الأزمة الأوكرانية.. مخاوف أوروبية من وقف إمداد الغاز الروسي
رغم حث روسيا دول أوروبا على فصل الخلافات السياسية عن تجارة الطاقة، أقحمت هذه البلدان مشروعات الغاز الروسي ضمن عقوباتها على موسكو، بعد عملياتها العسكرية في أوكرانيا، فالحكومة الألمانية أعلنت تعليق التصديق على تشغيل “نورد ستريم 2” مع روسيا.. مع أن أوروبا تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 46% من احتياجاتها للغاز، عبر ثلاث شبكات لأنابيب نقل عملاقة.
ومازال الغاز الروسي يتدفق إلى أوروبا عبر “نورد ستريم 1″، والذي يأتي عبر بحر البلطيق من أكبر الحقول في سيبيريا إلى ألمانيا مباشرة، لينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز.
وبموازاته، أنشأ الخط الثاني “نورد ستريم 2” بطول 1230 كم، ليضخ الكمية نفسها من الغاز، لكنه ما زال ينتظر التشغيل.
أما الخط الثالث وهو الأقدم فهو “يامال- أوروبا” بطول 4107 كيلومترات، ويمر عبر بيلاروسيا وأوكرانيا وبولندا إلى ألمانيا،
وينقل ذلك الخط 33 مليار متر من الغاز سنويا، ويمثل نحو 15% من إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.
وبحسب الإحصاءات، فإن أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي هي مقدونيا بنسبة 100%، تليها فنلندا بنسبة 94% ، ثم بلغاريا 77 %، وسلوفاكيا بنسبة 70%.
أما ألمانيا فتعتمد على الغاز الروسي بنسبة 49 %، وإيطاليا بنسبة 46 %، تليها بولندا بنسبة 40 %، وفرنسا بنسبة 26 %.
وليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها مخاوف انقطاع الغاز عن أوروبا، فموسكو أوقفت ضخ الغاز في عامي 2006 و2009 بسبب خلافات حول بنود التعاقد، ليبقى السؤال، هل بإمكان أوروبا فعلا الاستغناء عن الغاز الروسي.
في هذا السياق، قال الباحث في العلاقات الدولية من موسكو، ستانيسلاف ميتراخوفيتش، إن مسألة وقف روسيا إمداد أوروبا بالطاقة هي مسألة غير واردة حاليا، وقد تحدث لاحقا إذا كان هناك تصعيد في أوكرانيا، ولكن في الوقت الحالي سيستمر تدفق الغاز عبر أوكرانيا.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي لا يريد أي أضرار اقتصادية أكثر لمواطنيه، مشيرا إلى أن العقوبات الأوروببة على روسيا هي سلاح ذو حدين، وما قام به الاتحاد الأوروبي هو معاقبة روسيا ولكنه يخلق مشاكل اقتصادية للتكتل، لذا فأوروبا لا تريد أي مواجهات اقتصادية إضافية.
ورأى أن روسيا تعتمد من جانبها على الغاز، وإذا توقف واردتها سيكون وضعها الاقتصادي أسوأ، خاصة بعد أن فقدت ثلث وارداتها الآن.
ورأى أن أوكرانيا رغم اندلاع حرب مع روسيا، فإن عليها أن تستمر في كونها كمعبر للغاز الروسي، قد يبدو الأمر متناقضا إلا أن تجارة الغاز مستمرة لعدة أعوام، وبعدها قد يحاول الاتحاد الأوروبي الابتعاد عن الاعتماد على الغاز الروسي، ولكن ليس الآن.
ولفت إلى أن الغاز الروسي لم يكن سلاحا في يد موسكو، وقد تستخدمه كأداة للردع ضد العقوبات لمنع أكبرها من الوقوع وهي الحظر التجاري على روسيا، مشيرًا إلى أن عدم فرض عقوبات أوروبية على الغاز الروسي يؤكد استمرار أوروبا في الاعتماد عليه.
وأشار إلى أن غالبية الشعب الروسي يؤيد التحركات العسكرية، معربا عن اعتقاده بأنه خلال أسبوعين ستظهر نتائج تلك الخطوة، وفي حالة استمرار هذه العملية لأكثر من شهر فسيكون هناك خطر كبير على بوتين وشعبيته، فبعد شهر لن يكون من الممكن تحمل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في موسكو، لذا على الرئيس الروسي أن يفعل شيئا خلال أسبوعين.
فيما قال الدبلوماسي السابق ومدير معهد المشرق الألماني من برلين، السفير اندرياس رينيك، إن الغاز الروسي أحد مصادر الطاقة في ألمانيا وليس الوحيد، حيث إن قرابة الـ 50% من مصادر الطاقة تأتي من الطاقة المتجددة والطاقة النووية والفحم.
وأكد أن العقوبات الغربية على روسيا ستضر أيضا أوروبا وقطاع الأعمال الألماني، مشيرا إلى أنه إذا قررت روسيا إيقاف الغاز الآن فستتم الاستعانة ببلدان أخرى لتوفير الغاز، من قطر والولايات المتحدة وغيرهما، وذلك على المدى القصير، أما على المدى الطويل فسيكون هناك اعتماد أكبر على الطاقة المتجددة في ألمانيا.
وأشار إلى أن برلين مستعدة لتحمل تبعات قطع الغاز من روسيا، على المدى القريب، مؤكداً أن “ألمانيا مستعدة الآن للاستغناء عن الغاز الروسي والحصول عليه من السوق الدولية، واستمرار الاعتماد على الطاقة النووية”، مضيفا” قد يكون الأمر غالي الثمن ولكنه ممكن”.
ولفت إلى أن “نورد ستريم 1” كاف لنقل الغاز لألمانيا، وإيقاف “نورد ستريم 2” يعني أنه لا يوجد تأثير حقيقي على واردات الغاز، ويتوقف مستقبل الأخير على العلاقات بين روسيا وجيرانها.
ومن جانب آخر، قال محلل أمن سياسات الطاقة من واشنطن، أوميد شكري، إنه يجب التشارك في تحمل أعباء الغاز في الوقت الحالي، ومن الممكن في الوقت القريب زيادة الواردات الأمريكية من الغاز لأوروبا ويمكن الاعتماد أيضا على الفحم رغم أنه ضد المبادرات الخاصة بالبيئة لكننا أمام أزمة في غطاء الطاقة لغزو روسيا لأوكرانيا وتعليق مشروع “نورد ستريم 2”.
وتابع أنه إذا ازداد الوضع سوءا فقد لا يستمر مشروع “نورد ستريم 2″، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي لديه قدرات اقتصادية وتكنولوجية ويصعب أن يستمر في معاناته طويلا أو أن يصمت على غزو روسيا لأوكرانيا.
وأوضح أن الولايات المتحدة ستكون المورد الأول للطاقة لأوروبا، وستساعد قطر في هذا الأمر، لافتا إلى أن واشنطن لديها خطة للاستثمار في البنية التحتية وستزيد من قدراتها لمساعدة الاتحاد الأوروبي والحلفاء حول العالم لتخطي أزمة الطاقة.
وعن تطورات الصراع في أوكرانيا، قالت الباحثة السياسية الأوكرانية، ماريا زولكينا، إن الحرب التي بدأت منذ أيام ستكون نهاية النظام السياسي الروسي الحالي، وحتى الآن لم تستطع القوات الروسية السيطرة على أي مدينة كبيرة في أوكرانيا أو تحقيق أي من الأهداف.
