تسعى القوات الكردية، الثلاثاء، إلى تضييق الخناق على عناصر تنظيم داعش المتحصنين داخل سجن في شمال شرق سوريا، بعد 5 أيام من شنّهم هجوماً مباغتاً تلته اشتباكات لم تبلغ خواتيمها بعد.
وشارك أكثر من مئة من مقاتلي التنظيم الموجودين داخل السجن وخارجه، في هجوم منسّق بدأ مساء الخميس على المرفق الذي يشرف عليه الأكراد في مدينة الحسكة، في عملية تعتبر “الأكبر والأعنف” منذ إعلان القضاء على التنظيم في سوريا قبل ثلاث سنوات. ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية، التي يعدّ الأكراد أبرز مكوناتها، تعمل على استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة.
وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، لوكالة فرانس برس، “تعمل القوات الكردية الثلاثاء على تضييق الخناق على عناصر التنظيم المتحصنين في القسم الشمالي من السجن، بموازاة عمليات تفتيش حذرة للأبنية” في الأقسام الأخرى.
وأفادت قوات سوريا الديمقراطية، في بيان، الثلاثاء، بأن 250 عنصراً جديداً من التنظيم استسلموا، بعد “عمليات مداهمة دقيقة” لبناء تحصنوا فيه داخل السجن، ما يرفع العدد الإجمالي للعناصر الذين سلموا أنفسهم الى 550.
ولم تتضح الوجهات التي يتم نقل هؤلاء إليها، وأفاد المرصد بأن عشرات الأطفال من “أشبال الخلافة”، ممن التحقوا سابقاً بالتنظيم والمحتجزين في السجن، كانوا في عداد من تم نقلهم في حافلات من السجن الإثنين.
وأوقعت الاشتباكات المستمرة منذ الخميس، وفق آخر حصيلة للمرصد، 114 قتيلاً من عناصر التنظيم و45 من القوات الكردية، إضافة الى سبعة مدنيين.
ويعدّ سجن الصناعة في حي غويران من بين أكبر مراكز الاعتقال التي تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا. وكان يضمّ قرابة 3500 مقاتل من التنظيم، بينهم نحو 700 فتى، غالبيتهم ممن تمّ القبض عليهم خلال آخر المعارك التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية ضد التنظيم قبل دحر “دولة الخلافة” عام 2019.
“تقدم بطيء”
وتتقدّم قوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الكردية (الأساييش) ببطء داخل السجن، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، خشية من وجود عناصر متوارية للتنظيم في بعض الأبنية ومن وقوع “حمام دم”.
وقال عبد الرحمن “تراهن قوات سوريا الديمقراطية على عامل الوقت للضغط على تنظيم داعش من أجل الاستسلام”. وأكّد أن “لا خيار آخر لدى التنظيم سوى القتال حتى النهاية أو الاستسلام”. وأضاف “ما لم يتم لتوصل الى اتفاق، يمكن أن تحدث مجزرة يقتل خلالها المئات”.
وتجري مفاوضات بين الجانب الكردي والتنظيم من أجل التوصل إلى اتفاق ينصّ على توفير الطبابة لجرحى التنظيم، مقابل إفراج الأخير عن رهائن يحتجزهم من حراس السجن وموظفيه، وفق عبد الرحمن.
وبحسب المرصد، يلقى التفاوض موافقة العناصر السوريين من التنظيم، بينما يعارضه العناصر الأجانب.
وبحسب المرصد، يحتفظ عناصر التنظيم المتطرف بقرابة 27 رهينة داخل السجن، فيما لا يزال مصير أربعين آخرين مجهولاً، ولم تنشر القوات الكردية أي معلومات بهذا الصدد.
ودفعت الاشتباكات المستمرة منذ الخميس نحو 45 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم في مدينة الحسكة، وفق الأمم المتحدة، فيما فرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول ليلاً حتى نهاية الشهر الحالي بهدف “منع الخلايا الإرهابية من أي تسلل خارجي”.
وأبدت الامم المتحدة ومنظمات دولية قلقها خصوصاً إزاء مصير الأطفال القصّر المحتجزين في السجن.
وأعلنت منظمة “سايف ذي تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) عن تلقيها تسجيلاً صوتياً من مراهق أسترالي اصطحبه والداه الى سوريا عندما كان في الحادية عشرة من عمره.
ويطلب الفتى في التسجيل، الذي لم يتسن لفرانس برس التحقق من صحته، المساعدة قائلا “ما من طبيب هنا لمساعدتي” بعدما يشرح عن إصابته بجروح في رأسه ويده خلال الاشتباكات. وأضاف “أنا خائف للغاية وثمة الكثير من القتلى أمامي”.
“جرس إنذار”
ويشارك التحالف الدولي في دعم قوات سوريا الديمقراطية عبر شن غارات محددة ونشر قوات.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، الإثنين أن القوات الأمريكية شاركت في القتال عبر “سلسلة غارات لضمان دقة استهداف مقاتلي” التنظيم الذين يهاجمون قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة.
وأوضح أن القوات الأمريكية قدمت دعماً “محدوداً” على الأرض للمساعدة في “إنشاء مناطق آمنة شملت تمركز عربات برادلي المدرعة والمقاتلة على طرق تؤدي إلى السجن”.
ومنذ إعلان خسارة التنظيم كل مناطق سيطرته في سوريا في مارس 2019، يشنّ الجهاديون بين وقت وآخر هجمات ضد أهداف حكومية وكردية في منطقة البادية الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق، التي انكفأوا إليها.
ويرى خبراء في الهجوم الأخير على السجن مرحلة جديدة في عودة ظهور التنظيم.
وقال مركز صوفان في إيجاز الثلاثاء إن ما جرى “هو أحدث تذكير على أن قوات سوريا الديموقراطية تفتقر إلى العديد والموارد اللازمة لتعمل كحارسة للسجون على المدى المنظور”.
وأضاف “يجب أن يكون الهجوم بمثابة جرس إنذار للدول من أجل استعادة مواطنيها”.
ومنذ إعلان القضاء على التنظيم، تطالب الإدارة الذاتية ذات الإمكانات المحدودة، الدول المعنية باستعادة مواطنيها المحتجزين في سجون ومخيمات أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين في سوريا، لكن مناشداتها لا تلقى آذاناً صاغية، واكتفت فرنسا وبضع دول أوروبية باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى.