إميل أمين يكتب: عن الطريق في مواجهة الإرهاب

 

تستدعي التطورات الجديدة المتصلة بتنامي ظاهرة الإرهاب حول العالم تساؤلات جديدة وجدية حول الظاهرة وما يمكن أن تسببه من عدم إستقرار واضطرابات على  الكرة الأرضية، وفي الخلفية من التساؤل مخاوف جمة من عودة داعش من جديد، ذلك أنه وإن كانت قد تعرضت بشكل أو بآخر إلى هزائم لوجستية في العراق وسوريا، إلا أننا نراها تنشط من جديد في أفغانستان وباكستان، وقد يحمل لنا المستقبل القريب طبعة مغايرة من طبعات داعش بنسق أشد هولا وأكثر فداحة مما عرفناه في عالمنا شرق الأوسطي خلال الاعوام القليلة المنصرمة.

ولعل السؤال الذي حار في إيجاد جواب له كثيرون من علماء النفس والاجتماع عطفا على أطباء الأمراض النفسية: “ما الذي يمكن أن يقود المرء في طريق التعصب والتشدد إلى الدرجة التي يضحى معها انتحاريا قابلا وراغبا في قتل نفسه إذا كان ذلك يحقق له أغراضه اليقينية، وفي المقدمة منها إهلاك الآخرين المغايرين له جنسا أو عرقا، دينا أو مذهبا؟

أحد أفضل من قدم لنا إجابات وجيهة عن هذا السؤال مؤخرا البروفيسور “برنارد شوفييه” الأستاذ في علم النفس المرضي في جامعة ليون الفرنسية، والذي يصف المتعصب بانه إنسان المقدس، لكنه ليس أي إنسان ولا أي مقدس، إنه من يهب نفسه وجسده وروحه في سبيل قضيته إلى حد الإفراط، بل إلى نهاية الوله الجنوني.

والمقدس المعنى هنا هو مقدس يضع نفسه في مقام المثال المطلق لدرجة يغطي معها  حتى ذلك المجال الذي يفترض أن يكون بعيدا عنه، أي مجال المدنس، فلا يعود المتعصب يفرق بينهما، لأنه تحول من كائن إلى كتلة واحدة.

علامة إستفهام أخرى جوهرية: “هل المتعصب يبحث عن السلطة؟ وفي حال داعش تحديدا هل الخلافة الإسلامية التي يتحدث عنها أعضاء التنظيم هي الهدف النهائي؟

يدهشنا البروفيسور شوفييه بقوله: إن المتعصب لا يبحث عن السلطة بمقدار سعيه وراء الفعل وبما أن نارا مقدسة تحركه فهو يحتاج إلى مكتسبات لمصلحة القضية التي يتبناها، ولكن الغلو الذي يحيط نفسه به يظل يطارده حتى التضحية، ومهما كان النمط الذي ينتمي المتعصب إليه فهو يرغب في الانتصار أو الموت.

ولعل الكارثة الحقيقية بالنسبة للمتعصب الذي ينحو تلقائيا ليصير إرهابيا هو أن الانتصار بالنسبة إليه ليس إلا مرحلة نحو الموت، وأكبر سقوط للمتعصب هو الموت فوق سريره، والخيار الوحيد الذي يعطي لحياة الإرهابي المتعصب معنى ومبنى هو القتل أو الموت في سبيل المثال، سواء وضع له قواعد أو غطاه بالمبادئ، أو أعلن أنه لا يؤمن بشئ.

هل يمكن للبشرية أن تقضي على التعصب مرة وإلى الأبد؟

معظم أبحاث أطباء النفس الحديثة تشير علينا بأنه من التوهم أو الخطر السعي إلى اجتثاث العنصرية، لأنها أولا مواقف الآخر الذي ننظر اليه بوصفه متعصبا، والاضطلاع بمهمة القضاء على التعصب يعني خلق تعصبات جديدة، قد تكون مثار قلق أكبر من الأولى  لأنها تزعم تبني مبادئ العقل، ومن يشطر الديني الى قسمين إنما ينشئ عبادة لم يحفظ لنا التاريخ لها إسما سوى الرعب.

هل من سور يمكن أن يقوم في مواجهة التعصب والتطرف؟

السور الأوحد بحسب شوفييه  هو غياب السور، لأن المتعصب لا يحلم إلا بالهجوم والغزو، والنوعات التعصبية تحافظ على بعضها البعض بشكل متبادل، ذلك لأنها تعيش على الهجوم والاضطهاد تحديدا.

يمضي البعض في طريق القول إن الإنسانية بتعقيداتها وتشابكاتها الحديثة والصراعات السلطوية حول العالم هي التي جعلت التطرف والإرهاب مسارا قابلا للتحقق.

غير أن هذا الحديث مردود عليه بمعنى أن التزمت والتعصب موجودان منذ بداية الخليقة، والمستقبل سيخبرنا حكما إذا ما كانت العبقرية البشرية الثرية بالاختراعات العلمية والتكنولوجية، ستولد بعض الفظاعات الجديدة من الميول التدميرية والتعاسة.

في هذا السياق تبقى معرفتنا بالطريقة التي يعمل التعصب من خلالها، والأسباب الكامنة وراء نشأته في دماغ الانسان، هي الطريقة الوحيدة الممكنة للقضاء عليه بشكل فعال لإجتثاث جذوره من دون إنتظار المصائب التي يمكن أن تترتب عليه.

الخلاصة ..ينصح القائمون على الشأن النفسي في محاربة الإرهاب والتطرف والتعصب باللجوء إلى صيغتين لا ثالث لهما للعمل: الوقاية والقمع.

لكن لابد من معرفة أن القمع من دون الوقاية يعزز التعصب لأنه يخلق في المقابل، تعصبا يمتد على مقياس الأمم والشعوب، أسوأ بكثير – كما بين لنا التاريخ – من حيث شراسته واتساعه، من العنف الذي كان ينبغي علينا القضاء عليه في البداية.

في هذا السياق يتفهم المرء لماذا وكيف نشأت النازية والفاشية من جراء ضغوطات قمعية تعرضت لها أنظمة بعينها فحدث تعصب وتشدد، تطرف وإرهاب ترعاه الجيوش والامبراطوريات أوقع ستين مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية؟

هل آفة البشرية بالفعل هي النسيان كما قال أديب نوبل الكبير الراحل نجيب محفوظ ذات مرة؟

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]