«الأب الشرعي» للنضال الفلسطيني..«أبو عمار»ربط التاريخ والجغرافيا بجسده

إذا كانت القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974  تعتبر منعطفاً تاريخياً مهماً لمنظمة التحرير وللقضية الفلسطينية عموماً، فقد صدر قرار من القمة باعتبار«منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، .. فإن مسيرة نضال الزعيم الراحل ياسر عرفات، تسجل مرحلة «الأب الشرعي» للنضال الفلسطيني.

 

 

 

 

رجل ربط التاريخ والجغرافيا بجسده، فكان هو وحبيبته فلسطين وجهي عملة، خبأ حبيبته بكوفيته وستبقى رمزا إلى أن تتحرر فلسطين، بحسب تعبير غريغوريوس الثالث، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، والإسكندرية وأورشليم.. كان أبو عمار يشرف على العمليات الفدائية، ويتقدم الشباب في العمل الفدائي، ويفتح المجال أمامهم؛ لكي يأخذوا دورهم، ويمارس قيادة حازمة في اتخاذ القرار، ويتفقد أُسَر الشهداء .. وتوج النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13 نوفمبر / تشرين الثاني 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب «جئت حاملا غصن الزيتون في يد،وفي الاخرى بندقية الثائر،فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي ».

 

 

 

وإذا كانت الزعامة هي «مؤسسة قيادة».. فإن مسيرة نضال «أبو عمار» حفرت اسم «الأب الشرعي» للصمود والنضال الفلسطيني..وعاش الشهيد ياسر عرفات متفرغاً للقضية الفلسطينية؛ عازفاً عن كثير من ملذات الحياة. وعندما سألته أخته: «لماذا لم تتزوج؟»، أجابها:  «أتريدين أن أتهم بتعدد الزوجات؟ ألا يكفى امرأتي الأولى، الثورة الفلسطينية‍؟».

 

 

 

 

 

 

وكان مؤهلا لأن يكون رمزا عربيا للنضال ومواجهة كافة صور الاستعمار والاحتلال، مولعاً بالسياسة، والشؤون العسكرية؛ يشغله احتلال الاستعمار للعالم العربي..ومنذ بدايات مشاركته  في المظاهرات المعادية للاستعمار الإنجليزي في مصر، وانضم في شبابه إلى الحركة الوطنية الفلسطينية؛ من خلال الانضمام إلى «اتحاد طلاب فلسطين» عام 1944، الذي ترأسه، بين عامَي 1953 و1968..وشارك في تهريب الأسلحة والذخيرة من مصر إلى الثوار في فلسطين. وأسهم في حرب 1948، وخاصة حصار مستوطنة كفار داروم في غزة. وقاتل ضد قوات العصابات الصهيونية بجنوب فلسطين ،ثم انضم إلى«جيش الجهاد المقدس» الذي أسسه عبد القادر الحسيني وعين ضابط استخبارات فيه.

 

 

 

وانضم أبو عمار ( محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني)، إلى مجموعة المناضلين المصريين، محارباً معهم الإنجليز في منطقة قناة السويس، بين عامَي 1951 و1952؛ حيث تعرّف إلى بعض قادة الثورة المصرية؛ ومنهـم كمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، وعدد آخر من أعضاء مجلس قيادة الثورة المصرية؛ وأقنعهم أن يقبلوا أول دفعة من الضباط الفلسطينيين، في الكلية الحربية المصرية، وكان هؤلاء هم دعائم جيش التحرير.

 

 

 

 

 

 

 

وابتعد بوعيه السياسي المبكر، في أوائل الخمسينيات، عن الأحزاب السياسية، وكان على قناعة بأن الأحزاب السياسية القائمة، والأنظمة العربية الموجودة في تلك الفترة، لا تستطيع عمل شيء للقضية الفلسطينية؛ ما دفعه إلى إنشاء معسكر لتدريب زملائه من طلاب كلية الهندسة، جامعة القاهرة، الراغبين في الاشتراك في الأعمال الفدائية، المتصدية للبريطانيين في منطقة قناة السويس، وأثبت «عرفات» أنه يمتلك جميع مقومات القائد ومواهبه، وقدرته على فرض هيمنته على الآخرين. كما أثبت قدرة فائقة على العمل؛ ونجح من خلال اتصالاته أن يصل إلى اللواء محمد نجيب (رئيس مجلس قيادة الثورة)، على رأس وفد من طلبة فلسطين؛ وقدم إليه عريضة مكتوبة بالدم، باسم شهداء فلسطين ومصر، الذين ضحوا بحياتهم من أجل فلسطين.. وفي هذا اللقاء، التقى عرفات للمرة الأولى بالزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر.

 

 

 

 

التحق «أبو عمار» بالجيش المصري فور اندلاع حرب السويس «العدوان الثلاثي» على مصر في 28 أكتوبر/ تشرين الأول  1956 كضابط احتياط في وحدة الهندسة في بور سعيد ،مع رفيقه رئيس اتحاد الطلبة المصريين/ جواد حسني، الذي أستشهد في تلك المعركة.. وقتئذ أدرك القائد الرمز «أبو عمار» أن القوة العسكرية ممثلة بالعدوان الثلاثي لم تستطع أن تهزم إرادة شعب مصر بقيادة عبد الناصر، وأن إرادة القوة مهما عظمت فإنها تُهْزَم أمام قوة إرادة الشعب المقاتل..وأسس عام 1957 «اتحاد الخريجين الجامعيين الفلسطينيين» وغادر للعمل مهندساً في الكويت، وكرس الكثير من وقته لنشاطاته السياسية السرية.وأسس مع عدد من الفلسطينيين ومنهم خليل الوزير «أبوجهاد» حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في الكويت  في  أواخر العام 1957..ودخل إلى الأرض المحتلة في شهر يوليو/ تموز 1967 بعد شهر على سقوطها تحت الاحتلال عبر نهر الأردن للإشراف على سير عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي .

 

 

 

 

 

كان الشهيد ياسر عرفات، هو صاحب الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية، ليلة رأس السنة من عام 1965؛ ولم يكن قد تجاوز عمره 35 عاماً. وبعد نجاح العملية، راح بنفسه يوزع البيانات على الصحف، في بيروت، حيث ظهر أول مرة، اسم «فتح»، واسم أبو عمار. ولعل البيان الأول، كان على درجة من الأهمية؛ وقد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. مؤمنين بحق شعبنا في النضال من أجل استعادة وطنه المغتصب؛ وبالثورة العربية من المحيط إلى الخليج؛ وبدعم قوى التحرر في العالم، قامت وحدات من قواتنا المقاتلة، ليلة 31/ ديسمبر/ كانون الأول 1964، بعمليات ناجحة، أوكلت إليها داخل الأراضي المحتلـة. وعادت إلى قواعدها سالمة».

 

 

 

 

 

وأصبحت الوحدة الوطنية الفلسطينية هدفاً كبيراً، ولكن وفقاً لمقولة عرفات: «لا نريد وحدة مكاتب، ولا وحدة مناورات سياسية؛ ولكننا نريدها وحدة حقيقية؛ تستمد نبضها من ميدان النضال». وأسفر جهده من أجل الوحدة؛ عن تنسيق قوات «العاصفة» وقوات التحرير الشعبية، عملياتهما في داخل إسرائيل.

 

 

 

 

منذ تلك اللحظة، بدأت المنظمة تزداد أهمية، على المستويات: السياسي، والعسكري، والاقتصادي، والاجتماعي، في الساحتَين: العربية، والدولية. حيث بدأ نشاطها يزداد في ضوء خطة العمل، التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني، وخصوصاً توحيد الكفاح المسلح الفلسطيني؛ إذ سعى عرفات إلى حل الخلافات الداخلية بين فصائل المقاومة الفلسطينية، فعقدت اللجنة التنفيذية اجتماعاً، في عمّان، في 16 و17 فبراير/ شباط 1969، وقررت تشكيل هيئة باسم «قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني»، بمشاركة تلك الفصائل كافة. كما اتخذت قراراً، يقضي بتطوير «جيش التحرير الفلسطيني»، وزيادة عدده وقدرته، وتطوير أسلحته.

 

 

 

 

واستطاع عرفات أن يبني علاقات سياسية بالدول العربية والعالمية؛ وكذلك علاقات اقتصادية. ووقّع اتفاقيات اقتصادية وخاصة مع الدول الاشتراكية ـ والمعروف دولياً أن اتفاقيات التعاون لا توقَّع إلا بين الدول ـ ولذا، كانت المنظمة هي أول حركة تحرير وطني في التاريخ، توقّعها. فقد أبرمت مثلاً، اتفاقية اقتصادية مع ألمانيا الديمقراطية؛ وفي أثناء التوقيع، قال وزير التجارة الألماني: «إننا نعرف مع من نوقِّع هذه الاتفاقية ولماذا؟. نحن نوقِّع اتفاقية مع منظمة التحرير؛ وهي حركة تحرير وطني ولكننا نوقِّعها، لكي ننقل اعترافنا بكم، من الاعتراف السياسي إلى الاعتراف بحق تقرير المصير على الأرض الفلسطينية نفسها».

 

 

 

 

 

كان عرفات يشارك من حوله في صنع القرار واتخاذه. وهو رجل عسكري وسياسي واجتماعي؛ عنيد في بعض المواقف؛ ومقاتل شرس في مواقف أخرى. يتمتع بإرادة حديدية، تنقذه من أيّ أزمة مهما اشتدت؛ واختارته  مجلة «تايم» الأمريكية في  نهاية 1969  (رجل العام) وتكرر ذلك في سنوات لاحقة. .وشارك  في القمة العربية الخامسة  في الرباط في شهر ديسمبر/ كانون الأول 1969،  بعد أن تكرست مكانته في زعامة الفلسطينيين،ولأول مرة وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول  على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية الأخرى،ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة.

 

 

 

 

 

 

عاد إلى  أرض الوطن في الأول من يوليو / تموز 1994 لأول مرة بعد 27  سنة من الغياب القسري،  بزيارة «استهلالية» لغزة وأريحا قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن  يوم 12 / 7 / 1994 حين وصل إلى غزة ليبدأ من مقره في «المنتدى» معركة بناء السلطة الوطنية وإقامة مؤسساتها.. ورغم تعدد محاولات دولة الاحتلال الفاشلة لإغتياله، منذ العام 1965،  قررت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة في اجتماعها يوم  13 / 9 / 2003  «إزالة اسم عرفات» وأطلقت بعد ذلك جملة من التصريحات والتلميحات حول التخلص منه.. بقتله أو ابعاده أو سجنه وعزله.. وحتى تمت مؤامرة محاصرته داخل مقر اقامته بالمقاطعة، وظهرت أولى علامات التدهور الشديد على صحته  يوم الثلاثاء 12 اكتوبر/ تشرين الأول 2004 وأصيب بمرض في الجهاز الهضمي.  .. وتدهورت حالته الصحية تدهوراً سريعاً يوم الأربعاء 27 أكتوبر/ تشرين الأول. ووافق بنفسه على قرّار الأطباء بنقله إلى فرنسا للعلاج، وظل يصارع مرض موته إلى أن أسلم الروح لبارئها في الساعة الرابعة والنصف من  فجر الخميس الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.

 

 

 


 

ودع الرئيس الفرنسي جاك شيراك جثمان الشهيد يوم  11/ 11 / 2004   أمام المستشفى ثم ودعته فرنسا بمراسم رسمية مهيبة . وأقلت طائرة حكومية فرنسية جثمانه إلى القاهرة حيث أقيمت له في اليوم التالي، الجمعة، جنازة عسكرية مهيبة  بمشاركة وفود رسمية من 61 دولة وبحضور حشد من قادة الدول العربية والاسلامية والأجنبية.. ونقلت مروحية عسكرية مصرية جثمانه الطاهر في نفس اليوم الجمعة  12/ 11/ 2004  إلى رام الله حيث كان نحو ربع مليون مواطن في انتظاره في رحلته الأخيرة..ووضع جثمانه في ضريح خاص في المقاطعة، دفن فيه «مؤقتاً»، لأنه أوصى بدفنه في باحة الحرم القدسي الشريف، حيث سيتم نقل رفاته إليه بعد تحريره.. ليبقى رمزا فلسطينيا خالدا في تاريخ أمة.

 

 

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]