أعرب سياسيون أردنيون عن خشيتهم من المتاجرة بقضية الكاتب ناهض حتر، المتهم بالإساءة للذات الإلهية، من زاوية مذهبية وطائفية، بعد أن دخل “الإخوان” على خط الأزمة، والتلويح بـ “ديانة ” الكاتب المسيحية ، وإهانة المعتقد الديني، بينما ربط المراقبون بين الهجوم الإخواني على ناهض حتر، وبين مواقفه السياسية والفكرية المعلنة، ككاتب يساري معاد للتيارات الإسلامية بأنواعها وتوجهاتها.
وقال السياسي الأردني البارز، محمد داودية، الوزير والنائب السابق، في تصريحات خاصة للغد : نحن في دولة القانون التي ستحاسب ناهض حتر على الكاريكاتير البشع الذي أعاد نشره، الأمر الذي يستوجب أن لا تتم بعد هذا، أية محاكمات شعبية غيابية، في كثير منها تهديد بالقتل وشتائم وانتهاكات، واساءات لفظية مشينة تتعدى لتطال مسيحيي الأردن، أهلنا واخواننا في السراء والضراء.. وأضاف: أعرف الصديق ناهض حتر منذ أواخر الثمانينات، ولم أعرف أنه إقليمي أو أنه أو أي فرد من أسرته ملحد، أو أنه معاد للدين أو أنه لا ديني.
وأوضح “داودية” أن الكاريكاتير الذي أعاد” ناهض” نشره، حمل استهزاء بالذات الإلهية، وقد اتصلت به هاتفيا وطلبت منه أن يحذفه، فقال أنه قام بذلك، وطلبت منه أن يكتب ما يبين مقاصده، التي لا أشك لحظة، أنها كما قال، لا يقصد الاستهزاء الذي نسب اليه.. ومن المؤكد أنه لا يوجد كاتب فيه ذرة عقل يقدم على نشر رسم يقصد أن يسيء به الى الذات الإلهية، لأن رد الفعل العنيف على ذلك، معروف ومؤكد وسريع من المسلمين ومن المسيحيين الذين تمسهم جميعا اية إساءة الى الله عز و جل.
ومع ردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت الشارع الأردني، وهواجس أن تطل فتنة طائفية برأسها ،انسحب المحامي فيصل البطاينة، من الدفاع عن موكله الكاتب ناهض حتر، فيما سجل نحو 50 مواطنا، معظمهم من المحامين، بلاغا لدى المدعي العام بشأن الرسم الكاريكاتوري، مطالبين بتوقيع أقصى عقوبة على “حتر”.
كان المدعي العام أوقف، صباح أمس، الكاتب الأردني ناهض حتر ، مدة أسبوع على ذمة التحقيق بقضية نشره رسماً كاريكاتورياً اعتبر “مسيئاً للذات الإلهية” على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وذلك في إطار تهمتي “إثارة النعرات المذهبية والطائفية، وإهانة الشعور الديني”.. وتصل عقوبة كل من التهمتين المسندتين لحتر إلى السجن ثلاثة أعوام بحدها الأعلى في حالة الإدانة.. وشدد القاضي “أبو الغنم”، على أن النيابة العامة “ستقوم بملاحقة كل من يقوم بخرق قرار حظر النشر بنشر أخبار أو معلومات في واقعة النشر سواءً عبر المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى من وسائل النشر، وذلك لاستكمال إجراءات التحقيق وحفاظاً على سريته”.
المخاوف داخل الشارع الأردني، من الترويج لأكاذيب وإدعاءات، من شأنها اشعال فتنة طائفية في المملكة التي لم تعرف على مدى تاريخها، أية نزعات طائفية أو مذهبية، بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين .. ويؤكد المحلل السياسي محمد سليمان، للغد، أن الأردن يعد استثناءا في الوطن العربي، من حيث التلاحم والإخوة بين المسلمين والمسيحيين، بل ان هذه التصنيفات المذهبية لا تكاد تذكر على ألسنة المواطنين..
مضيفا: المجتمع الأردني في تعاملاته واحتكاكاته لا يعرف من هو المسيحي ومن هو المسلم، هذه حقيقة يعرفها الجميع، ولكن نحن نخشى من المتغيرات التي برزت مؤخرا مع موجة التيارات الإسلامية المتشددة، وخاصة من التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين، وكل منهم يسعى للصيد في الماء العكر، ولو على حساب الوطن ووحدته الوطنية، كما حدث من الناطق باسم جماعة الإخوان “غير المرخصة وغير الشرعية حاليا” ،معاذ الخوالدة، والذي أصدر بيانا ، يقول فيه، إن نشر الرسم الكاريكاتيري يعتبر استفزازا لكل أردني، وإثارة للنعرات، وفتح باب للفتنة، داعيا السلطات الرسمية إلى اتخاذ أقصى عقوبات بحق كل من يتطاول على المعتقدات والدين.
ومع تحذير الدوائر السياسية من “فتنة تطل برأسها” فإن الرأي الغالب داخل الشارع الأردني، أن جماعة الإخوان تعمل على استغلال رسم كاريكاتيري للعودة إلى الواجهة عبر محاولة كسب ودّ عامة الشعب الأردني بطريقة بائسة، وفي ظل أجواء الإستعدادات للانتخابات البرلمانية المقبلة، ويحلمون بحصد أكبرنسبة من مقاعد البرلمان، فهم يبحثون عن أداة تخدم مشروعهم، وما يهمهم هو توظيف الدين لخدمة أغراضهم.
ومن جانبه، شدد رجل الدين المسيحي، الأب نبيل حداد، مدير المركز الأردني لبحوث التعايش الديني، في بيان أصدره أمس، على ” أنّه في هذا الوطن ديانتان (إسلامنا ومسيحيتنا)، حيث عشنا معاً أربعة عشر قرناً، ولن نقبل بأن تطل فتنة خبيثة برأسها، أيّاً كان لونها أو شكلها أو دافعها أو صاحبها، لتدنيس هذا الأنموذج الذي اؤتمنا عليه.. وفيما نستنكر كلّ مساس بالمشاعر الدينيّة ، فليس جديداً علينا أن نقول ان المسلمين هم أخوتنا. ونحن وإياهم نعبد الواحد الأحد الحيّ القيّوم .وفي هذا الوطن الذي مَرَّ الرسل الأطهار على ترابه وفي سمائه ، وسنبقى رافضين كل تطاول أو تجاوز”.
وقال الأب حداد : يجب أن تتوقف، وأن تُوقَف كلّ الأقلام والألسن المسمومة والنوايا الشريرة والأجندات المشبوهة التي تُدنّس صورة الإيمان ولوحة وِحدتنا الوطنية، وإتخاذ الخطوات الكفيلة بسن تشريع يمنع كل إساءة للأديان وتدنيس للمقدّسات، ويعاقب كلّ تجاوز أو إساءة لها..
وأضاف: كلّ سلوك مُشين لا يمثّل إلا أصحابه، فالسماء ورسالاتها تحُضَنا على احترام الآخر، واحترام الاختلاف والتنوع. والمسيحية أمرت أتباعها بأن “أحبب قريبك كنفسك” دون محدّدات لعرق أو دين. وكلّ تعصّب ذميم وتطرّف سقيم يلغي في الإنسان إنسانيّته
