إميل أمين يكتب: قراءة رمضانية.. عن سيلفسترس جسر البابوية

يطلق الكاتب والدبلوماسي الأمريكي السابق “مايكل هاميلتون مورجان” في كتابه المعنون ” من مكة إلى الميتاداتا “، على البابا الروماني الكاثوليكي “سيلفستر الثاني”، لقب البابا الذي نقل الرؤية المستقبلية العربية الإسلامية إلى أوربا.

ففي فرنسا، ومع أواخر العقد الخامس من القرن العاشر الميلادي، ولد صبي صغير يُدعى “جيربير”، ذو ذكاء استثنائي، رغم فقره المدقع، وقد تمكن من شق طريقه إلى دير القديس جيرالد أورياك، عندما ناهز السابعة عشر من عمره، وقد كان ذلك في  عام 945، وهناك أصبح راهبًا مبتدئًا لدى الكنيسة، وقد تميز عن رفاقه الأكبر سنًّا وعن معلِّمِيه بطبيعته المجدة، والمحبة للاستطلاع، وبولعه بالمخطوطات والمعرفة، وعندما بلغ 21 عامًا زار الدير نبيل من منطقة كتالونيا المسيحية يُدعى الكونت “بوريل الثاني” من برشلونة.

أقنع الرهبان الفرنسيين “بوريل” باصطحاب الصبي “جيربير” معه إلى كتالونيا لدراسة العلوم والرياضيات، وقد وافق الكونت وعهد به إلى رعاية الأسقف “أتو”، وسمح له بدخول دير “سانتا ماريا دي ريبوري”، الأكثر ثراءً.

على أنه قبل الدخول في عمق الدور الذي سيلعبه الفتى “جيربير”، الذي سيصير حبرًا رومانيًّا أعظم، فإنه ينبغي النظر إلى السياقات التاريخية والمعرفية التي نشأ فيها الفتى الفرنسي آنذاك.

بحسب “مورجان” مؤسس ورئيس مؤسسة “أسس جديدة للسلام”، التي تسعى لتعزيز التفاهم بين الحضارات، وتدعم مفهوم القيادة عند الشباب، كان العالم المتخلف وقتها هو أوروبا، بينما كان يمثل العالم المتقدم الخليفة الأموي في أسبانيا، والفاطميون في شمال أفريقيا، والعباسيون وخلفاؤهم في بغداد، والإمبراطورية البيزنطية والإمارات الأخرى المتعددة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

كان عمر الخلافة الأموية في قرطبة يزيد على 200 عام عندما ارتحل “جيربير” جنوبًا، وكان العباسيون يحكمون بغداد منذ فترة مماثلة، بينما كانت الخلافة الفاطمية في القاهرة في قمة مجدها وأنشئت مؤسسات بيت الحكمة في بغداد، ودار الحكمة في القاهرة، وأنشأ المفكرون في الأندلس وقرطبة مكتباتٍ لنشر المعرفة والاستكشاف، عدا ما توصلت إليه من كشوف منطقة البحر المتوسط.

كانت أسبانيا نفسها، وكذلك إيطاليا وصقلية على نطاق أصغر تحتل مكانة بوصفها مركزًا لانتقال الأفكار والاكتشافات العربية إلى أوروبا، وفي حين سيطر الأمويون على الجزء الأكبر من أسبانيا والبرتغال، صمدت مملكتا قشتاله وليون المسيحيِّتان في الشمال، وكانت برشلونة التي ظلت في وضع أطلق عليه الثغر الأسباني، مسيحيةً أيضًا.

على مدى الخمسمائة عام التالية، ومع تضاؤل قوة العرب في أسبانيا تدريجيًّا بينما نمت الممالك المسيحية، تحولت أسبانيا إلى أرض تنتشر بها الدول – المدن. ومثلما أرسى الأمويون التعددية الحضارية حجر أساس لمجتمع يجمع بين المسلمين واليهود والمسيحيين، تمتعت الدول – المدن الأسبانية الناشئة بروح التسامح والتعددية نفسها.

كانت تلك هي الخلفية التاريخية التي صاحبت رحلة “جيربير” الشاب إلى دير سانتا ماريا دي ريبوي المترف للدراسة في كتالونيا برعاية الكونت بوريل. أسس مركز الدراسة المسيحي هذا عام 888، وعكس بنيانه تأثير المعمار الأموي الذي كان يُعرف بالطراز الرومانسيكي، والاسم الأدق له هو العمارة الرومانسيكية الإسلامية، التي تميزت بالأقواس، والساحات، والطراز المعماري للمسجد الأموي في قرطبة، وقصر الحمراء الملكي في غرناطة.

أصبحت هذه المؤسسة الأكثر ثراء وتنوُّعًا هي وطن «جيربير» الجديد، فمكتبة دير أورياك المتواضعة لم تكن تضم سوى 400 مخطوطة، في حين كانت مكتبة دير سانتا ماريا دي ريبوي المركز الثقافي في كتالونيا، وقد كان نسخة مسيحية مصغَّرة من بيت الحكمة، وغيره من مراكز العلم في العالم العربي.

اكتسب “جيربير” الكثير جدًّا من العلوم والمعارف التي وظَّفها في كتابة أطروحاته الخاصة، بناء على الاكتشافات العربية التي ربما تمكَّنت من الانطلاق إلى العالم الواسع أو ظلَّت قابعة في موطنها.

كان هدف “جيربير” الأسمى، مواصلة اكتشافاته الفكرية، وفي الوقت نفسه تدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب كبير أساقفة ريمز (1995م)، ليصل إلى منصب البابوية بصفته أول فرنسي، وقد عُدَّ من أعظم المفكرين والمثقفين والمجددين الذين شغلوا هذا المنصب في تاريخ الكنيسة. لقد كان سابقًا لزمانه ومكانه بسنوات عديدة، وكما هي الحال مع جميع المجددين، أدى تفكيره العلمي المتقدم، وشغفه المحموم بجلب اكتشافات العرب ذات الطابع المستقل إلى أوروبا، إلى اجتذاب أعداء جدد له، وحوَّله إلى شخصية ظلت موضع جدل طوال الألف عام التالية.

غير أنه في عام 1602، عثر الكاردينال “بورينوس” أمين المكتبة البابوية، على مجموعة من رسائل البابا “سيلفستر”، واستنتج من قراءتها أنه لم يكن سوى عالم سابق لزمانه، وأن أولئك الذين يرغبون في محو اسمه من سجل الباباوات هم مجموعة من الجهلاء الحمقى.

ليس الهدف هنا التوقف عند سيرة بابا بعينه،، لكن المراد هو القول أن الجسور الإنسانية لم تعدم ألبتة بين الإسلام والكنيسة الكاثوليكية؛ ولاسيما أن الباحثين اليوم يعيدون اكتشاف “سيلفستر” بوصفه مفكرًا تقدميًّا، وجسرًا بين الإسلام والمسيحية التاريخيين، وأحد مناصري البحث العلمي والحقيقة والاعتدال.

ويذهب بعض المؤرخين إلى أن كتاباته وترجماته من العربية إلى اللاتينية، كانت خطوات أولى ساعدت على بدء تحول أوربا والغرب من أكثر مناطق العالم تخلُّفًا إلى المكان الذي شهد ميلاد عصر النهضة والتنوير والثورتين الصناعية والعلمية.

وعلى الدرجة نفسها من الأهمية تأتي إعادة اكتشاف أنه على الرغم من المساعي الهادفة إلى خلق فجوة بين المسيحية والإسلام، أو التي لا تركِّز إلا على الصراعات بين الحضارتين، فإن الحقيقة التاريخية تثبت أن هذين المعتقدين والحضارتين كان لكل منهما تأثير عميق لما يزيد على ألف عام، وإن هذا التأثير أسفر عن الكثير من إنجازات العالم الحديث.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]