كيف انتصر إصلاحيو إيران في معركة تسوية قضية البرنامج النووي؟، كان هذا هو السؤال الأبرز بعد مباحثات استمرت قرابة العامين مع القوى الدولية قبيل التوقيع على الاتفاق مطلع يوليو/تموز الماضي مع مجموعة 5+1 الكبرى، فنقطة اللقاء التي ربما أجبرت المتشددين على الوقوف إلى جوار الإصلاحيين في ذات المعسكر كانت الوصول إلى مرحلة تستوجب رفع العقوبات عن البلاد.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه الإصلاحيون، وفي مقدمتهم الرئيس حسن روحاني، بهذا الإنجاز الذي صادق عليه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تقف البلاد على أعتاب مرحلة جديدة أو بالأحرى “معركة جديدة” بين التيارين، حيث احتدمت المنافسة بينهما مبكرا قبيل انتخابات المجلسين “الشورى” و”خبراء القيادة” المزمعة في فبراير/شباط 2016.
فبعد أن تمكن روحاني من إنهاء 8 أعوام من رئاسة اليمين المتشدد للبلاد في انتخابات 2013، حيث سحق 5 مرشحين محافظين، يسعى الآن إلى إنجاح خطة الإصلاحيين الرامية لرفع العقوبات ليصبح بذلك أكبر إنجاز لهم في تاريخ البلاد على مدار عقود منذ اندلاع الثورة الإيرانية في 1979.
رفسنجاني يعود للمشهد من جديد
عاد الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، الإصلاحي المخضرم وعضو مجلس الخبراء، بقوة لصدارة المشهد الإيراني مجددا، بعدما أثار اقتراحه بإلغاء منصب المرشد الأعلى واستبداله بـ “مجلس قيادي”، حفيظة أطراف عدة في الجمهورية التي يقوم نظام حكمها في الأساس على مبدأ “ولاية الفقيه”.
ويعد مجلس خبراء القيادة “فخريا”، على حد وصف مراقبين للشأن الإيراني، يتكون من 86 عضوا بالانتخاب المباشر من الشعب كل 8 أعوام، ويتولى اختيار المرشد الأعلى الذي يعد القائد الفعلي للبلاد، ومنذ أيام أعلن حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني، ترشحه لعضوية المجلس، وهو أيضا محسوب على التيار الإصلاحي.
يسعى رفسنجاني باقتراحه الذي أثار الجدل إلى انتخاب مجلس شورى من أعضاء مجلس الخبراء يحل محل المرشد، وهو ما لاقى رفضا شديدا من جانب المتشددين على رأسهم حسن فيروز آبادي، رئيس أركان القوات المسلحة، الذي ألمح إلى “تخوين” رفسنجاني وتياره الإصلاحي.
انتخابات 2016 “حاسمة”
يرى التيار المحافظ أن غريمه الإصلاحي حقق شعبية واسعة، خاصة مع الاتجاه نحو تخفيف العبء الاقتصادي عن المواطنين والمستثمرين ورجال الأعمال برفع العقوبات عن البلاد تدريجيا بدءا من العام المقبل، وهو ما حذر منه مكتب خامنئي على لسان مدير دائرة التوجيه، قائلا، إن “فوز الإصلاحيين يمثل توغل الأعداء في إيران”، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول استغلال الإصلاحيين الذين أبرموا الاتفاق النووي معها لتمكينهم من النفوذ في البلاد.
ويعتبر قادة كثيرون للتيار اليميني أو المحافظ، و هم المقربون من المرشد، الإصلاحيين “عناصر موالية للغرب”، وقبيل الانتخابات الرئاسية في 2009 اندلعت احتجاجات سميت بـ”الحركة الخضراء” وصفت عملية إعادة انتخاب أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية بـ”المزورة”، أثار قمعها واعتقال مئات من قياداتها، موجة تنديد عالمية ضد النظام الإيراني.
وبعد انتخاب روحاني في 2013، دعا إلى إعادة محاكمة قادة الحركة أمام قضاء عادل، وبعد أيام من ذكرى الاحتجاجات في يوليو/تموز العام الجاري أُعلن عن الإفراج فعليا عن 11 قياديا بارزين.
وبحسب مراقبين فإن مجلس خبراء القيادة لا يشكل صراعا بين التيارين في حد ذاته بل فيما يشكله من أهمية لاختيار خليفة خامنئي، ولا يعتبر الطريق ممهدا بالنسبة للإصلاحيين، ففي 1988 اعترض عضو المجلس آية الله حسين منتظري على قرار المرشد “الخميني” بإعدام أكثر من 4 آلاف معتقل، فانتهى به الأمر للموت رهن الإقامة الجبرية في منزله عام 2009.
وذكر معهد واشنطن لدراسات سياسات الشرق الأدنى، أن ورقة الإصلاحيين الأخيرة للنجاح في الاستحقاقين الانتخابيين في فبراير/شباط المقبل تكمن في تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية في البلاد، وهي الخطة التي نجحت في بلوغهم مقعد الرئاسة عام 2013.
