اشتراطات الإنتاج تقتل روح الإبداع في مسلسلات الدراما الرمضانیة

كتب – رياض أبو عواد

حاولت ھذه السنة ألا أتابع أي دراما رمضانیة، لكسر روتین سنوات كثیرة أمضیتھا في متابعة  المسلسلات والكتابة عنھا، لكن حجم الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي حول المسلسلات المعروضة، واتفاق آراء العدید من النقاد المحترفین مع المشاھدین العادیین حول تدھور مستوى الدراما ھذا العام أثار فضولي وأعادني لمشاھدة المسلسلات، رغم رغبتي الملحة في التحرر من ھذه العادة ھذا العام.

استعدت من النت عددا من المسلسلات للأسماء الأبرز في عالم الدراما ھذا العام فشاھدت مسلسلات “ولد الغلابة“، ”زلزال“، “قمر ھادي“، “لمس أكتاف“،”أبو جبل“، ”قابیل“، “زي الشمس“، “حدوتھ مرة“، ”حكایتي”، والجزء الثالث من “كلبش” في حلقاتھا المعروضة حتى الآن، إلى جانب بضع حلقات من مسلسلات أخرى أُطلق علیھا جازافا تصنیف »كومیدیة«.

أعادتني ذاكرتي إلى الماضي حیث كان رمضان یرتبط دوما في الذاكرة بالمسلسلات المصریة التي كانت تغزو الشاشات العربیة إلى جانب مثیلتھا العربیة وكانت تعمل على خلق وجدان مشترك بین مصر وسوقھا الطبیعي العربي.

فكان من الطبیعي عند بث مسلسلات مثل “لیالي الحلمیة” أو “رافت الھجان” أو “بوابة الحلواني” أو “ارابسك” ان تجد شوارع غالبیة المدن العربیة شبھ فارغة من المارة لجلوسھا امام التلفزیون لمتابعة المسلسل فلم یكن ھناك انترنت لمشاھدة الحلقة التي تمر ولا یرید احد ان یخسر مشاھدة الحلقة.

وأعادتني الذاكرة أیضا إلى بدایات الحریة التي تمتعت بھا الدراما التلفزیونیة المصریة بعد ثورة 25 ینایر، والتي انتجت مجموعة من المسلسلات التي قاربت موضوع الفساد والممارسات القمعیة في مستویاتھا المختلفة ومن بینھا مسلسلات “أفراح القبة” و”فرتیجو” و”السیدة الأولى” و”وجبل الحلال” و”دھشة” و”ذات” و”سجن النساء”و”حارة الیھود” و”بین السرایات” وغیرھا الكثیر إلى جانب زیادة عدد المسلسلات بطریقة غیر مسبوقة إذا تجاوز الانتاج الاربعین مسلسلا.

إلا أن مشاھدتي وما قراءتھ على وسائل التواصل الاجتماعي بین الأصدقاء المحترفین والأصدقاء المشاھدین العادیین جعلني أحس بخطر زوال ھذا الجمال الرمضاني مع الھبوط في المستوى الدرامي ھذا الموسم والمتوقع له الاستمرار على ضوء الاشتراطات الإنتاجیة التي یتم الحدیث عنھا وراء الكوالیس حیث تفرض الجھة المنتجة الرئیسیة وجھة نظر بعیدة عن الإبداع 15 مسلسلا إنتاج شركة واحدة من بین 23 مسلسلا أنتجت ھذا العام، إلى جانب خروج منتجین مھمین من سوق الإنتاج ھذا العام.

ولتُستكمل ھذه الصورة مع التشدد الرقابي والتقییدات التي مورست من خلال لجنة الدراما ولجنة الرقابة على الدراما الرمضانیة والتي سجلت مخالفات على المسلسلات وصلت إلى 949 مخالفة عند قراءتھا وھي مخالفات تثیر الضحك وكأن ما یستخدم في المسلسلات من تدخین أو كلام أو إیحاءات جنسیة جاء من الفراغ ولیس تعبیرا عن الواقع المعاش مع العلم أن اللغة الدرامیة عادة ما تلجأ إلى لغة أكثر تھذیبا بكثیر من الواقع لكن ماذا تفعل مع لجنة تغطي ضوء الشمس بغربال.

وأصبح المشاھد یبحث في ھذا الموسم عن أفضل الرديء بعد اأن كان في مواسم سابقة یبحث عن أفضل الجید فالمسلسلات الرمضانیة ھذا العام تتمیز بالرداءة وانحصار المنتج الدرامي ضمن الصورة النمطیة لتجار المخدرات مثل مسلسلات “ولد الغلابة” و”لمس أكتاف” والبلطجة في الشوارع مثل “زلزال” و”ھوجان” والقتل المجاني والأمراض النفسیة مثل “قابیل” و”حكایة مرة” وكلھا معزولة عن محیطھا الحقیقي .

ویبدو أن محتكري الإنتاج ھذا العام قرروا أن یسلكوا المنھج الأمریكي على طریقة رامبو وكابتن اوف أمریكا والمسلسلات وأفلام البولیس وبولد اند بیتوفل وغیرھا في تغییب الوعي من خلال العنف والفردیة وھذا النوع من الدراما الذي یتجاھل الواقع الاجتماعي والسیاسي والاقتصادي القائم وما یلحقه من تنوع وغنى في الآراء یعمل على شغل المواطن عن ھمه الحقیقي من فقر في كل شيء، في الفكر والاقتصاد والمجتمع والسیاسة.

ومن الملاحظات التي یمكن تسجیلھا إلى جانب تراجع الإنتاج إلى 15 مسلسلا من إنتاج شركة واحدة الأزمة الاقتصادیة التي تعرض لھا العاملون في قطاع الانتاج الدرامي والسینمائي التي یعیش بفضل صناعتھا حسب نشرة دلتا الاقتصادیة ملیوني إنسان جلس الكثیر منھم في منازلھم لعدم توفر فرصة العمل، وھذا لا یشمل النجوم فقط مثل یسرا ویحیى الفخراني ولیلى علوي وغیرھم، بل العاملین في مختلف قطاعات الصناعة من عمال دیكور واضائة وصوت وغیرھا.

ثانیا تراجع الدراما التلفزیونیة المصریة أمام الدراما المنتجة في دول عربیة أخرى مثل سوریا ولبنان ودول الخلیج العربي والمغرب العربي كما ونوعا.

ثالثا تراجع عدد المشاھدین إلى حد كبیر بسبب كثرة الدعایات التي تمزق المسلسل تمزیقا على الشاشات التلفزیونیة وصعود نسبة استخدام الإنترنت للتخلص من الدعایات والتذكیر في الفقر والمرض وتشجیع الاستھلاك في كل ھذا المواد الاعلانیة التي تحتل الشاشات الصغیرة.

رابعا قصر الإنتاج على نوع واحد من الدراما دفع الكثیر من المشاھدین لمقاطعة الشاشات الصغیرة حیث تمیزت الدراما ھذا العام بالنمطیة فھي تكرار ممل لمسلسلات وأفلام سبق مشاھدتھا بدءا من الصعود الطبقي للفرد من بیئة شعبیة إلى بیئة أكثر رقیا وانتقامه من ھذا الواسط الراقي أو تجارة المخدرات والقتل المجاني أو صراع الأغنیاء فیما بینھم أو تجمیل صورة رجال الاعمال الذین ینھبون البلد.

وتجتمع كل المسلسلات على نقل الصورة النقیضة لمسلسلات ما بعد 25 ینایر التي انتقدت الفساد وممارسات رجال الأمن القمعیة ضد أفراد المجتمع إلى استمرار محاربة الفساد وتلمیع وجه رجال الامن المحافظین على الأمن والمحاربین للفساد والإرھاب.

یضاف إلى ذلك سوء الظروف الإنتاجیة حیث ان المسلسلات التي یتم عرضھا لا تكون جاھزة قبل بدء الشھر المبارك ویتم تكمیل التصویر خلالھا بما یعنیه ذلك من تسارع في وتیرة العمل على حساب الجودة المطلوبة في العمل الدرامي، فتكثر السقطات في تطور العمل الدرامي وتؤدي إلى تفككه خصوصا إذا علمنا أن بعض المسلسلات یستكمل العمل في كتابة السیناریو حتى اللحظة الأخیرة من التصویر.

خامسا ضعف الإنتاج وسوءه ھذا العام دفع الكثیرین من النقاد ومن المشاھدین إلى متابعة المسلسلات القدیمة والكتابة عنھا مجددا والتي بثتتھا بعض الشاشات.

وجاء ضمن ھذا السیاق استعادة تراث كاتب السیناریو الكبیر نجیب محفوظ الشاشة الصغیرة، أسامة أنور عكاشة والمسلسلات التي احتلت وجدان المصریین والعرب بسمة عامة كتعبیر عن رفض المنتج الدرامي الحالي.

وفي النھایة من الواضح إنه من الضروري لاستعادة مصر لمكانتھا الدرامیة في العالم العربي خصوصا أنھا الأھم كصناعة وكتنوع اجتماعي وفكري وثقافي أن تتمتع كتابة الدراما بحریة واسعة وأن تنقل الواقع بكل تنوعه بدون تدخلات من قبل منتجیین یسعون لفرض رؤیة معینة وإتاحة الفرصة أمام المنتجین الصغار لكي یعودوا إلى دورھم الطبیعي في الإنتاج وتشجیع الصناعة فالحریة ھي الأساس في إبداع الفن مع توفیر اقتصادیات الانتاج.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]