على مدار عقد كامل برزت تركيا وإيران كلاعبين إقليميين في جميع أزمات المنطقة، في محاولة منهما لبسط نفوذ أوسع، إذ لجأت طهران إلى استخدام أذرع وميليشيات تابعة لها لدعم فصائل سياسية بعينها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ودائما توجد الروابط المذهبية حاضرة وغيرها، لا سيما الفصائل التي تشترك معها بروابط مذهبية.
ونجحت إيران بالفعل في جعل قوة الكيانات الموازية تعادل ربما قوة الدولة، بما يشكل قواعد ارتكاز لنفوذ مستدام لنظام ولاية الفقيه..
لكن الفترة الراهنة تشهد تحولا ملحوظا، ففي العراق، سجلت خسارة كبيرة للفصائل المحسوبة على إيران في الانتخابات، ما أفقد طهران كثيرا من نفوذها في الشارع العراقي.
وفي لبنان لا يستطيع حزب الله حاليا أن ينجو من الغرق في الأزمات الداخلية، ما أدى إلى انفضاض الفصائل والتيارات من حوله، وبات بعضها يعتبره ربما أكبر مشكلات لبنان وسط عجز من الحزب المسلح على مواجهة حالة الرفض هذه.
أما تركيا فلها إستراتيجية في المنطقة، لا تختلف كثيرا عن مسار إيران، وكان ما عرف بالربيع العربي هو البداية، إذ تعاظم وقتها في دول المنطقة دور فصائل تنظيم الإخوان المنضوية تحت نفس لواء الحزب الحاكم في أنقرة، الأمر الذي مكّن الأخيرة من نشر قواعد ارتكاز في دول عربية، بعضها كان مسلحاً، والآخر كان سياسيا فقط.
لكن في الثلاثين من يونيو لعام 2013 عقارب ساعة الإخوان دارت للخلف، حين خسروا الحكم في مصر.. وتوالت خسائر الجماعة في المنطقة، وأخرها إقصاء حركة النهضة في تونس باجراءات استثنائية أتخذها الرئيس قيس سعيد.. وبالتوازي تكررت خسائر الإخوان في المغرب والبحرين والأردن واليمن.
كل ما سبق ربما لا يعني خسارة تركيا وإيران كامل نفوذهما في المنطقة، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن نهاية أحلام إحياء الإمبراطورية لكلتا الدولتين ليست إلا مسألة وقت.
يناقش هذا الموضوع من طهران د. محمد صالح صدقيان مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، ومن بغداد فلاح الذهبي الكاتب والباحث السياسي، ومن واشنطن توم واريك نائب مساعد وزير الأمن الوطني الأمريكي السابق، مع الإعلامي محمد المغربي خلال برنامج مدار الغد.
زعزعة الاستقرار
في البداية، يرى توم واريك نائب مساعد وزير الأمن الوطني الأمريكي السابق، أن إيران حققت العديد من النجاحات بنشر نموذجها لدعم الميليشيات التي لا تساند الحكومات، لكنها بدات نواجه ضغطا الآن من شعوب هذه البلدان.
وأضاف واريك لمدار الغد أن الحزب الحاكم في إيران فقد العديد من مقاعده البرلمانية، مشيرا إلى أن طهران باتت محركا للسياسة العراقية لا الوايات المتحدة.
وذكر أن هناك مقاومة ملحوظة لإيران من قبل دول المنطقة، في محاولة ما تقوم به، مؤكدا أن واشنطن تركز على مقاومة الملف النووي.
وقال نائب مساعد وزير الأمن الوطني الأمريكي السابق إن بلدان المنطقة تركز على كيفية مواجهة ممارسات إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن طهران أقر د. محمد صالح صدقيان مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، بأن إيران لها علاقات وثيقة مع حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وهم أصدقاء وليس كوكلاء.
وتابع أن هذه المؤسسات بحكم أنها أجزاء مكونات فاعلة في الحكومات، تعتبر طهران علاقاتها رسمية من أجل دعم أصدقائها لا إضعافهم وتأتي في إطار الأمن القومي الذي تعتبره يمتد إلى حدود البحر المتوسط كأمن إقليمي، على حد قوله.
خطة إيران
الكاتب والباحث السياسي فلاح الذهبي من بغداد، يرى أن النفوذ الإيراني في العراق ما زال متغلغلا، مشيرا إلى أن الوجود الإيراني ليس مرتبطا بقصة أصدقاء فقط، وإنما يدخل في إطار مصالح.
وذكر الذهبي أنه رغم انحسار النفوذ الإيراني في العراق، إلا أنه لم ينته، موضحا أن الخطة الإيرانية قائمة على دعم فصائل مسلحة بعضها يتحول إلى جهة عنف، ثم تدخل هذه الفصائل إلى المنظومة التشريعية وربما تدخل حتى في منظومة الدولة العراقية بشكل عام وهذا حدث أكثر من مرة.
وما بين صعود وهبوط تأرجحت سياسة تركيا خلال نحو عقدين من حكم حزب العدالةوالتنمية.. فمن تثبيت دعائم الدولة وبناء اقتصاد متنام وتعزيز التقارب السياسي مع الخارج.. إلى دعم كيانات موازية للسلطة في دول بالإقليم، والانخراط سياسيا وعسكريا في شؤون الغير، لتتحول سياسات أنقرة من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء.
من واشنطن عزا سليمان أوزورين كبير الخبراء في معهد أوريون بوليسي تحول سياسات أنقرة من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء، إلى أن بداية فترة حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ركزت على مصلحة أنقرة والديمقراطية وخدمة شعبها، لذا جاء إلى السلطة بفكرة الديمقراطية ودخل الاتحاد الاوروبي من أجل حل جميع المشاكل بعد التصويت على هذا الفكر.
وتابع لمدار الغد أن ما بين 2012 و2013، تغيرت الأمور بشكل درامي كبير، وأصبح الأشخاص، ممثلون في أردوغان وحاشيته، هم الأولوية، وسخر أردوغان سلطاته لخدمة أفراد بعينهم،
كما قال كبير الخبراء في معهد أوريون بوليسي لمدار الغد، إ الفساد أصبح عبئا كبيرا على البلد، مؤكدا ان الأشياء تغيرت بشكل كبيرة خلال هذا الفترة.
