إميل أمين يكتب : قطر .. لماذا فضلت الخيار شمشون ؟
قطر .. لماذا فضلت الخيار شمشون ؟
نفذ السهم وتمت مقاطعة قطر من قبل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين وتاليا ليبيا وجزر القمر والبقية تأتي … هل يحتاج المشهد الى السؤال :لماذا؟
كأن المشهد العربي عامة والخليجي خاصة كان في حاجة الى مزيد من الأزمات ، بعد أن عملت الأيادي السوداء وطوال الأعوام الستة الماضية على تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، والأكثر فداحة أن التقسيم والتجزئة لم يطالا الأرض فقط ، بل القلوب والعقول ، وبات التشرذم هو الطرح السائد ، والاحتراب الأهلي والطائفي هو لغة التفاهم الوحيدة الحاكمة .
منذ بداية زمن ما أطلق عليه زورا ” الربيع العربي ” كانت دولة قطر تغرد خارج السرب ، وان شئت الدقة قل ضد مصالح السرب العربي ، من الشمال الى الجنوب ، مستخدمة أبواقها الاعلامية في ديماجوجية غير مسبوقة لاثارة النفوس ، وشحن العقول ، وها هو الحصاد وفيه الحال يغني عن السؤال ، اذ اصبحت دول عربية مركزية اقرب ما تكون الى منظور ” الدول الفاشلة ” او اشباه الدول .
- ما الذي كانت تريده قطر وهل في الأمر أزمة نقص ودونية تنتصب وراء مواقفها الأخيرة التي الهبت عقول وأفئدة العرب جميعا ؟
بداية ينبغي الاشارة الى امر حيوي وهو ان شروط الدولة بالمفهوم السياسي الكلاسيكي لا تتوافر لها ، فالدولة هي شعب يعيش على ارض عبر تاريخ وهذه العناصر الثلاثة بتفاعلاتها تنتج لنا مقادير الدولة ، وليس الريع النفطي او مردودات الغاز هي التي تقيم وزنا لاشباه الدول .
تحدث أمير قطر الأيام القليلة المنصرمة حديثا غير مسبوق يدلل على ان هناك نوايا مريبة كامنة وراء الظواهر والمظاهر التي يبديها ، وبخاصة لاتصال حديثه بالمثلث الذي تسبب تاريخيا ولا يزال في احداث اكبر الضرر بالعالم العربي ، وبدول مجلس التعاون الخليجي دفعة واحدة .
على أن السؤال الذي يتوجب طرحه قبل تحليل وتفكيك ما قاله ..” لماذا هذه المواقف المتطرفة من امير قطر في هذا التوقيت تحديدا؟ وهل للامر علاقة ما بالتطورات الايجابية التي شهدتها المنطقة وبخاصة القمم العربية التي احتضنتها الرياض مؤخرا والالتفات العربي حول المملكة العربية السعودية ، وكذا اعتبار دولة الامارات العربية المتحدة ركيزة استنارة وتقدم حقيقي في المنطقة ؟ هل كان الرجل الذي لا دالة له على السياسة يحلم او يطمح في دور الزعامة في المنطقة ولما اخلفت وعدها له لجا الى ما يعرف في الاستراتيجيات الدولية ب ” الخيار شمشون ” اي هدم المعبد على راسه وعلى من فيه ؟
تصريحات أمير قطر الاخيرة تؤكد على ان جل هم الرجل هو تفتيت التماسك العضوي للسبيكة الاجتماعية العربية والخليجية ، بل اكثر من ذلك ، اذ يمكن اعتبار دور بلاده كحصان طرواده لاختراق العالم العربي والمجتمع الخليجي الذي ظل وسيظل سدا منيعا في مواجهة الاطماع الاقليمية والدولية في خيراته .
منظومة الامير تميم بن حمد ترى انه لا حكمة في عداء ايران، وان علاقات قطر مع اسرائيل جيدة ، عطفا على اشارته لقاعدة العديد باعتبارها تحمي القطريين من اطماع الدول المجاورة ، ناهيك عن رؤيته للرئيس الامريكي دونالد ترامب والمشاكل القانونية التي يمكنها ان تقوده للمحاكم ، وعلى هذا الاساس فانه لا فائدة من صفقات السلاح الكبيرة التي تعقدها دول الخليج مع الامريكيين .
- هل هناك أمر آخر لم يتطرق إليه تميم ؟
قطعا الحديث عن علاقته بتركيا بنوع خاص ، وربما تجنب الخوض في تناول المشهد بسبب ما يتردد عن وجود قوات مسلحة تركية واجهزة استخبارية تابعة لاردوغان مباشرة في الداخل القطري تعمل على حماية نظامه من محاولات الانقلاب عليه من داخل الاسرة الحاكمة عينها .
يعن لنا ان نتساءل هل لو أرادت قطر تمزيق النسيج الاجتماعي العربي لوجدت افضل من المثلث الايراني التركي الاسرائيلي لتتحالف معه ؟
لتكن البداية مع ايران وعن اي حكمة في العداء معها ، وقد فات الامير الشاب ان دول مجلس التعاون الخليجي بداية وبقية دول العالم العربي لم تبدا يوما بمؤامرات الشر تجاه ايران ، بل ان ايران هي التي تعمل على تصدير ثورتها الدوجمائية الى دول الجوار ، ولا يواري او يداري اصحاب الامر والنهي فيها حقيقة تمكنهم من اربع عواصم عربية ..تمتد من صنعاء الى بغداد ، فدمشق ، وصولا الى بيروت ، والاطماع قائمة وقادمة .
ايران التي تحتل جزر اماراتية ، وتهدد ببرنامجها النووي سلام المنطقة ، وتسعى عبر برنامج صواريخها الباليستية لتهديد جيرانها ، ومن خلال هجوماتها الالكترونية ، هي العدو الذي يؤكد بالتصريح لا التلميح عداوته للعرب ولدول الخليج ، وهي عداوة تاريخية وعقائدية راسخة عبر الازمان .
من حق قطر واميرها ان يتحدث عن العلاقات الجيدة باسرائيل ، وان كان الحديث يعبر عن حالة ازدواجية قاتلة بين ما يصرح به من جهة ، وما تتبناه وسائل اعلامه لا سيما قناة الجزيرة من ناحية اخرى من ادوار بطولية ضد الاحتلال الاسرائيلي والصهيونية العالمية ومربعات الامبريالية واللوبيات اليهودية حول العالم … من نصدق ويصدق بقية العرب الامير الصديق لاسرائيل ام ابواقه؟
- ثم تبقى الطامة الكبرى بشأن قاعدة العديد التي تحمي القطريين من أطماع دول الجوار ، والسؤال من هي تلك الدول ؟
اذا استبعدنا ايران الصديقة وتركيا الوثيقة واللصيقة وحامية حمى الامير من اهله وناسه ،واسرئيل البعيدة جغرافيا ، لا يتبقى لنا في التصفيات من اسف سوى دول مجلس التعاون الخليجي ، فهل هي التي تطمع في قطر وعليه فان الامريكيين يقوموا بحماية الدولة القطرية من الاطماع السعودية الاماراتية الكويتية البحرينية وربما العمانية ؟
اي عاقل او عقل يمكن ان يستوعب مثل هذا الخطاب حتى بين القطريين انفسهم ؟وللحق والموضوعية فان هناك الالاف من القطريين الذين يرفضون مثل هذا النحو الذي يعمل على اشاعة الانقسامات في الجسد العربي والخليجي بنوع خاص ، ويتساءلون لصالح من تقوم قطر بهذا الدور؟ .
التحليل الاستراتيجي والاستشرافي لتصريحات امير قطر الاخيرة تؤكد على انها محاولة للهروب الى الامام بعد ان بدات الدوائر تضيق من حوله ، سيما وان دور بلاده في دعم جماعات الاسلام السياسي بكافة اصنافها واطيافها وبالتحديد الاخوان المسلمين والسلفيين وبقية انواع الجهاديين بات معد في وثائق ستقدم قريبا للمحكمة الجنائية الدولية .
- هل فزع أمير قطر من وحدة الصف العربي والخليجي التي تنادي بمحاصرة الإرهاب عبر محاسبة داعميه من الدول والأفراد وعليه يبحث عن دور البطولة من خلال الالتحام بثلاث دول لا قبل له بها من باب التاريخ او الجغرافيا ، ولا توازن استراتيجي بينه وبينها ؟
لعل ما يرعب النظام القطري الحالي هو ان الدول العربية التي تستحق لفظة ” دول ” قد وصلت الى نهاية المطاف مع الدور الاختراقي القطري ، سواء اكان اختراقا ماديا ملموسا من نوع تصدير الارهاب والارهابيين وعلاقة قطر والقطريين بليبيا وما يجري فيها غير خافية على احد ، او معنويا من خلال تجييش العواطف والمشاعر وتأليب الشعوب على الحكومات او العكس وكلها ادوار تهدد الامن القومي العربي والخليجي دفعة واحدة .
اما عن علاقات قطر بالاخوان المسلمين والتنظيم العالمي الخاص بهم فربما هذا ما يجعل الامير تميم يتمنى لدونالد ترامب العدو الاول للارهاب والارهابيين ان يمضي بعيدا عن صورة الحكم في الولايات المتحدة ، وهو لا يدري ان نائبه ” مايك بنس ” سيكون اشد وقعا واكثر هولا .
في محيط اقليمي مضطرب هناك حاجة لتوحيد الجهد الخليجي العربي في مواجهة فعلة الشر وسكان تخوم الاثم عوضا عن آليات تمزيق النسيج الوطني الواحد …. فهل تدرك قطر اي منقلب تنقلب على اشقائها في الحال والاستقبال ؟
