إميل أمين يكتب: فرنسيس والناتو …شهادة بابوية للتاريخ

على حين غرة أنقلبت غالبية وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية على  البابا  فرنسيس، بابا روما ، خليفة بطرس،  بعد لقائه مع الصحيفة الإيطالية ” كورييرى دي لا سيرا “..

ما الذي جرى ودفع إلى مثل تلك الغضبة، والتي نست أو تناست موقف فرنسيس من الحرب الروسية على أوكرانيا  أول الأمر وأخره ؟

منذ بدايات الأزمة، والفقير الساكن وراء جدران الفاتيكان، لا يألو جهدا  في إعلاء صوت الحق، إنطلاقا من دوره الروحي، وإعتبارا أن البابوية، قوة إقناع معنوية.

رفض الحبر الأعظم ولا يزال فكرة اللجوء إلى  العنف، واستخدام لغة القوة، لإنهاء الأزمات،  حتى وإن كان هناك من ساعد في إشعال نيرانها .

في منتصف مارس/ آذار المنصرم،  تواصل فرنسيس مع بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية  كيريل، في محاولة منه لدفع رجل الدين الروسي النافذ، للضغط على  الرئيس الروسي،  ووقف إطلاق النار .

لم تكن تفاصيل الحوار واضحة بشكل كاف قبل حوار الصحيفة الإيطالية ، والتي كشف فيها فرنسيس عما جرى، ذلك أنه وطوال أربعين دقيقة من الحوار كان كيريل يقرأ رسميا من ورقة  معدة مسبقا مبررا الحرب، الأمر الذي يتسق والفكر الشمولي الروسي، حتى وإن انسحب على  رجال المؤسسة الروحية هناك .

ردة فعل فرنسيس تمثلت في قوله لكيريل: “نحن لسنا خدام السياسة، وإنما خدام الرب، ومن هذا المنطلق يجب أن نتصرف “.

الذين لا يعرفون البطريرك الروسي، نقول لهم أنه الرجل الذي وصف بوتين بأنه ” معجزة الرب “،  وربما يتفهم المرء هذا الوصف في سياق الدور الذي قام به القيصر بوتين في إنهاض روسيا من تحت رماد الأوليجاركية التي حكمت في زمن يلتسين، ومن بعد التفكيك والتفخيخ اللذان واكبا، الجلاسنوست  والبريسترويكا  لصاحبهما  ميخائيل غورباتشوف .

غير أن ما لا  يمكن فهمه عقلا أو عدلا ، هو كيفية دعم كيريل لحرب بوتين في أوكرانيا،  وصمته على إراقة الدماء هناك، الأمر الذي ينافي ويجافي الوصية السادسة من الوصايا العشر “لا تقتل “.

والثابت أنه بين منتصف مارس وأواخر إبريل/ نيسان ، جرت مياه كثيرة  ما بين روما  وموسكو على  الصعيد الروحي، وزار فرنسيس السفارة الروسية في العاصمة الإيطالية عدة مرات، وبدا أن هناك توجها محموما  ومهموما  من الرجل ذو الثوب الأبيض في لقاء كيريل  بهدف إنهاء الحرب،  وكان السعي وراء الموقع والموضع الذي يجري فيه اللقاء، وقيل وقتها  أن القدس ربما تكون بيت القصيد.

بحدود عيد الفصح حسب التوقيت الغربي، حدث ما يشبه التراجع عن هذه الفكرة، وإن لم تتوقف جهود حاضرة الفاتيكان وفرنسيس بهدف إستنقاذ النفوس البريئة من وهدة الحرب وهلاكها .

مع تصريحات فرنسيس، أكتشفنا  أن كيريل لا يريد أن يغادر مربع بوتين ،  ومن هنا استخدم فرنسيس تعبيرا دينيا وهو أنه لا يجب أن يكون رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أحد “خدام مذبح بوتين”،  أي أنه لا يتوجب على رجل الدين الكبير قيمة وقامة، أن يجعل من نفسه خادما لتوجهات سياسية لا علاقة لها  بالعمق الإيماني والروحاني للمسيحية .

لم يكن فرنسيس أول من وجه الانتقادات إلى  كيريل المسيس بحسب الكثير من المراقبين ومنهم الاتحاد الأوربي الذي فكر ولايزال في توقيع عقوبات عليه، لا سيما أن هناك ما يروج عن تعاون مشترك بين الرجلين، سيد الكرملين ورجل الدين في زمن خدمته في عالم الاستخبارات الروسية ” كي جي بي” ، وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ولهذا لم يكن غريبا  أو عجيبا  أن يمنح بوتين قبل بضعة  أشهر، كيريل، وسام “الرسول المقدس أنداروس”،  فيما كان رد البطريرك أن روسيا  هي زعيمة  العالم الحر والدولة  التي لا تخضع وتتحدى  حتى أقوى  نفوذ خارجي.

ونقد البابا  فرنسيس لم يتوقف عند حدود كيريل، بل تجاوزه إلى  حلف الناتو عينه، والذي وصفه بأنه ” وقف ينبح على أبواب روسيا “، بمعنى  أن حلف الأطلسي كان قد أضمر بالفعل التوسع شرقا .

هل تجاوز فرنسيس الحقيقة  ؟

بالقطع الرجل لم يفعل، وإنما شهد بالحق،  لا سيما أن الناتو قد تراجع  سابقا عن الكثير من تعهداته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبخاصة عدم التمدد بالنفوذ شرقا، وحتى  لا تستشعر روسيا المزيد من المهانة .

و نوايا الناتو لم تكن خافية على أحد، وقد تبدت في جورجيا  من قبل عام 2008  الأمر الذي أدى  إلى  تدخل روسيا هناك،  والمشهد نفسه انسحب على عدد من بقاع وأصقاع الاتحاد السوفيتي سابقا،  فيما عرف بالثورات الملونة  .

غضب كيريل من فرنسيس، وصدر بيان من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية  يدين “اختيار البابا  فرنسيس نبرة  غير صحيحة في الحوار الأخير، ويحمل تهديدا مبطنا بأن مثل تلك التصريحات تهدد الحوار المسكوني بين الكنيستين الرومانية الكاثوليكية،  والكنيسة الأرثوذكسية الروسية  “.

على  الجانب الأخر، غضبت دول أوربية ذات عمق كاثوليكي مثل بولندا ، العضو الحديث في حلف الناتو من وصف فرنسيس للناتو، الأمر الذي جعل وزير التعليم فيها، بريميسلاف تشارنيك،  يؤكد على  أن “الجميع صعق عندما سمعوا البابا “.

فرنسيس المتألم بشدة مؤخرا ، بابا مستقبله وراءه وليس أمامه،  ولا يخشى في الحق لومة لائم، وعلى الرغم من ذلك يمضي قدما مؤكدا أنه وفي ظروفه الصحية هذه ، راغب قوة في الذهاب إلى  موسكو  ومقابلة بوتين، بهدف وقف الحرب،  وهو ما أكد عليه الكاردينال بيترو بارولين، رئيس الكوريا الرومانية ( حكومة البابا )،  قبل بضعة أيام .

ورغم أن السفير الروسي  لدى الكرسي الرسولي، ألكسندر افديف، وفي تصريح له لوكالة سبوتنيك الروسية  للأنباء ، قد صرح  نهار الثلاثاء 3 مايو آيار الماضي بأنه ” في أي مكان الحوار مع البابا  مهم بالنسبة لموسكو ، وأن البابا  دائما محاور مرحب به “،  رغم ذلك فإن الكرسي الرسولي لم يتلق ردا على  رغبة الحبر الأعظم في زيارة موسكو .

ثم ماذا ؟

ربما يتعين على العالم كله شرقا وغربا  الانتظار حتى التاسع من مايو/ آيار، أي الإثنين القادم ، ومتابعة خطاب بوتين في عيد النصر لنعرف إلى  أين ستتوجه بوصلة الحرب الروسية  في أوكرانيا  وردات الناتو عليها .

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]