الأزمة الأوكرانية تضع إسرائيل في نفق مظلم

بين ليلة وضحاها، وجدت إسرائيل نفسها وسط صراع سياسي بين الحلف الأكبر، الولايات المتحدة، والقوة العظمى العائدة من جديد، روسيا، تدور أحداثه على الأراضي الأوكرانية، وتحاول جاهدة البحث عن التوازن في أزمة قد تكون الأعنف أمامها وأمام العالم منذ عقود طويلة.

فمع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وجدت القيادة السياسية في تل أبيب نفسها في حرج كبير، وبات عليها أن تعلن عن موقف سياسي واحد من هذا التحرك الذي سارع الغرب كله إلى التنديد به واستنكاره، ورغم محاولات التزام الصمت منذ بدء الأزمة، وطلب رئيس وزرائها عدم التعليق، لكن بعضهم لم يستمع إليه، وخرج وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، ليندد بهذا “العدوان”، قائلا إن “الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي”.

 

بهذا التصريح وضعت إسرائيل نفسها ضمن معسكر الدول الغربية في مواجهة الدب الروسي، الذي تجمعه معها العديد من المصالح السياسية والعسكرية، وهو الموقف الذي لم يرق للجانب الروسي، حيث كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية الجمعة الماضي عن استدعاء السفير الإسرائيلي لدى موسكو، ألكسندر بن تسفي، لتوضيح موقف بلاده من غزو أوكرانيا.

وقالت الصحيفة، إن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، سأل بن تسفي: “لماذا تعرب إسرائيل عن دعمها للنازيين في أوكرانيا؟”.

ووجدت القيادة السياسية الإسرائيلية نفسها من جديد أمام مخاوف من خسارة العلاقات مع روسيا، والتي باتت أهم من الماضي حاليا، خاصة في ظل تنامي التواجد الروسي في المنطقة.

وعقب هذا الموقف المعلن، أفادت صحيفة “هآرتس” بأن “موسكو وجهت رسالة إلى تل أبيب بتأكيد عدم اعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، بعد وقت قصير من نشر بيان دعم إسرائيل لأوكرانيا”.

وأصدرت بعدها بعثة روسيا في الأمم المتحدة تغريدة أعربت خلالها عن “خطط تل أبيب المعلنة لتوسيع النشاط الاستيطاني في منطقة الجولان المحتل”، مؤكدة أن تلك الخطط تتعارض مع أحكام اتفاقية جنيف لعام 1949، وأكدت: ” لا تعترف روسيا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تشكل جزءًا من الأراضي السورية”.

وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن طلب الولايات المتحدة من تل أبيب دعم إدانة روسيا في مجلس الأمن، وأنه يتعين على القيادة الإسرائيلية اتخاذ موقف حاسم بهذا الشأن.

ولكن بعد الرد الروسي، تراجعت إسرائيل خطوة للوراء وامتنعت عن دعم قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا رغم طلب واشنطن.

مخاوف أمنية

ولعل أكبر أسباب التخوف الإسرائيلي من فقدان العلاقات، أو توترها، مع موسكو هو الملف السوري، ناهيك عن الملف الإيراني، ولكن التواجد الروسي في سوريا فرض على تل أبيب التنسيق مع موسكو قبل شن أي من الهجمات التي دأب الجيش الإسرائيلي على تنفيذها خلال السنوات الماضية.

وأوضحت صحيفة “هآرتس” أن المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تعيش حالة من القلق تجاه إمكانية أن تقييد روسيا للنشاطات العسكرية التي تقوم بها تل أبيب في سوريا ودول المنطقة، وذلك من خلال إدخال أسلحة متطورة إلى دمشق لتوثيق العلاقات أكثر مع إيران في ظل العملية العسكرية ضد أوكرانيا.

وتقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنه من أجل أن تستعيد روسيا مكانتها، خاصة في ظل العقوبات الدولية، قد يقيّد الرئيس فلاديمير بوتين، إسرائيل من القيام بعمليات عسكرية في الشرق الأوسط، وخاصة سوريا، ما قد يجعل الأمر صعبًا عليه في إطار آلية التنسيق التي تم وضعها بين الضباط الإسرائيليين والروس.

 

كما أن هناك مخاوف من أن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى نقل أسلحة أكثر تقدمًا إلى سوريا ودول أخرى في المنطقة، والتي ستصل إلى “حزب الله” وربما “حماس”، خاصة أن بوتين سيحتاج إلى عائدات مالية من تلك الصفقات، وسيرغب في خلق توازن رعب ضد القوات العسكرية الغربية في المنطقة.

وبحسب “هآرتس”، فإن هناك مصدر قلق آخر، هو أنه في حال بدء حلف شمال الأطلسي “الناتو” بنشر قوات عسكرية في البحر الأبيض المتوسط، أو في دول المنطقة، فإن بوتين قد ينشر أنظمة تعطيل GPS متقدمة، ويستخدم الحرب والهجمات الإلكترونية من أجل جعل الأمر أكثر صعوبة عليهم، وهذا سيؤدي إلى تعطيل الأنظمة التكنولوجية العسكرية والمدنية في إسرائيل.

ويخشى الجيش الإسرائيلي، من أن تؤدي الإدانة السياسية للهجوم على أوكرانيا، لدفع بوتين إلى تغيير موقفه تجاه هجمات الجيش في سوريا، خاصة الجولان.

والتقدير الحالي في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، هو أن الأحداث الأخيرة قد تدفع روسيا وإيران إلى وضع يقتربان فيه سياسيًا وعسكريًا، وقد تدفع العقوبات المفروضة على روسيا، بشأن التجارة في مصادر الطاقة، بوتين إلى وضع إيران تحت جناحه.

من جهتها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن الاهتمام الإسرائيلي في الحرب بين روسيا وأوكرانيا يتركز على ما يحدث في سوريا، وكيف سيكون رد فعل الروس في حال مهاجمة أهداف إيرانية وشحنات أسلحة متهجهة إلى دمشق أو حزب الله.

واعتبرت الصحيفة أن الاختبار التالي يتمثل في استمرار نشاطات سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة حين يكون لدى روسيا خيار تعطيل النشاط بشكل كبير بالنظر إلى أن إسرائيل لن ترغب في إلحاق الضرر بأنظمتها، مشيرةً إلى أن موسكو ركبت في السنوات الأخيرة، أنظمة دفاع متطورة من طراز S-300 و S-400، والتي يعرف أنها تغطي مناطق واسعة حتى داخل إسرائيل، ولكن لم يتم تفعيلها حتى الآن ضد الطائرات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أنه بغض النظر عن الأحداث الأخيرة، تحتاج إسرائيل إلى روسيا في محاربة البرنامج النووي الإيراني، فالاتفاقية الجديدة التي تتم صياغتها تبدو أسوأ من سابقتها ويتوقع أن تحول إيران إلى دولة عتبة نووية، في ظل “العجز الأمريكي”، تؤكد الأحداث مرة أخرى حقيقة أن إسرائيل ستضطر إلى الاعتماد على نفسها فقط في حرب شاملة وتعزيز قدراتها المستقلة”- وفقا للرؤية الإسرائيلية.

أزمات سياسية

يجمع خبراء إسرائيليون، على صعوبة التنبؤ بالتوجه الروسي خلال المدى القريب، ويرون أنه بلادهم لن تستطيع أن تقف على الحياد إذا ما قررت الولايات المتحدة زيادة العقوبات المفروضة على موسكو، والتي قد تصل إلى إخراج الأخيرة من النظام المالي الدولي كلية، رغم الإقرار بصعوبة ذلك، ومطالبة حلفائها بقطع التعاملات المالية والاقتصادية معها.

فمن شأن هذا الانحياز الإسرائيلي الصريح، للموقف الأمريكي والغربي، أن يكلفها مخاطر أمنية وسياسية شديدة، سواء على جبهة المواجهة المفتوحة مع إيران في سوريا ولبنان، أو حتى على حدود إسرائيل الجنوبية مع قطاع غزة، لا سيما إذا ما اختارت موسكو أن ترد على إسرائيل في هذه الجبهات.

 

كما تخشى إسرائيل تكرار أزمة فقدان الثقة التي حدثت بينها وبين الإدارة الأمريكية خلال تولي الرئيس السابق باراك أوباما وفترة تولي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لذا لا تريد أن تسوء العلاقات مع واشنطن مرة أخرى، خاصة أن إسرائيل امتنعت عن التصويت على القرار الذي تبنته الولايات المتحدة لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وهو ما تسبب بالفعل في توتر في العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية.

كذلك تخشى إسرائيل الانتقادات من الجانب الأوروبي الحليف والداعم والشريك الاقتصادي الكبير لها.

الأزمة تجذب إسرائيل

وتجد إسرائيل من يجذبها نحو الأزمة الأوكرانية، إذ دعا السفير الأوكراني بتل أبيب لاستضافة وساطة بين موسكو وكييف بعيدا عن بيلاروسيا التي اعتبرها منحازة للجانب الروسي.

لكن تقارير إعلامية أفادت برفض بوتين وساطة إسرائيل في حل الأزمة الأوكرانية، وجاء في بيان للكرملين، الأحد: أن “رئيس وزراء إسرائيل عرض في محادثة مع بوتين وساطة إسرائيلية لتعليق الأعمال العدائية في أوكرانيا”.

كما كشفت وسائل إعلام عبرية النقاب، الأحد، عن طلب البرلمان الأوكراني من نظيره الإسرائيلي بالترويج لمبادرة عقد قمة روسية أوكرانية في تل أبيب.

وأفاد موقع “ساروجيم” الديني الإسرائيلي، أن مكتب الحاخامات الأوكراني أعلن أن الرئيس، فلاديمير زلانسكي، مع الحاخام الأكبر لأوكرانيا، يعقوب بليتش، طلباً منه دعوة جميع اليهود في بلاده للصلاة من أجل رفاهية شعب أوكرانيا وإنهاء الحرب في البلاد.

ويبدو أن هذا الأمر يضغط من ناحية أخرى على إسرائيل، التي يمثل اليهود الروس والأوكرانيون قرابة 15% من سكانها، لا سيما العديد من المتدينين وعدد من الطوائف الدينية البارزة على الساحة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية.

ربما هذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، للاتصال بالرئيس الأوكراني ليعرض عليه تقديم “كل مساعدة إنسانية ضرورية”، ولترسل إسرائيل بعدها بمساعدات إلى كييف.

كما أشارت “يديعوت آحرونوت”، الأحد، إلى أن بينيت أبلغ مجلس الوزراء الأمني المصغر (كابينت)، أن إسرائيل ستؤيد الموقف الأمريكي بإدانة روسيا في الأمم المتحدة.

أرقام اقتصادية

وأشارت صحيفة يديعوت آحرونوت في تقرير لها إلى أن إسرائيل تستورد حاليًا سلعًا وخدمات تجارية من روسيا بقيمة 2.415 مليار دولار سنوياً (2.2% من إجمالي الواردات العالمية)، والصادرات إلى روسيا تقدر بـ 958 مليون دولار فقط (0.8% من إجمالي الصادرات).

ومن المحتمل جدًا أن يؤدي فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا إلى إغلاق خطوط إنتاج إسرائيلية، خاصة من البلاستيك والمطاط، ما سيؤدي إلى فصل عدد من العمال، ولكنها نسبة قليلة نسبيا.

بينما يعتبر حجم التجارة مع أوكرانيا أقل بكثير، حيث بلغ 619 مليون دولار فقط في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، وبلغت الصادرات 131 مليون دولار فقط والواردات إلى 488 مليونا.

 

ومن المتوقع أن يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر أخرى، على غرار ارتفاع أسعار الوقود عالميا، إلا أن الأهم هو فقدان عدد كبير من السياحة الروسية والأوكرانية إليها.

بلبلة داخلية

وعقب التنديد الإسرائيلي بالغزو الروسي، غرد يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، بالروسية على تويتر بأن موقف لابيد لا يمثل معظم المواطنين الإسرائيليين.

وبعدها بساعات وخلال حفل تخريج دورة تدريبية للضباط فى صحراء النقب، أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية عن تعازيه لمعاناة الأوكرانيين، لكنه لم يذكر روسيا.

كما أن وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، قالت خلال جلسة الكابينت الأحد، إن “على إسرائيل التزام الصمت وعدم الحديث عن الحرب إطلاقا”.

وحتى الآن، ورغم محاولات إعادة اليهود الأوكرانيين إلى إسرائيل، فإن القيادة السياسة في تل أبيب لا تزال تجد نفسها في نفق مظلم لا ترى أي بصيص نور منه حتى الآن، ولا تعرف إلى متى سيطول هذا الظلام، ولحين وضوح الرؤية سيستمر التخبط السياسي والتخوف الأمني إلى أن تضع تلك العملية أوزارها وتحقق كل دولة مكاسبها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]