يبدو أن بلاد الرافدين، على موعد مع الأزمات السياسية المتتالية، وتداعياتها على المشهد السياسي والشارع العراقي، من الصراع على النفوذ والسلطة، والإحتكاكات الطائفية، وهي أزمات وقضايا تحتك غالبا بملف الفساد، المتخم بتفاصيل تطال القيادات السياسية والطوائف المذهبية.. وأصبح العراق الآن على ابواب أزمة سياسية جديدة، عنوانها الرئيسي الفساد بعد أن فجر وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي مفاجأة، خلال استجوابه في البرلمان أمس الأول، واتهم رئيس البرلمان سليم الجبوري، ومستشاره مثنى السامرائي، وعدداً من النواب بمحاولة ابتزازه للحصول على عقود أسلحة.. ولم يعد أمام رئيس الوزراء، حيدر العبادي، سوى الطلب من هيئة النزاهة فتح تحقيق في هذه الاتهامات.
وكشف وزير الدفاع، لدى استجوابه أمام البرلمان عن تفاصيل عمليات الابتزاز السياسي التي مارسها الجبوري لتمرير عقود تسليح وشراء سيارات لإحالتها إلى مقربين منه لغرض الحصول على عمولات على حساب الدم العراقي قيمتها ملياري دولار، بحسب تعبيره.
القضية الأزمة تراها القوى السياسية العراقية، بأنها الأخطر على الساحة العراقية، بين السلطة التشريعية، ممثلة في رئيس البرلمان وعددا من النواب، وبين المؤسسة العسكرية، ممثلة في وزير الدفاع، وسوف تطال التجمعات المذهبية والحزبية التي ينتمي إليها الطرفان، أي أن ساحة المواجهة سوف تتسع، وهناك محاذير أمنية، ومتابعات دولية من قبل القوى الموردة للسلاح ومهمات الجيش العراقي، بحسب تعبير المحلل السياسي العراقي، سعدون عبد الجبار، فضلا عن أن قضايا الفساد، أصبحت تعترض مسار العلاقات الدولية مع العراق، وحتى مؤسسات الدعم أو التمويل الدولية!.
الأزمة السياسية الجديدة، بدأت حين لبى وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، دعوة البرلمان لاستجوابه، في جلسة سرية، بشأن ملفات تخص الجيش العراقي، بناء على طلب قدمه عدد من النواب، برئاسة النائب عن «دولة القانون» عالية نصيف، وشهدت الجلسة فوضى بعد الاتهامات التي وجهها العبيدي إلى الجبوري ومستشاره الخاص بأنهما حاولا ابتزازه سابقاً «للحصول على صفقات أسلحة وعقود لإطعام الجيش مقابل العدول عن استجوابه»!
وهاجم أيضا نواباً من «اتحاد القوى الوطنية» الذي ينتمي إليه بـ«التورط في فساد إداري ومالي»، بينهم جمال الكربولي، وهو مؤسس وأمين عام الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية «الحـل» وكان محكوماً وملاحقاً داخل العراق وخارجه منذ سنة 2007، وخضع لقوانين معلنة ومعروفة ، وصدر بحقه حكماً بالحبس سبع سنوات، وجرت تبرئته وإعادته إلى واجهة الحياة السياسية، كما اتهم كلاً من النواب حنان الفتلاوي وعالية نصيف بابتزازه لتعيين موظفين يخصانهما في وزارة الدفاع.
ردود الفعل داخل البرلمان، اقتصرت على انسحاب مؤقت لرئيس البرلمان من الجلسة، مؤكدا أنه لن يعتلي منصة المجلس إلا بعد إثبات براءته من التهم المنسوبة إليه، وأن ما قاله وزير الدفاع مسرحية لإفشال عملية الاستجواب، وكانت المفاجأة أنه تراجع سريعا وعاد بعد دقائق وجلس وسط النواب، وأبدى استعداده للمثول أمام المحاكم ولجان النزاهة للتحقيق في التهم التي كالها إليه العبيدي، حينئذ طلب رئيس الحكومة، حيدر العبادي، من هيئة النزاهة، التحقيق في هذه الاتهامات، ودعا إلى التعاون معها، وأكد أنه لا أحد فوق القانون.
وأبدى العبيدي استعداده للحضور إلى لجنة النزاهة لكشف الفساد داخل الوزارة مشددا على أنه لن يساوم على قوات الشعب وسيحاسب كل من يحاول تمرير عقود فساد مهما كان موقعه أو سلطته، وأبلغ العبيدي التلفزيون الحكومي في مقابلة، أمس الأول، أن الاستدعاء للمثول أمام البرلمان ما هو إلا مؤامرة من جانب من وصفهم بالفاسدين واستهداف سياسي بسبب التصدي للفساد، موضحا أنه منذ توليه الوزارة قلص إلى حد بعيد الكسب من عمليات الفساد في صفقات الأسلحة وظاهرة «الجنود الأشباح» وهم أعضاء في الجيش لا وجود لهم في الواقع لكن يتم صرف رواتبهم.
ويذكر أن رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي اضطر للاستقالة في أعقاب اجتياح تنظيم داعش للموصل، كان قائما بأعمال وزير الدفاع في ذلك الوقت.
ويرى النائب عن «اتحاد القوى» أحمد المشهداني، أن ما قاله وزير الدفاع كان صادماً، و يكشف عن تعرضه لضغوط أكبر من طاقته على تحملها، أو ربما كانت الاتهامات مجرد وسيلة للتملص من الاستجواب الموجه غليه في البرلمان وتمييعه، ولذلك كان الأجدر به أن يطلب من الجهات المعنية متابعة ملفات في حوزته كما يدعي، قبل استجوابه كما أنه لم يقدم أي دليل يثبت التهم التي أطلقها.
ويؤكد خبراء عسكريون عراقيون، أن طلب رئيس الوزراء ،حيدر العبادي، بإجراء تحقيق في مزاعم فساد في صفقات أسلحة، يعد تطورا ينذر بإشعال أزمة سياسية جديدة، في توقيت غير مناسب، قبل التحركات العسكرية لاستعادة الموصل من تنظيم “داعش” ، ومن المتوقع أن يهدد الخلاف بشأن إجراءات مكافحة الفساد، بإبطاء القوة الدافعة لاستعادة الموصل والاستفادة من المكاسب الميدانية ضد المسلحين المتطرفين.
ويحاول رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، منذ أكثر من عامين، التصدي للفساد في العراق الذي يأتي في المرتبة 161 على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد ويضم 168 دولة، لكنه يواجه مقاومة من أغلب قطاعات النخبة السياسية، ومن المتنفذين طائفيا وعرقيا.
