسلوب متدن للغاية.

بدورها أمريكا الجنوبية لم تكن لتسلم من التيار المتفشي على  هذا النحو، فلئن بدا أن “الموجة الوردية” لمقتحمي القصور الشعبويين قد تراجعت، لا سيما بعد وفاة هوجو تشافيز، فلا يزال اليساريان الشعبويان “رفائيل  كوريا” رئيس الاكوادور، و”إيفو موراليس” رئيس بوليفيا على رأس هرم السلطة، وقد قاما بالسير على نهج شافيز، بتغيير النظام السياسي لبلدانهم تغييرا راديكاليا، واليوم يمثلون نموذجا يحتذيه بعض المثقفين الأوربيين.

تبدأ أخطار الشعبوية من عند إمتهان حقوق الإنسان وتقديم رؤى متباينة للبشر في أزمنة العولمة، وقد رأينا ومن أسف نموذجين صارخين في هذا الإطار والعهدة هنا على “يان مولر”، الأول يتصل بالرئيس ترامب الذي كانت أولى قراراته منع دخول مسلمين من دول عربية وإفريقية بحجة أنه يناهض الإرهاب الإسلاموي، الأمر الذي أثار ثائرة الأمريكيين أنفسهم أو جلهم.

فيما النموذج غير الأخلاقي الآخر تبدى من خلال التمايز الديني والعرقي لبعض من دول أوروبا من خلال أزمة المهاجرين واللاجئين الذين ألقت بهم موجات الإضطراب السياسي في العالم العربي خلال الأعوام الماضية، وبات الخطر المحدق بالجميع متمثلا في أغلبيات تمتلك شرعية ديمقراطية ظاهرية، ومن هنا تعمد إلى التضييق على الأقليات، وإلى ذلك ينتمي توزيع المداخيل والأملاك باسم “العدالة الاجتماعية”.

الطامة الكبرى في حديث الشعبويين تتمثل حين تترجم رؤاهم السياسية المعلبة إلى أفكار عنصرية على الأرض، يكون ضحيتها البشر المغايرون، ما يعود بنا إلى  قمة العنصرية والتمييز الذي عرفته بعض شعوب الأرض قبل ألفي عام، حين ساد مفهوم الأمة المنتقاة أو المنتخبة، أما الآخرون فإنهم “الجوييم” أو “الأغيار”.

وليت الكارثة تتوقف عند حدود النظريات الجدلية أو المقاربات الفكرية، إذ يمتد المشهد إلى إستغلال المصابين بهلوسات التفوق العرقي نافذة يفتحها  السياسيون من الشعبويين، ليدلفوا بأسلحتهم وذخائرهم، وليريقوا الدماء الذكية، لا في المساجد فقط كما حدث في نيوزيلندا، بل داخل الكنائس التي يرتادها الأمريكيون الأفارقة كما جرى في بعض ولايات الجنوب الأمريكي، في موجة عنصرية وشعبوية أمريكية قاتلة.

ربما لا يدري الكثيرون أن غالبية موازنات مكافحة الإرهاب في الداخل الأمريكي وقبل العام 1993 أي وقت العملية الإرهابية الأولى ضد مبنى التجارة العالمي في نيويورك، كانت مكرسة وموجهة لملاقاة أخطار وأهوال اليمين الأمريكي داخليا، ولم تكن الشعبويات قد اشتد عودها على هذا النحو الذي نراه مؤخرا، وفيما بعد، سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر، بات التركيز فقط على ما أطلق عليه الإرهاب الإسلامي، في إختزال علمي ووضعي غير مقبول.

الشعبويات خطر على العالم برمته، وعدم التيقظ لأجراس الإنذار في الحال أمر سيكلف البشرية إعادة إنتاج حروب الكراهية الدينية والعرقية في الاستقبال.. فانظر ماذا ترى؟.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]