اقتصاد الخليج.. من النفط إلى الطاقة المتجددة
باتت مسألة التنويع الاقتصادي ملحّة في الدول الخليجية، لا سيما مع عدم استقرار أسعار النفط، والذي يضع ضغطاً كبيراً على المواقف المالية لتلك الدول.
واعتبر معهد “بروكينجز” في تقرير له أن على صانعي السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي إنشاء تحفيزات لتنمية اقتصادية حقيقية، لا تعتمد على قطاع النفط والغاز، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبحسب المعهد ينبغي أن يتم ذلك عبر التشجيع على الادخار والاستثمار على المستوى الفردي.
ويرى التقرير أن ما يعطل وتيرة الإصلاحات في دول الخليج بشكل كبير، هو تحويل ثروة الهيدروكربون إلى المواطنين كنصيب للفرد من العائدات.
ورغم ما حققته دول الخليج من تقدم اقتصادي في العقد المنصرم، ما زال إنتاج النفط والغاز يمثّل أكثر من 40% من الناتج المحلّي الإجمالي في معظم تلك الدول، باستثناء الإمارات بنسبة 30% والبحرين 18%.
وأخيراً، دعا “بروكينجز” حكومات دول الخليج للسير قدماً في تنويع الاقتصاد والتركيز على بناء نظم اقتصادية مستدامة وديناميكية في مرحلة ما بعد الهيدروكربون.
في هذا السياق، قال المستشار الاقتصادي وخبير النفط الدولي بجدة، الدكتور محمد الصبان، إن اللجوء للطاقة المتجددة كان خيارا أمام الدول الخليجية، إذ تم إدراج تطوير الطاقة المتجددة في رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030، وتعمل على تنفيذها منذ 5 سنوات.
وأضاف الصبان، خلال لقاء ببرنامج “مدار الغد”، أن هناك تحولا وثورة نحو استخدام الطاقة النظيفة، دون الاستغناء عن المصادر التقليدية للطاقة، خاصة النفط، مؤكداً أن الطلب على النفط والغاز سيستمر لعقود قادمة.
وتابع الصبان أن الطاقة المتجددة تستخدم بشكل رئيسي في توليد الكهرباء وتحلية المياه، ولا تستخدم بشكل كبير في قطاع النقل، مشيرا إلى ضغوط من الدول الصناعية على الدول الخليجية المنتجة للنفط في دور استعماري لنقل عبء مواجهة التغير المناخي إلى الدول المنتجة.
وأكد أن دول الخليج لا تمانع بالتوجه للطاقة المتجددة، لكنها تتأثر سلبا بانخفاض الاستهلاك العالمي، خاصة في قطاع النقل الذي يمثل أكثر من 65% من مجمل استهلاك العالم من النفط، لافتا إلى الغرب يتجه لفرض ضريبة على المحتوى الكربوني وعلى غازات الاحتباس الحراري بالواردات النفطية.
ولفت الصبان إلى أن تنوع مصادر الطاقة مهما وضروريا للجميع، ومن الصعب أن يعتمد اقتصاد دول الخليج على مصدر واحد للاقتصاد، مشيرا إلى أن الخليج طرح تقنية لسحب الكربون وتخزينه وتقديم نفط نظيف، إلا أن الغرب رفض هذا الأمر بدعوى أنه سيؤدي إلى إحباط محاولات تطوير الطاقة المتجددة.
فيما رأى الخبير في الشئون الاقتصادية بدبي، نايل الجوابرة، أن هذا التحول نحو الطاقة المتجددة هو لتنويع الاقتصاد واستغلال مصادر الطاقة كافة وليس فقط الاعتماد على نوع معين.
ولفت إلى أن دولة الإمارات سنت قانونا منذ 3 سنوات لاستخدام الطاقة المتجددة، سواء للإنارة الداخلية أو لبعض المنازل، وهو ما تتجه إليه الحكومات في العالم، مشيرا إلى أن الإمارات تتجه إلى الاعتماد كذلك على الطاقة النووية التي تعتبر الحياة الجديدة للدولة.
وأضاف الجوابرة أن هناك تسييسا من الغرب لهذا الملف، مؤكداً أن المصانع الكبرى في العالم تحتاج إلى النفط لتشغيلها في وقت تعجز فيه الطاقة النظيفة عن تلبية هذا الأمر، متابعاً أن دول الخليج اتجهت مع الدول العالمية للاستثمار في الطاقة النظيفة، مشددا على أن إلغاء الطاقة الأحفورية يحتاج لعقود طويلة.
وتابع الجوابرة أن دولة الإمارات سعت إلى تنويع مصادر الطاقة، حيث تنتظر في القريب بداية عمل مفاعل البراكة للطاقة النووية،
وأوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للاستشارات السياسية والاستراتيجية من الكويت، الدكتور فهد الشليمي، أن الطاقة النفطية هي القلب الصناعي للعالم وقامت فلسفة الحضارة على النفط ذاته، ورأى أن بدائل النفط (الطاقة النظيفة) لا تُشكل ثقل كبير للاستغناء عن النفط، خاصة أن العالم لا زال في مرحلة البداية لاستخدام الطاقة النظيفة.
وأكد الشليمي أن النفط سيكون السلعة الاستراتيجية في العالم لعقود قادمة، معتبرا أن النفط يعد من نقاط القوة للدولة، مشيرا إلى أن دول الخليج بدأت تستثمر في المؤسسات الغربية.
ورأى أن الخليج يمتلك عامل الوقت في مواجهة هذا التغير، كما يمتلك الخليج عاملا آخر، حيث يعتمد العالم على الوقود الأحفوري في عمليات الصناعة، وسيستمر هذا لعقود، وهو ما سيحفظ التأثير السياسي والاقتصادي لدول الخليج.
وأشار أن عددا من الدول يمكن أن تكون أسواقاً جديدة للنفط الخليجي، مؤكداً أن “الحضارة الإنسانية تقوم على النفط وإذا لم يكن هناك نفط لن يكون هناك حضارة”.
من جانبه، أوضح الكاتب الصحفي بالدوحة، صالح غريب، أن دول الخليج سعت إلى لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والاتجاه نحو الطاقة المتجددة، لافتا إلى أن هناك هجمة حاليا على دول الخليج واتهامها بالمسؤولية عن التلوث العالمي من عدة دول، كالولايات المتحدة.
وأضاف أن الدول العربية فكرت في بدائل الطاقة، خاصة الطاقة النووية، وهو ما بدأته الإمارات عبر إنشاء محطة البراكة النووية، مؤكداً أن تجربة الإمارات ستستفيد منها دول الخليج لإيجاد بدائل لتنويع الاقتصاد وإيجاد بدائل طاقة نظيفة.
كذلك قال الباحث السياسي من المنامة، سعد راشد، إن دول الخليج تنظر إلى أهمية تنويع مصادر الطاقة، ووضعت خطط مستقبلية، خاصة الإمارات والبحرين، بعدم الاعتماد على النفط وحده، لافتا إلى أن اتفاقيات التغير المناخي باتت ملزمة للدول.
وأشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها اجتماعات مشتركة بخصوص آليات إيجاد الطاقة البديلة وبرامج مشتركة، لافتا إلى أن السعودية قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه وأصبح هناك مدن سعودية تعمل بالطاقة الشمسية.