إميل أمين يكتب: نيل فيرجسون.. عن حكام العالم غير المرئيين

إميل أمين

 أحد أهم الذين شاغبوا العقل الإنساني، في الأعوام  الأخيرة، بحثا عن الفعلة الحقيقيين، الذين يديرون شؤون الكون من حولنا، يأتي المؤرخ الأسكتلندي الأصل الأمريكي الجنسية “نيل فيرجسون” المهموم والمحموم بقصة الإنسان مع الحضارة،  وبصورة علاقات الأمم والشعوب بالأنظمة ما ظهر منها وما بطن.

آخر وربما أهم أعمال فيرجسون مؤلفه الشيق الذي جاء يحمل عنوان “الساحة والبروج” ويتناول فيه “الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك”.

فيرجسون صاحب الرؤية المتضمنة في كتبه عن الحضارة الإنسانية، يقدم لنا سر الوصفة التي كفلت للحضارة الغربية أن تسيطر على الشرق، ليس الشرق الأوسط بكل تأكيد وتحديد، ولكن الشرق بعموم معانيه ومبانيه، ومنه الشرق الأدني  الأسيوي، قبل أن يستيقظ التنين الصيني مؤخرا.

يذهب المؤرخون من شيشرون إلى  شبنجلر مرورا بهوارد زين وصولا الى  نايجل هاملتون، إلى أن التاريخ في غالبه هرمي، فهو عن الأباطرة والرؤساء، ورؤساء الوزارات  وجنرالات الميدان. إنه تاريخ عن الدول والجيوش والمؤسسات، عن الأوامر المملاة من أعلى، وحتى التاريخ من أسفل غالبا عن النقابات والأحزاب العمالية، ويكتب التاريخ هكذا لأن المؤسسات الهرمية هي التي تنشئ الأرشيفات التي يعتمد عليها المؤرخون.. هل هناك حلقة ضائعة في هذا السياق؟

هناك شق ضائع يتعلق بالشبكات الاجتماعية غير الرسمية التي لم توثق بشكل جيد، والتي هي مصادر السلطة الحقيقية ومحركات التغيير.

هل يتجاوز فيرجسون الحقيقة أم أن ما يتوافر له من أوراق كمؤرخ تجعله قادرا على ستشراف ما لا نراه في يومنا الاعتيادي المشحون بمشاغبات الحياة، وحيث الغبار يكاد يداري أو يواري الحقائق الكامنة تحت جلد الإنسانية، من أزمنة البشر الأولى وحتى الساعة؟

الشاهد أن الكثيرين يعتقدون وحتى الساعة، أن مسألة الشبكات، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، إقتصادية أو أمنية، إنما قد جادت بها عقود القرن العشرين وليس أكثر من ذلك.

غير أن فيرجسون وعبر صفحات مؤلفه التي تتجاوز الستمائة صفحة يكشف لنا عما هو غير ذلك، إنه يجادل بأن الشبكات كانت معنا دوما، بدءًا من بنية الدماغ إلى السلسلة الغذائية، ومن شجرة العائلة إلى البنائين الأحرار أو الماسونيين.

فعلى مر التاريخ، بينما ادعت الأنظمة الهرمية الساكنة في الأبراج العالية أنها تحكمنا، كانت السلطة الحقيقية كامنة في الأسفل، في الشبكات، في ساحة البلدة، ولأن الشبكات تميل إلى الابتكار والتجديد، فمن خلالها تنتشر الأفكار بطريقة فيروسية   معدية، وما ينغمس منظرو المؤامرة في تخيله عن هذه الشبكات لا يعني أنها غير حقيقية.

إلى أي مدى يمكن أن نصدق فيرجسون أو نشكك في حديثه؟

عادة ما ينقسم عالمنا إلى معسكرين، جماعة اللون الأبيض، في مقابل مؤيدي أو محبي اللون الأسود، وهذا تقسيم مانوي لا  يمكن قبوله في القرن الحادي والعشرين.

في الإطار عينه لا يمكن القبول بفكر “صموئيل هنتنجتون” أن العالم مقسم تقسيما حضاريا ثقافيا دينيا، ما بين الشرق والغرب، هذا أمر لا يستقيم، ففي زمن العولمة لم يصبح هناك شرق بمعناه الواسع ولا غرب بمؤاده المطلق، وإنما تداخل الجميع  عبر كرة أرضية يمكن بوسائل الانتقال الحديثة أن تجعل الجميع في سياق وإطار واحد صباح مساء كل يوم.

لقد وصل الشقاق الفراق اليوم حول من يحكم العالم إلى تعميق هوة الخلاف في الغرب حول تطور المشهد الليبرالي الرأسمالي لا سيما توجه ما يعرف بالنيوليبرالية، وما بين الخوف من المؤامرة وبعض من الحقيقة التي لا ينكرها فيرجسون، توجد الحقيقة التي يصفها المثل اللاتيني بأنها دائما في المنتصف.

هناك من يذهب إلى أن العالم لا سيما على الصعيد الاقتصادي تقوده بعض من تلك الشبكات التي يحاجج بأخبارها فيرجسون من عينة جماعة الروتشيلديين، أو أصحاب الدرع الأحمر الذين راكموا الثروات في أوروبا في القرون الوسطى، بل إن بعض الأصوات تذهب إلى أن تلك الجماعة عينها هي من رشح عنها  مؤتمر “بيلدربيرغ”، والذي يعد ملتقى لقادة العالم من السياسيين والاقتصاديين ورجالات الاستخبارات، وكأني به مجلس إدارة العالم وفي هذا شيء من الحقيقة ما من شك وبدون إنكار أو مراوغة.. غير أن الحقيقة كذلك تبقى في المنتصف.

خذ إليك الصراع الدائر في أمريكا اليوم حول الرأسمالية ومن يوجه بوصلة العالم، وما هو المصير الذي ينتظر هذا النسق الاقتصادي الذي يهيمين على العالم، بنوع خاص منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبنوع أكثر تخصصا منذ ظهور نظام “بريتون وودز” الذي يحرك سفن العالم عبر البحار.

يستدعي حديث فيرجسون مزيدا من التساؤلات عن الأيادي غير واضحة المعالم، لا سيما في الداخل الأمريكي عن الشبكات والأبراج، الشبكات التي تنسج خيوطها، وتلف خطوطها كالأخطبوط من حول أكبر قوة فاعلة ومؤثرة في العالم المعاصر، والتي لا يتوقع المرء أن تختفي عما قريب من على سطح الأحداث، بل ستبقى لعقود قادمة، وفي أسوأ الأحوال ستضحى كما يقال باللغة اللاتينية Primus inter pares أي الأول بين متساويين أو متقدمين.

الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأكبر التي ينبغي لقارئ عمل فيرجسون الأخير أن يطبق سطوره وفصوله عليها، فلا تزال هناك أسرار عديدة عن الشبكات التي تحكم مجال عملها، ناهيك عن سكان الأبراج الذين يراقبون كل ما يجري من مواقعهم العاجية في الداخل الأمريكي أول الأمر، ومن وراء المحيطين يراقبون ما يحدث حول العالم القديم كما  يقال.

لم يعد العالم بسيطا بل مركب ومعقد، فانظر ماذا ترى؟

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]