المشهد العام في لبنان، يكشف عن معاناة لا مثيل لها وتزايد لأعمال اليأس، نتيجة تداعيات وباء «كوفيد ـ 19» الذي أضعف لبنان المنهار أصلا، بحسب وصف صحيفة «لوموند» الفرنسية، التي اعتبرت أن تباطؤ الحركة الاقتصادية والحجر المنزلي فاقما أثر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، بينما تجاوز حجم التضخم المالي 20% وسط انهيار القدرة الشرائية وتقييد السحوبات المالية للمودعين.
- وفي المقابل يرى المراقبون في بيروت، أن حكومة لبنان تتنصل من «خطتها الإنقاذية».. ومع نصائح باعتماد «التجربة اليونانية».
ويؤكد مصدر سياسي لبناني، مواكب عن كثب للأجواء التي سادت جلسات مجلس الوزراء التي خُصّصت لمناقشة مسودّة الإنقاذ الاقتصادي، أن رئيس الحكومة حسان دياب بات على قناعة بأن المسودة لن ترى النور ما لم تطرأ عليها تعديلات جوهرية تتعلق أولاً بضرورة إعادة النظر في مسألة اقتطاع نسبة من ودائع المودعين الكبار لتعويض الدولة عن الخسائر التي مُنيت بها.
المسودة الإنقاذية
وكشف المصدر السياسي لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن الرئيس دياب بات مضطراً لإدخال تعديلات أساسية على المسودّة الإنقاذية في ضوء ما توافر لديه من معطيات لا تشجّعه على إقحام البلد في مغامرة مالية ليست محسوبة، خصوصاً أنها لا تلحظ التعويض للذين يستهدفهم الاقتطاع من حساباتهم (Haircut)، وقال إن الإصلاحات المالية والإدارية الواردة فيها في حاجة إلى إدراجها في سياق خطة، بدلاً من تجميعها بصورة عشوائية.
- ولفت المصدر نفسه إلى أن حجم المعارضة الداخلية لهذه المسودّة الإنقاذية، تجاوزت خصومها إلى «أهل البيت» الذين يتوزّعون بين معارض لها وآخرين يلوذون بالصمت كأنهم يتركون رئيس الحكومة وحيداً في الرد عليها خصوصاً من التيار السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لم يتدخّل حتى الساعة لتوفير الحماية السياسية له.
وبعض الأطراف المشاركة في الحكومة تدخّلت لدى الرئيس دياب لإقناعه بوجوب تعديل المسودة الإنقاذية، وكذلك المداولات التي جرت في الاجتماع المطوّل الذي عقده دياب مع المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي الوزير السابق النائب علي حسن خليل، وقال المصدر: إن الأخير أبلغه بصراحة بأن الرئيس نبيه بري لن يوافق على ما ورد في المسودّة الإنقاذية، وتحديداً بالنسبة إلى اقتطاع نسبة من ودائع كبار المودعين.. وأن اللقاء الذي استمر لساعتين ونصف انتهى إلى قناعة رئيس الحكومة بأن هذه المسألة بالذات لن تمر في مجلس الوزراء قبل السؤال عن موقف البرلمان الذي سيكون رئيسه بالمرصاد لها لوجود صعوبة في قوننتها لمخالفتها ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني التي تنص على أن لبنان يقوم على نظام الاقتصاد الحر، إضافة إلى تعامله مع الودائع بأنها من المقدّسات ولا يجوز التفريط فيها.
استنساخ التجربة اليونانية
وفي هذا السياق، بحسب المحلل السياسي محمد شقير، تردّد أن الحكومة تميل إلى استنساخ التجربة اليونانية للتعويض عن الخسائر التي أُلحقت بالدولة، وذلك بإنشاء صندوق سيادي تُوضع فيه كل ممتلكاتها التي تشمل مؤسسة كهرباء لبنان بعد إعادة تأهيل قطاع الطاقة، وكازينو لبنان، والاتصالات، وشركة مرفأ بيروت، والمرافئ الأخرى، وشركة طيران الشرق الأوسط، والممتلكات والعقارات العائدة للدولة شرط أن تأخذ في الاعتبار تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
- وتردد أيضاً أن الشراكة تتيح طرح أسهم الصندوق السيادي للتداول في السوق المالية على أن تكون لأصحاب الودائع حصة فيها شرط تفعيل الجباية ووقف الهدر وخفض النفقات وإقفال المعابر غير الشرعية وإعادة تأهيل المديرية العامة للجمارك. وعليه، فإن مثل هذا الاقتراح قد يشكّل أول خطوة على طريق خفض العجز وإطفاء الدين العام على مراحل تمهيداً للتفاوض مع صندوق النقد طلباً للمساعدة المالية.
هل يحتاج لبنان إلى «عقد اجتماعي جديد»
وبينما تحاول الحكومة اللبنانية لملمة خلافاتها، يطرح التساؤل: هل يحتاج لبنان إلى «عقد اجتماعي جديد» حقًا؟ وهناك من يرفع شعار العقد الاجتماعي، ومسوغهم في هذا ، بحسب تعبير الباحثة والكاتبة منى فياض، «ما أوصلتنا إليه الحكومات المتعاقبة من فشل موصوف ومفضوح حتى للعالم الخارجي، ومن بعض نتائجه التردي الخطير على المستوى الاقتصادي ـ المالي من جهة، إلى حد إعلان إفلاس الدولة؛ إضافة إلى الفساد المستشري في كافة مرافق الدولة والناتج عن المحاصصة والزبائنية والطائفية، بعد أن تم تعطيل آليات الحكم الديمقراطي عبر القفز فوق الدستور والقوانين».
- وترى «فياض»، أن المشكلة في لبنان، كما صاغها البعض، أن الطبقة السياسية حولته من نظام ديمقراطي برلماني تعددي إلى «نظام طائفي عميل»، بمعنى أن ولاءات نخب الطوائف تذهب مباشرة إلى الخارج، أي إلى دول خارجية وأولياء أمر خارجيين؛ أحيانا بشكل محتشم وعلى شكل ولاء سياسي، وأحيانا بشكل فج ومفضوح بواسطة القوة، وقد لجأت هذه النخب إلى افتعال النزاع الطائفي ـ السياسي دوريا كوسيلة للحكم والتحكم بمصير الشعب اللبناني، فتم تعطيل الدولة بما يقرب السبع سنوات كي يتاح للسلاح العميل بوضع اليد على الدولة ومؤسساتها.
ووفقا لمنظرين آخرين حول العقد الاجتماعي، أنه في حال فشل الحكومة في تأمين الحقوق الاجتماعية (كما عند جون لوك)، أو فشلها في تلبية أهم اهتمامات المجتمع (ما يسميه جان جاك روسو «الإرادة العامة»)، يمكن للمواطنين حينها أن يمتنعوا عن طاعة الحكومة، أو أن يغيروا القيادة عبر انتخابات أو عبر وسائل أخرى. وهذا ما تهدف إلى تحقيقه ثورة 17 أكتوبر/ تشرين، عندما تنتهي جائحة كورونا.