إميل أمين يكتب: هل رضخت تل أبيب لتوجهات واشنطن؟
نهار الخميس الفائت أستقبل الرئيس الأمريكي جوزيف بادين ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد ، نفتالي بينيت ، في أول زيارة رسمية له إلى واشنطن .
لم يكن للزيارة الإ هدف جوهري واحد ، وهو إثناء سيد البيت الأبيض عن المضي قدما في ماراثون المباحثات النووية مع إيران ، تلك الدائرة منذ بضعة أشهر ، ولم يعد أحد يرتجي منها خيرا .
أخلف الحظ ، بينيت ، في موعد اللقاء ، وقد كان على حكماء إسرائيل أن يشيروا عليه بالإنتظار ولو لبضعة إلى أسابيع ، وحتى تنقشع من سماوات واشنطن ، السحابة السوداء التي خلفها الإنسحاب الأمريكي الدراماتيكي من أفغانستان .
قبل إنطلاقه قال بينيت للصحافيين :” إن جو بايدن كان صديقا قديما وحقيقيا لدولة إسرائيل “، وفي هذا لم يخالف الواقع ، لكن السؤال الذي كان يطرح نفسه في الأفق هو :” إلى أي حد ومد كان لتلك الصداقة أن تخدم مصالح تل أبيب ، حال تعارضت مع الخطوط الأساسية لسياسات الرئيس بايدن ؟
قبل الزيارة عينها وفي العديد من التصريحات الصحافية ، أشار بينيت إلى نيته تجاوز الجفوة التي خلفها سلفه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ، وقد كان مردها موقفه المتصلب من المباحثات الأمريكية الإيرانية ، إذ آمن الرجل بأن طهران تتلاعب بصناع القرار في الداخل الأمريكي ، بل وتسوف الوقت ، لتضع الجميع عند نقطة زمنية بعينها ، أمام واقع حال تمتلك فيه سلاحا ذريا ، ما يغير الأوضاع ويبدل الطباع في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام .
عند المدرج أثناء مغادرته تل أبيب إلى واشنطن ، أعرب بينيت عن رغبته ببث ” روح جديدة ” مع إدارة بايدن ، وأنه قادم ليؤكد أنه ما من تصادم علني مع الرئيس الأمريكي كالذي حصل عام 2015 مع إدارة أوباما عندما بلغ الخلاف حول الإتفاق النووي مع إيران أوجه .
علام كان بينيت يراهن من خلال أسلوبه الذي يشبه القبضة الحديدية المغطاة بغلاف من الحرير ؟
بلا شك ربما قدمت الأقدار هدية ما لبينيت ، ذلك أن سقوط أفغانستان على هذا النحو ، ربما يعزز من النظرة الأمريكية التقدمية لإسرائيل في جانب مهم للغاية ، ذاك الذي يتمثل في مقدرتها على محاربة الإرهاب على الأقل ، وعليه فأنه كان من المرجح أن يدفع إعراب بنيت عن ثقته بأن الولايات المتحدة حليف موثوق بالإدارة الأمريكية إلى الإعتراف بالجميل ، لا سيما وسط الصدمة التي تعرضت لها هذه الأخيرة بسبب التطورات في كابول.
لا يبدو أن بينيت قد ذهب إلى واشنطن خالي الوفاض كما يقال ، فبحسب تقارير إسرائيلية قدم بينيت للولايات المتحدة استراتيجية لمواجهة الزيادة المحتملة في النفوذ الإيراني بعد استعادة ” الإتفاق النووي …هل من معلومات عن تلك الإستراتيجية ؟
في غالب الأمر يمكننا وصفها بالخطة “ب”، وعلى الرغم من الغياب الرسمي لتفاصيلها ، الإ أن التسريبات بشأنها تقودنا إلى ملامح خطة لعزل إيران ، والتحالف مع عدد من دول المنطقة ، وربما عمليات تخريب داخل مفاعلات طهران النووية ، وعمل كل ما يلزم عمله حتى تعرقل عملية الوصول إلى القنبلة النووية الإيرانية .
والثابت أنه لم يكن لزيارة بينيت أن تغير من موقف بايدن ، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي الحالي ، قد شارك الرئيس أوباما في إبرام صفقته النووية ، وأيد فكرة استعادتها خلال حملته الإنتخابية ، وبالتالي فقد كان من المستبعد أن يغير موقفه .
لكن ذلك لا يعني أن بينيت لم تكن لديه بعض الأوراق التي يمكنه من خلالها أن يغازل الرئيس بايدن وإدارته ، لا سيما في مثل هذا التوقيت المثير والمقلق ، ذلك أنه حتما أستطاع الغزل بصورة أو بأخرى على أوتار الخيبات الأمريكية في أفغانستان ، وقبلها في السيل الشمالي 2 ، والذي بموجبه تقوم روسيا بتوريد الغاز الطبيعي إلى غالبية دول أوربا ، وبخاصة ألمانيا ، ما يعزز من الطرح الأوراسي ، والذي لا ترحب به أمريكا ، وترى أنه يضعف العلاقة بين جانبي الأطلسي ، ومن هنا ربما ألمح إلى ضرورة أن لا تتخلى واشنطن عن أنفع وأرفع حليف لها في الشرق الأوسط ، أي تل أبيب ، ذلك لأنها لو فعلت لفقدت كل حلفاءها في المنطقة دفعة واحدة ، ولخسرت مناطق نفوذها التي تعبت عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة .
لم يقدر ، ولم يكن من الوارد أن يكون ، ممارسة بينيت ضغوطات على بايدن ، لكن شيئ ما تغير بالفعل ، فقد حمل اللقاء بين الرجلين تصريحا هو الأول من نوعه ، إذ أكد بايدن على أن ” واشنطن تضع الدبلوماسية أولا “، وفي حال فشلت المباحثات فإن ” الولايات المتحدة على أستعداد للتحول إلى خيارات أخرى “، وذلك بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ .
هل من علاقة بين هذا التصريح والإنتكاسة الأمريكية في أفغانستان ؟
لدى النخبة لا سيما الدوائر الإستخبارية الأمريكية شعور بأن الخروج الأمريكي من هناك وعلى هذا النحو المذل ، سوف تستتبعه تحركات إيرانية في عموم المنطقة ، حكما سوف تختصم من نفوذ الأمريكيين ، وعلى هذا الأساس فإن واشنطن لا يمكن أن تخسر الشرقين الأدنى والأوسط دفعة واحدة .
هل استسلمت إسرائيل لأمريكا ؟
أغلب الظن أن لديها خططها الخاصة ، وهو الأمر الذي يمكن تحسسه من تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي ، بيني غانتس ، والتي أشار فيها إلى ضرورة وقوف العالم في وجه إيران لمنعها من إمتلاك سلاح نووي .
وجهة نظر غانتيس في واقع الحال لا تتوقف دوافعها عند إسرائيل فحسب ، بل تنطلق من فكرة أن إيران نووية ، معناه سباق تسلح نووي بأسرع مما يمكن لكل دول المنطقة ، ما يفقد إسرائيل تميزها وسلاحها الرادع من وجهة نظرها .
هل يمكن أن تبادر إسرائيل إلى عمل ما ضد إيران على غير رغبة إدارة بايدن ، ومهما كلف الأمر العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في المستقبل ؟
تبدو السيناريهات مفتوحة وسط حالة الفوضى العالمية والإقليمية الجارية ، إلى حين إشعار أخر .