إميل أمين يكتب: هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض؟
نهار الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ترشحه للرئاسة الأمريكية القادمة 2024، مقدما أوراق ترشحه لهيئة الإنتخابات الفيدرالية، ومعتبرا أنه يمضي في طريق “جعل أمريكا أمة عظيمة مرة أخرى”.
والشاهد أنه منذ نهاية معركة انتخابات الرئاسة 2020، وترامب لا ينفك يتحدث عن فترة رئاسية مسروقة منه، ولم يترك فرصة إلا وشكك في شرعية الرئيس الحالي بايدن ورئاسته غير الشرعية بحسب وصفه.
ماذا بعد؟ وهل هناك إمكانية ما لعودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض؟
هذه هي علامة الاستفهام المثيرة للجدل في الداخل الأمريكي، وحتى على الصعيد الدولي، ذلك أن ترامب لم يكن رئيسا إعتياديا، بل صاحب قفزات غير مفهومة، وسياسات لا يمكن توقعها في الحال أو الاستقبال.
من المؤكد أول الأمر، أن هناك ملايين من الأمريكيين، يدعمون ترامب حتى الساعة، ويرون أنه قد تعرض لظلم شديد، وغبن بالغ، ومن هذا المنطلق فإنهم يتحينون الفرصة للثأر من الديمقراطيين في الإنتخابات القادمة .
غير أن نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، يمكن أن تشكك في الحقيقة المتقدمة، لا سيما بعد خسارة أعضاء كثيرين من مجلسي الشيوخ والنواب، دعمهم ترامب، وأخلفهم الحظ .
لا يبدو طريق ترامب للعودة إلى البيت الأبيض سهلا أو معبداً هذه المرة، وعلى خلاف مفاجأة 2016، وهناك تحقيقات مفتوحة حول أكثر من إشكالية.
في مقدمة العثرات التي ترقى إلى مستوى العقبات، تأتي مسألة التحقيقات الدائرة في اللجنة التي تم بلورتها في مجلس النواب السابق، للتحقيق مع ترامب، وذلك في شأن علاقته بأعمال الشغب التي عاشتها البلاد نهار السادس من يناير/كانون الثاني 2021، حيث دفع الآلاف من المؤيدين له للذهاب إلى الكونجرس، ومحاولة إفشال إختيار بايدن رئيسا للبلاد.
على أنه ربما من المبكر القول، ما إذا كان عمل تلك اللجنة سوف يستمر، أم أنه وبعد سيطرة الجمهوريين، ولو بفارق ضئيل علي الغرفة الأدنى في الكونجرس، سوف يتم حلها، وكأن شيء لم يكن، وبذلك يتخلص ترامب من عبء ثقيل يلاحقه.
لكن هنا، ربما يتوجب علينا أن نتوقف أمام بعض الحقائق المثيرة للجدل، وبخاصة في ظل القطع بأن الجمهوريين ليسوا على قلب رجل واحد، فقد أظهرت المنافسات الإنتخابية الأخيرة، أن عددا بالغا من أعضاء الحزب الجمهوري، قد ساندوا مرشحين ديمقراطيين، لا لهدف إلا المكايدة السياسية لترامب، ومحاولة قطع الطريق عليه للرئاسة ثانية.
لم يكن من سبيل اللغو الحديث عن رفض المؤسسة السياسية الأمريكية، جمهوريين وديمقراطيين، لفوز ترامب، الرجل القادم من بعيد، والمنبت الصلة بدهاليز واشنطن وعوالمها الخفية، وغير المتصالح مع الدولة العميقة، بل الباحث عن أمريكا أخرى، غير التي صارت إليها الأمور.
ومن بين العقبات الواضحة في طريق ترامب، تأتي قضية الوثائق السرية التي تم العثور عليها في منتجعه الخاص في فلوريدا، وخلال الأيام القليلة الماضية، سرت في الأجواء أنباء عمن قام بتسريب أخبار وجودها في منزله، ولو صدقت الأقوال سيكون ترامب أمام كارثة حقيقية، يمكنها أن تقضي عليه دفعة واحدة، إذ يشاع أن أبنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، هما من يقفا وراء الإيقاع به وإفشاء ملكيته لتلك الوثائق السرية للغاية، ويكاد المرء يصدق المشهد، سيما أن إيفانكا قد رفضت دعم والدها لترشحه من جديد.
هنا، وحال ثبوت تلك القصة، سيتحدث الأمريكيون عن رجل لا تثق فيه ابنته، فكيف للجماهير الغفيرة أن تثق به، وتصوت له لولاية جديدة، يقود فيها البلاد والعباد.
كان من الملاحظ جدا رد الفعل الفاتر، إلى حد البارد، من قبل شخصيات رئيسية في الحزب الجمهوري على خطاب ترشح ترامب، وفي مقدم هولاء، نائبه مايك بنس، الذي رأى أن الناخبين الأمريكيين يبحثون عن شخصيات قيادية جديدة تمضي بأمريكا بعيدا عن حالة الإنقسام والتشظي الحادثة اليوم داخل المجتمع الأمريكي.
هنا يثور تساؤل مثير للجدل مرة أخرى: “هل قيادات الحزب الجمهوري، مستعدة لترشيح ترامب مرة جديدة؟”
المؤكد أن الجواب ليس بالهين القطع به، ذلك أن الأمر يعتمد على التصويت التمهيدي للمرشحين من قبل الحزب، وغالب الأمر أن هناك معركة كبرى تجري في الكواليس، بهدف الإعداد السريع لملاقاة ترامب.
فعلى سبيل المثال، يبدو أن قطاعا واسعا من القيادات الجمهورية، يرجح كفة حاكم ولاية فلوريدا، المحامي المتميز والعسكري السابق الحائز على الميدالية البرونزية لكفاءته، رون دي سانتيس، والذي فاز فوزا كبيرا خلال إنتخابات فلوريدا الأخيرة، وبفارق مليون صوت ونصف عن منافسه.
وعلى لوائح الجمهوريين أيضا، هناك ثنائي يمكنه أن يغير الأوضاع ويبدل الطباع، ونعني به نائب الرئيس بنس، والذي أصدر مذكراته في ذات يوم إعلان ترامب ترشحه، وكأنه يلفت من طرف خفي لإمكانية مشارعته ومنازعته على مقعد الجمهوريين في سباقات البيت الأبيض القادمة بعد عامين.
وبجانب بنس، يمكن أن يكون على تذكرته كذلك، وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، المحافظ الذي سيجد له حكما أتباع وأشياع كثر من اليمينيين، عطفا على المؤسسة العسكرية والإستخبارية وثيق ولصيق الصلة بها ، فقد عمل الرجل كمدير للإستخبارات المركزية الأمريكية قبل أن يحل في مقعد وزير الخارجية في إدارة ترامب.
هل سأم الجمهور الأمريكي من ترامب؟
يمكن القطع بأن هناك أصوات عديدة تريد للبلاد أن تعود إلى الهدوء والعمل والبناء، من غير ضجيج بلا طحين، وبخاصة في ظل الأوضاع الدولية المتدهورة، ومن هنا قد يكون من الأفضل أن يتوارى ترامب وبايدن معا، وأن تفتح البلاد صفحة جديدة بقيادة شابة، قادرة على صون الحلم الأمريكي.
والليالي حبلى بالمفاجأت.