التساؤلات التي تطرح نفسها داخل الدوائر السياسية في بغداد: هل انتهت أزمة العبادي مع الكتل السياسية «الشيعية»، وفي مواجهة غضب شعبي واحتقان اجتماعي تثيره مظاهر الفساد وتردي الأوضاع المعيشية تحت ضغط أزمات اقتصادية حادة؟ وهل ينهي إعلان التشكيل الحكومي الجديد، حالة التربص بمصير رئيس الحكومة؟ وهل ستسمح الأحزاب المتمرسة بالمال العام والطائفية لحكومة التكنوقراط، أن تمضي إلى ترسيخ وجودها في ممارسة مهامها؟ هل ستسمح بالخروج من المأزق، أم أنها مجرد بداية لفصول أخرى من الصراعات على السلطة والمال والمناصب؟
المصير المؤجل «للعبادي»
يبدو أن مستقبل العراق، ومصير رئيس الوزراء حيدر العبادي، أصبح رهنا لهذه التساؤلات، والاحتمالات القائمة في الأيام القليلة المقبلة، ولا تتجاوز عشرة أيام، وهي مهلة موافقة البرلمان العراقي على التشكيل الحكومي الجديد .. ويرى المحلل السياسي العراقي، محمد حميد الصواف، أن المصير الموعود للعبادي بات مؤجلا حتى يبدد كوابيسه التي تعصف بخطواته المنتظرة، منجزا ما ألزم به نفسه أمام العراق والمجتمع الدولي على حد سواء، لذا يرجح بعض المراقبين أن لا تمرر التشكيلة الوزارية خلال الأيام العشرة القادمة، بعد أن يتم الالتفاف على التشكيىل الحكومي المقترح ويعود الى أحضان العبادي مجددا، لعدة دواع وأسباب ومسببات وذرائع مهلهلة تهدد وحدة العراق وأمنه وسلامته، كما سيدعيه طبعا قادة مجلس النواب.
مواقف رافضة لحكومة التكنوقراط
وأوضح “الصواف” أنه في طليعة هذه الادعاءات تجلى موقف الكتل الكردستانية الرافض لتشكيلة حكومة التكنوقرط، بدعوى غياب الشراكة، فيما يتذبذب موقف اتحاد القوى السنية، وهو موقف ينسحب دون أدنى شك على مواقف الكثير من أطراف التحالف الوطني الذي ينتمي اليه العبادي ذاته، لتعود الكرة مرة أخرى وتكون مسؤولية الاصلاح ومواجهة المحتجين في عهدة العبادي، وفي هذه الحالة سيجد نفسه وحيدا محاصرا، قد تخلى عنه القريب قبل البعيد، غير قادر على درء نقمة الجماهير الثائرة وغضبها المستطير.
من استقوى بالسلطة لن يتنازل عنها
وأضاف في تحليله، لوكالة الأنباء الألمانية، أن الأوضاع خطيرة في العراق، لأن من استقوى بالسلطة منذ العام 2003 ، لن يكون في إمكانه أن يقبل بمساءلته، فكيف إذا كان المطلوب دفعه إلى الاعتراف بما جنته يداه من المال الحرام؟ فالكتل السياسية المتشبثة بمقدرات العراق من عام 2003، قد أوغلت نواجزها في جسد الاقتصاد العراقي، ولن تستسلم بسهولة، وسوف يستميتون في سبيل عدم التنازل عن امتيازاتهم ومكاسبهم التي عملوا على ترسيخها بكافة السبل المشروعة وغير مشروعة على مدى ثلاث عشرة سنة خلت، ومن الصعوبة بمكان التخلي عنها خلال عشرة أيام فقط طواعية أو قسرا.
مهلة 10 أيام
وأمام البرلمان العراقي مهلة عشرة أيام للمصادقة على حكومة العبادي الجديدة، وقد وجه الصدر أنصاره لمواصلة الاحتجاجات للضغط على البرلمان لمنح الثقة للتشكيلة الوزارية الجديدة.. وقال زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” في حال عدم تصويت البرلمان على التشكيلة الوزارية الجديدة سنقوم بـ” تجميد عمل كتلة الأحرار البرلمانية وسحب وزرائنا وتقديم استقالاتهم فورا وسنعمل على سحب الثقة من رئيس الوزراء”
سؤال يفجر الأزمة هذا منين؟
الأزمة العراقية، ترتبط بهذا السؤال، بحسب تعبير المحلل السياسي العراقي، طاهر علواني، هل ستقتنع الكتل السياسية وترضى بهذا الطاقم الوزاري رغم انقطاعها التام عن هؤلاء الوزراء وعدم انتمائهم لأيّ منها، وهو ما تستغربه الطبقة السياسية، ومن الصعب ان تستسيغه وهي التي ظلت تتفاخر بحصصها في الحكومة ونفوذها الواسع فيها؟ وقال “علواني” : إن مدة ما قبل التصويت ثم التصويت تحت قبة البرلمان على الطاقم الحكومي سيطيح بأيّ طاقم من المرشحين للمناصب الوزارية اذا ما طُبقت عليهم المسطرة الطائفية. فبمجرد سؤال أي من عتاة السياسيين الطائفيين من أصحاب الحل والعقد السؤال التقليدي المعروف “هذا منين؟” أي ما هو مذهبه، فأن سؤالا كهذا سيصيب شخص المرشح المستقل في مقتل ، إن السؤال عن “هذا منين” سيتبعه سؤال آخر مباشرة وهو كم عدد المرشحين من المذهب الفلاني، وكم في مقابلهم من المذهب العلاني ،وتلك طامة كبرى أخرى.
قلق «أحزاب النفوذ» على مصالحها
اذا افترضنا أن الكتل والأحزاب السياسية مررت التشكيلة الوزراية المقترحة وتقبلت على مضض خساراتها الفادحة وغير المسبوقة للوزارات التي كانت تدرّ عليها أموالا طائلة من الاختلاسات ونهب المال العام والمشاريع الوهمية والعمولات، بحسب تحليل “علواني” فكيف ستطمئن الى عدم “اجتثاث” وجودها كلّه من الوزارات من خلال شبكة انتزاع المناصب منها على مستوى وكلاء الوزارات والمدراء العامين والمستشارين وغيرهم؟ هنا ستشعر الكتل السياسية المتحكّمة بالمصير والمستقبل العراقي بمأزق كبير لم تكن تتوقع يوما أن تمرّ به بهذه الصورة، وأن ما سعت لتكريسه عرفا ثابتا وهو ترشيح أشد الوزراء وفاء للكتلة والحزب وبعيدا عن الانتماء الوطني ونظافة اليد، قد ذهب ادراج الرياح او يكاد ولهذا سيكون السؤال هل ستسمح هذه الاحزاب المتمرسة بالمال العام والطائفية لهذا السيناريو أن يمضي الى نهاياته وهي تتفرج من أجل عيون مريدي التكنوقراط؟
