في أعقاب الأزمة الأخيرة بين روسيا واللجنة الأولمبية الدولية بشأن فضيحة المنشطات التي طالت عدد كبير من لاعبي ألعاب القوى الروسيين، وقرار استبعادهم من المشاركة في أولمبياد ريودي جانيرو المقبلة في البرازيل، ومن قبلها كانت محاولات استبعاد الرياضيين الروس بشكل كامل من المشاركة في الأولمبياد، ظهرت على السطح بعض الأصوات التي تتحدث عن كون الصراع اتخذ منحى سياسيا بعيدا عن المنافسات الرياضية وأزمة المنشطان، حيث أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية فى 24 يوليو /تموز الجاري، إلغاء عقوبة الحرمان الشامل لبعثة روسيا الأولمبية إلى أولمبياد ريو دى جانيرو المزمع انطلاقه فى 5 أغسطس/آب المقبل، مؤكدة أنها قررت ترك الحرية لكل اتحاد رياضي دولي على حدة للبت في مشاركة الرياضيين في الأولمبياد من عدمها.
وتلى ذلك القرار موجة من الانتقادات الواسعة على الجانب السياسي والرياضي، ما يثير الشكوك حول مدى ارتباط الأزمة بالمجال الرياضي فقط وفصلها عن الأحداث السياسية والصراعات الدولية الجارية بين موسكو ودول إقليمية وغربية.
الإعلام السياسي
انطلقت حملة إعلامية سياسية ضد تشويه الرياضة الروسية والرياضيين الروس والتشكيك فى انتصارات روسيا الرياضية، بل والهجوم أيضا على سياسات روسيا وتوجهات الكرملين، وحشر اسم بوتين فى تلك الحملة، والزعم بأن المخابرات الروسية أيضا متورطة.
وانهال عدد كبير من وسائل الإعلام الغربية على اللجنة الأولمبية الدولية وعلى رئيسها، بالانتقاد اللاذع بسبب قرار السماح للمنتخب الروسي بالمشاركة فى أولمبياد ريو دى جانيرو 2016 في أغسطس/آب المقبل، بل ووصل الأمر ببعضها إلى استخدام التعابير البذيئة والتشبيهات غير اللائقة، فعلى سبيل المثال وصفت رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ بأنه «كلب بوتين» واتهمت اللجنة بأنها «باعت نفسها».
وقالت صحيفة USA Today، إن اللجنة الأولمبية الدولية، وخلالها اصطدامها باحتيال منهجي واضح، بدت هزيلة ومثيرة للشفقة ولم تتمكن من تطبيق المبادئ الأولمبية على أرض الواقع، وأفسحت الفرصة للمنتخب الروسي بالاشتراك في الأوليمبياد بعد 12 يوما.
فيما خرجت «ديلى بيست» لتقول، «لقد حدث ما كنا نخشاه.. سيتمكن المحتالون من الفوز بمساعدة المنشطات ولم تعد اللجنة الأولمبية الدولية تصلح لدور الحارس لأعظم الفعاليات على الأرض».
أما Yahoo فاعتبر ما جرى مهزلة، وقالت كريستين برينيان المعلقة فى CNN إن اللجنة الأولمبية الدولية «انبطحت أمام بوتين»، وأشارت مراسلة القناة كلير سبستيان إلى أن روسيا تنفست الصعداء على الرغم من الصعوبات الجمة التي ستواجه الرياضيين الروس لاحقا.
وترى الصحيفة الإسبانية ABC.es، أن اللجنة الأولمبية الدولية لم تتجرأ على منع كل المنتخب الروسي من المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو، وهو ما سيؤثر حتما على قرارات الاتحادات الرياضية الدولية، وعلى الأغلب لن تعارض أغلبيتها مشاركة الرياضيين الروس فى الألعاب الأولمبية.
وقالت صحيفة El Pais لقد حل الرضا حاليا في روسيا بدلا من الاحتجاج والاستنكار، الذي كان سائدا قبل قرار اللجنة الأولمبية.
وصبت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية العار على رأس توماس باخ ووصفته بـ «الأهتم»، ووصفت أعضاء اللجنة التنفيذية للجنة الدولية بـ«المتخاذلين»، كما وصفت السماح للرياضيين الروس بالمشاركة بأنه بمثابة المأساة بالنسبة للرياضيين الشرفاء.
ورأت «ديلي ميرور»، أن قرار اللجنة الأولمبية الدولية ليس إلا راية الاستسلام البيضاء أمام المحتالين، واعتبرت «فايننشال تايمز» أن القرار بمثابة انتصار للكرملين وضربة خطيرة ضد منظمة مكافحة المنشطات العالمية.
وكتب سفير بريطاني سابق لدى روسيا، في »ديلي تلجراف»، إن «روسيا دولة فاسدة تستحق أن يبعد منتخبها بالكامل».
ووصفت مجلة «بيلد» الألمانية توماس باخ بأنه «كلب بوتين، ويهتم بصداقته مع الزعيم الروسي أكثر من اهتمامه بالرياضة النقية الشريفة».
وترى صحيفة Süddeutsche Zeitung قرار اللجنة الأولمبية الدولية يبدو وكأن بوتين شخصيا قام بإملائه على اللجنة.
ووصفت صحيفة Blick السويسرية يوم الأحد الماضي القرار بأنه يوم أسود وحالك في تاريخ الرياضة، وأن باخ قام بهذا التصرف الحقير لكي ينقذ صداقته الشخصية مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وتعتقد صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، أن بوتين قام بعدة اتصالات هاتفية ضرورية لكى لا يستبعد المنتخب الروسى بالكامل.
أما الصحيفة السويدية Espressen فترى أن كل فضيحة المنشطات انتهت بانتصار فلاديمير بوتين.
أما بوتين نفسه فقد اعتبر أن الوضع حول منع الرياضيين الروس من المشاركة ف المسابقات الدولية، خرج عن الأطر القانونية، وبدأ يتعارض مع العقل السليم.
وأكد خلال لقاء عقده الثلاثاء 27 يوليو /تموز مع ما يقرب من 150 رياضيا روسيا، بينهم أعضاء المنتخب الأولمبي الروسي والرياضيون الذين لم يسمح لهم بالتوجه إلى أولمبياد ريو دي جانيرو، أن الوضع غير العادل الحالي ليس إلا محاولة لنقل القواعد المسيطرة على السياسة العالمية إلى مجال الرياضة.
وأعرب بوتين عن قناعته بأن استبعاد العديد من الرياضيين الروس من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في ريو دى جانيرو، يهدد بزعزعة الثقة في مبادئ المساواة الرياضية والعدالة والاحترام المتبادل.
ردود أفعال المؤسسات الرياضية على قرار الأولمبية:
أدى قرار اللجنة الأولمبية الدولية، باستبعاد جميع الرياضيين الروس، الذين تعرضوا لعقوبات في الماضي لتورطهم في تعاطي المنشطات، من أولمبياد ريو دي جانيرو، إلى انتقادات واسعة النطاق، حيث وصف كليمنس بروكوب، رئيس الاتحاد الألماني لألعاب القوى، قرار اللجنة الأولمبية الدولية بأنه غير قانوني، بسبب القرار السابق لمحكمة التحكيم الرياضي وطالب باستبعاد كافة الرياضيين الروس من المشاركة في أولمبياد ريودي جانيرو.
وأعرب ألكسندر زوكوف، رئيس اللجنة الأولمبية الروسية عن عدم رضاه بشأن هذا القرار، لكن أكد أن بلاده لن تستأنف ضد قرار اللجنة الأولمبية الدولية؛ بسبب عامل الوقت، إذ يتبقى 11 يومًا فقط على انطلاق حفل افتتاح أولمبياد ريو دي جانيرو، في الخامس من أغسطس/آب المقبل.
فيما أعربت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات «وادا» عن شعورها بـ«الإحباط» لقرار اللجنة الأوليمبية الدولية برفض مطالب لاستبعاد جميع الرياضيين الروس من المشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية، المقرر إقامتها مطلع الشهر المقبل بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
وعلى جانب آخر فقد رفض الاتحاد الدولي لألعاب القوى طلبًا تقدم به وزير الرياضة الروسي فيتالي موتكو بالسماح للرياضيين الروس النزهاء بالمشاركة في أولمبياد «ريو دي جانيرو 2016».
وبعث موتكو رسالة إلى رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى البريطاني سيباستيان كو في 25 يوليو/تموز يطلب فيها إعادة النظر في قرار حرمان الرياضيين الروس من المشاركة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
ويعتبر موتكو قرار الاتحاد الدولي غير صائب بسبب فرض حظر على مشاركة جميع الرياضيين الروس في منافسات ألعاب القوى في الأولمبياد المقبلة، حيث ستحرم روسيا من مشاركة أبرز عدائيها، ومن بينهم إيلينا إيسنباييفا البطلة الاولمبية مرتين وبطلة العالم أربع مرات في مسابقة القفز بالزانة، وماريا كوتشينا بطلة العالم فى الوثب العالى مرتين، وسيرجي شوبنكوف بطل العالم عام 2015 في مسابقة 110 أمتار حواجز.
وسمح الاتحاد الدولي بمشاركة رياضية روسية واحدة من أصل 68 آخرين تواجدت أسماؤهم في اللائحة التي أعلنت عنها اللجنة الأولمبية الروسية للمشاركة في الأولمبياد المقبلة، ويتعلق الأمر بداريا كليشينا التي ستشارك في منافسات القفز الطويل.
وباستعراض كافة تلك التصريحات ومواقف بعض الصحف الغربية والشخصيات السياسية بل والاتحادات الرياضية، فإن الأمر يثير التساؤل حول حقيقة الأزمة الأخيرة التي نشبت بين الأولمبية الدولية وموسكو، وهل هي أزمة منشطات أم صراع سياسي بغطاء رياضي؟.
