إميل أمين يكتب: في زمن الأخوة.. كتاب “لنعبر إلى  الشاطئ المقابل”

إميل أمين

 إنطلاقا من الدعوة إلى “الأخوة الإنسانية”، صدر هذا الكتاب، الذي كتب مقدمته البابا فرنسيس بابا روما.

Passiamo all’altra riva أو “لنعبر إلى الشاطئ المقابل”، لصاحبه المؤلف الإيطالي، الأب “بينيتو جورجيتا”، المسؤول عن متابعة شأن السجناء في مدينة لاتينا ومسؤول مركز “إيكتوس” الذي يستضيف سجناء في حرية مراقبة أو شبه حرية، وكذا أولئك الذين أوكلت إليهم أعمال اجتماعية خدمية في المجتمع.

الكتاب ليس قصة ذاتية أدبية، وليس موضوعا خبريا، وإنما عبارة عن محاورات مع أحد رجالات المافيا السابق، الذي تاب وأناب، واليوم يتعاون مع العدالة.

ما الذي يهدف إليه رجل دين كاثوليكي من الحوار مع رجل مافيا، درج طوال حياته على أن يسلك طريق الجريمة؟

بحسب المؤلف هناك ثلاثة أهداف:

  • خلق حالة من التفكير المناهض للجريمة المنظمة في البلاد شمالها وجنوبها.
  • إنشاء مدرسة فكرية تعمل جاهدة على مقاومة أعمال العصابات المنظمة.
  • دفع الشباب الصغير إلى معاداة جماعية لكل تنظيمات المافيا محليا وعالميا.

من عنوان الكتاب يتبين لنا فكرته، فهو انتقال من عالم الجريمة والعنف، إلى الشاطئ الآخر حيث التعاون مع الشرعية في البلاد بهدف تحقيق العدالة، ومع ترك هامش للرحمة تجاه الآخر ما يسمح بالعودة ثانية إلى بر الإنسانية.

ما الذي يتوجب فعله في مواجهة الآخر الذي يخطئ، هل نغلق في وجهه أبواب الأمل، أم أن الأخوة تقتضي سلوك الرحمة تجاهه؟.

جاء الجواب على لسان البابا فرنسيس، والذي كتب مقدمة الكتاب بيده، وتحدث فيها عن أهمية ما أسماه التصحيح الأخوي لمن أخطأ، واصفا هذا بفعل محبة إزاء الأخ القائم على الجانب الآخر من شط الإنسانية.

ينصح البابا الجميع بأنه في مواجهة الآخر الذي تقوده الأقدار في طريق الخطأ أو مخالفة العدالة، أن لا نسلك معه بطريقة فوقية استعلائية، كما لا ينبغي أن نشعره بأننا أفضل منه، بل أن نخلق حالة من المساعدة التي تعينه على  مشكلته، لا سيما أنه في مثل هذه اللحظة يكون في أضعف حالاته النفسية، وقريبا جدا من حالة الانهيار.

ينصح فرنسيس بأن لا نتكالب على المخطئ، بل أن نكون قريبين منه ونساعده على تجاوز أزمته الراهنة، وهذا يعني عملية تصحيح أخوي للمسار، لا أن نمسك بسوط الجلاد ونقرعه.

متى يشفى الآخر من أخطائه؟

بحسب الفقير الساكن وراء جدران الفاتيكان، يشفى الآخر حين يشعر بحبنا ويتملكه حنين إلى المحبة، وفي حال تركنا  الشخص في الخطأ بدون تصحيح، نصبح مشاركين في المسؤولية، وإن لم نساعده نضحى متقاعسين ومقصرين عن الإنقاذ، ويشبه الحبر الأعظم المشهد بما يجري في حال حوادث السير حين يمر البعض من دون توقف.

يؤكد المؤلف بنيتو جورجيتا على أن كتابه هذا، والذي يروي فيه قصة رجل المافيا الإيطالي بونافنتورا، يعمل على إيقاظ الضمائر، إنه صرخة أمل في العاصفة لأي شخص محبط في الحياة ومنها.

إذا كنت مخطئا فلا يجب أن تظل مخطئا، بل أن تبادر إلى استنقاذ ذاتك من وهدة الخطأ والألم، وعلينا أن لا نخاف من العدوى بل أن نبادر لنجدة الملهوف وإسداءه المعروف.

العبور إلى الشاطئ الآخر، يعني ضمن مفاهيم كثيرة عالم من السلام، بعد أن عانى العالم ولا يزال كثيرا وطويلا جدا من الخصام، وهذا ما توقف معه فرنسيس أكثر من مرة في رسالته البابوية الشهيرة “كلنا أخوة “، وعنده أن السعي والعبور نحو الآخرين لا يعني فقط التقارب بين فئات اجتماعية تباعدت إثر فترات صراع في التاريخ، ولكن يعني أيضا البحث عن تلاق جديد مع أكثر القطاعات فقرا وضعفا.

هنا العبور يعني السلام المتجاوز للحرب، إنه الاعتراف  بالكرامة وضمانها وإعادة “بنائها” بشكل ملموس، والتي غالبا  ما ينساها إخوة لنا ويتجاهلونها، حتى يتمكنوا من الشعور بأنهم أبطال مصير أمتهم.

يعني العبور إلى الشاطئ الآخر القدرة على المغفرة الحقيقية،  وهنا ينبغي الإشارة إلى أمر مهم للغاية، وهو أن المغفرة  والمصالحة هما موضوعان لهما أهمية كبيرة في المسيحية والإسلام واليهودية، عبر طرائق مختلفة. أما الخطر فيكمن في عدم فهم المعتقدات بطريقة صحيحة وتقديمها بطريقة تؤدي في نهاية المطاف إلى تغذية الخمول أو الظلم، أو من ناحية أخرى  لتغذية التعصب والعنف.

على أن العبور إلى الشاطئ الآخر في حقيقته لا يعني بهذا أننا  نقترح العفو بالتنازل عن حقوقنا أمام شخص قوي فاسد، أو أمام مجرم أو أمام شخص يهين كرامتنا. نحن مدعوون لأن نحب الجميع بلا استثناء، لكن أن نحب الظالم لا يعني أن نقبل استمراره في كونه ظالما، ولا أن نجعله يعتقد أن ما يفعله مقبول. بل على العكس، فإن أحببناه حقا فسوف نسعى بطرق مختلفة لأن نوقفه عن ظلمه، وننتزع منه تلك السلطة التي لا يعرف كيف يستخدمها، والتي تشوهه كإنسان.

فالمغفرة والعبور إلى الآخر لا يعنيان السماح بمواصلة الدوس على كرامة الشخص وكرامة الآخرين، أو السماح لمجرم بالإستمرار في الشر.

هنا تبدو الرؤية واضحة ومن دون أدنى ضبابية، فعلى من يعاني الظلم أن يدافع بقوة عن حقوقه وحقوق عائلته ومجتمعه، لا سيما أنه عليه الحفاظ على الكرامة التي منحت له، وهي كرامة يحبها الله.

لكن من المهم في رحلة العبور واليقظة للظلم المجتمعي ورفضه، بل والوقوف ضده، ألا نقوم بذلك بهدف تغذية   الغضب الذي يؤذي أرواحنا وشعوبنا، أو انطلاقا من رغبة في تدمير الآخر عبر إطلاق سلسلة من الثأرات والعداوات التاريخية التي لا تنتهي أو تتوقف.

لن يتحقق السلام العالمي إلا من خلال عبور حقيقي إلى  الشاطئ الآخر، ولا يوجد مستقبل لأية عائلة، ولا أية مجموعة  من الأقرباء، ولا أية مجموعة عرقية، ولا حتى أي بلد، إذا  كان الدافع الذي يوحدهم، ويجمعهم ويغطي الاختلافات، هو الانتقام والكراهية.

لا عبور إلى الشاطئ الآخر في ظل الكراهية أو الرغبة في الانتقام، فالمحبة هي التي تنتصر في نهاية الأمر كله والشر مصيره أن يتوارى حكما.

يفتح الكتاب الباب واسعا أمام فكرة بذرة الرجاء، تلك التي يتوجب أن تتسلل إلى شقوق المجتمعات الفردانية والأنانية، والتي لا تنتبه إلى الآخر بوصفه أخا على دروب الحياة.

خلاصة هذا العمل الجميل: التغيير مطلوب، ولا يجب أن يظل الأشخاص مدفونين فيما ارتبكوا من شر، بل يمكن العبور دائما  إلى الشاطئ المقابل حتى وإن كان هذا الإبحار شاقا ومحفوفا بالمخاطر، المهم ألا يشعر أحدهم بأنه وحيد ومعزول.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]