«الإرهاب يحاصر فلسطين».. 74 عاما على مذبحة شيطانية هزت ضمير العالم

قد يكون من الخطأ تصور التاريخ على أنه مؤامرة، ولكن ليس من الخطأ القول إن للمؤامرة دور في تحريك أحداث التاريخ.. وكانت المؤامرة أوضح ـ وربما أوقح ـ في  فلسطين، بتدبير مخطط «تطهير الأرض من أصحابها»، وكما عبر عنه «يسرائيل فرنجفيل» ـ أديب يهودي إنجليزي ـ وعرف بكتابه «أطفال الجيتو» ـ والذي قام بزيارة فلسطين عام 1897 وعاد ليعلن : «إن أرض إسرائيل أضيق من أن تستوعب شعبين»، ثم وجه كلماته لتجمع يهودي في نيويورك عام 1904 قائلا : «علينا أن نكون على استعداد لطردهم من الأرض بقوة السيف»!!.

  • وتسجل ذاكرة فلسطين، أن الإرهاب الدموي – كان وما يزال – نموذجاً وأسلوب حياة لدولة الاحتلال.. وان مذبحة دير ياسين تمثل  نمـوذجاً مكرراً لمذابح (أريحا) التي ورد وصفها في التوراة: «وقتلوا كلَّ ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف»..وتبقى مجزرة دير ياسين «جريمة شيطانية» على طريق التصفية العرقية وتدمير شواهد الجغرافية الفلسطينية من المدن والقرى الفلسطينية.

جرائم ومذابح وحشية

وتبقى التفاصيل الأكثر وضوحا، والأكثر دموية، في تلك الشهادة الموثقة والحافلة بالأسماء والأرقام والوقائع والتي قدمها المؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي «إيلان بابيه» في كتابه عن التطهير العرقي  (تطهير العرق الفلسطيني) ـ الإصدار الأول عام 2008 ـ وهو ينتمي إلى جماعة «التاريخ الجديد»، أو المؤرخين الجدد.. ويقول المؤلف في مقدمة كتابه، أن مراجعات هذه الجماعة، نجحت في فضح زيف الإدعاء الإسرائيلي بأن الفلسطينيين تركوا بلادهم بمحض إرادتهم، وقد استطاع هؤلاء المؤرخون تأكيد وقوع عدة عمليات طرد جماعي للسكان من القرى والمدن، وفضح ارتكاب القوات اليهودية لعدد كبير من الجرائم والمذابح الوحشية .

«الخطة داليت»

ويسجل البروفيسور «إيلان بابه» في كتابه عن التطهير العرقي، أن مجموعة من أحد عشر رجلا، من القادة  وضباطا من العسكريين الشبان، عقدوا إجتماعا مساء الأربعاء 10 مارس/ آذار 1948 في تل أبيب، وفي هذا الاجتماع تم وضع اللمسات النهائية على خطة التطهير العرقي في فلسطين، وفي نفس ذلك المساء صدرت الأوامر العسكرية إلى الوحدات في الميدان للاستعداد للقيام بعمليات ترحيل منهجية ومنتظمة للفلسطينيين من مناطق واسعة من البلاد، وقد تضمنت تلك الأوامر وصفا مفصلا للأساليب التي يجب استخدامها لإجلاء السكان الفلسطينيين بالقوة ، ومن بين هذه الأساليب : بث الرعب والإرهاب على نطاق واسع، وفرض الحصار على القرى ومراكز التجمع السكاني ثم قصفها، وإشعال الحرائق في البيوت والممتلكات والبضائع، والطرد، وعمليات النسف، وأخيرا زرع الألغام بين الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة، وقد وزعت على كل وحدة عسكرية، قائمة بالقرى والضواحي المستهدفة في الخطة الأصلية التي أطلق عليها إسم  «الخطة دي» وقد سميت بالعبرية  «الخطة داليت»، وهي في الأصل الخطة التي وضعتها عصابة الهاجاناه.

غزو وتدمير المناطق الريفية

وقد سبقتها 3 خطط أوضحت بشكل غامض كيف كان التقكير في وسيلة التعامل مع وجود العدد الكبير من الفلسطينيين الذين يعيشون على الأرض التي تطمع الحركة القومية اليهودية في تملكها.. أما الخطة الرابعة والأخيرة فقد تحدثت بوضوح ودون غموض عن المصير الفلسطيني، إذ قضت بصراحة أن «على الفلسطينيين أن يرحلوا».

ويستشهد المؤرخ الإسرائيلي بكلمات واحد من المؤرخين اليهود، كان أول من أدرك معنى تلك الخطة، وهو «سيمخا فلابان» الذي قال :  إن الحملة العسكرية ضد العرب، والتي تتضمن غزو وتدمير المناطق الريفية، وضعت ضمن الخطة داليت على يد الهاجاناه، وأن هدف تلك الخطة كان في الحقيقة، تدمير المناطق الريفية والحضرية في فلسطين.

  • ويضيف  المؤرخ الإسرائيلي «إيلان بابيه»: إن تطهير الأرض كان على الدوام خيارا قائما بدءا من تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، حتى القادة الرئيسيين للمشروع اليهودي في فلسطين، الأمر الذي يشرحه واحد من مفكري الحركة في عام 1917 وهو«ليو موتسكين» إذ يقول : إن همنا هو أن استيطاننا لفلسطين يجب أن يسير في اتجاهين: الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل، وإعادة توطين عرب إسرائيل في مناطق خارج الدولة .

الإرهاب يحاصر القرية الفلسطينية

والشاهد.. أنه قبل أن ينتهي مشهد النكبة الكبرى، في صيف العام 1948، تهيأت قوة من العصابتين الإرهابيتين (إرغون) و(شتيرن)، لاحتلال قرية دير ياسين، فجر يوم 9 إبريل / نيسان، بعملية عسكرية متفرعة من عملية ناحشون، وهي عملية «أحدوت» و تعني الوحدة.

ويروي «مناحيم بيغن» ـ قائد عصابة إرغون وقتئذ، ورئيس الحكومة الإسرائيلية في بعد ـ في  حديثه عن المذبحة، أن العرب دافعوا عن بيوتهم و نسائهم و أطفالهم بقوة فكان القتال يبدو من منزل إلى منزل، و كلما احتل اليهود بيتا فجروه على من فيه باستخدام مادة (T.N.T)  شديدة الانفجار و التي أحضروها لهذا الغرض. و بعد تقدم بطيء في الظلام، و قبيل ساعات الصباح الأولى بدأ احتلال القرية بكاملها و تدميرها على من فيها.. و كانت الأوامر تقضي بتدمير كل بيت.

  • واستمر تفجير المنازل الآمنة و إطلاق الرصاص حتى قبل ظهر 10/4/1948 بعد أن تم احتلال القرية بكاملها. ثم جاءت وحدة من الهاغاناه بقيادة ينشورين شيف ، فحفرت قبراً جماعياً دفنت فيه 250 جثة عربية أكثرهم من النساء و الشيوخ والأطفال.

تصوير المشهد الشيطاني

صورة المشهد الدموي، كشف عنها بأسلوب «درامي شيطاني» قائد وحدة الهاغاناه، شيف، قائلا  بوقاحة إرهابي متمرس: «كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع و كانت أشجار اللوز قد اكتمل تفتح زهرها، و لكن كانت تأتي من كل ناحية من القرية رائحة الموت الكريهة و رائحة الدمار التي انتشرت في الشوارع و رائحة الجثث المتفسخة التي كنا ندفنها جماعياً في القبر».

  • ويروي جاك دي رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي في فلسطين عام 1948 أنه قام بنفسه بزيارة دير ياسين و فحص القبر الجماعي وشاهد أكوام القتلى من العرب، وقد تعرض لصعوبات جمة و عقبات كثيرة من عصابة الهاغاناه،  وكانت العصابة ترتدي ملابس الميدان وتعتمر الخودات، وكان جميع أفرادها شباباً ومراهقين، ذكوراً وإناثاً، مدججين بالسلاح، بالمسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية. وكان القسم الأكبرمنهم لا يزال ملطخاً بالدماء وخناجرهم الكبيرة في أيديهم. و عرضت فتاة جميلة تطفح عيناها بالجريمة يديها وهما تقطران دماً، وكانت تحركهما وكأنهما ميدالية حرب

شهادات دموية موثقة

من بين الشهادات الموثقة، ما جاء على لسان «بن تسون كوهن»، من عصابة «إيتسيل»، قال فيها:  لو كان هناك 3 أو 4 مذابح على غرار ما حصل في دير ياسين، لما تبقى عربي واحد في البلاد !! ويروي «يائير تسبان»، أحد أعضاء عصابة «جدناع» السابقين، إنه «تم إرساله مع رفاقه لدفن جثث قتلى المجزرة على عجل، كانت هناك خشية من أن يصل الصليب الأحمر في أي لحظة.. كان ينبغي طمس الآثار لأن نشر الصور والشهادات عما يحصل في القرية كان من شأنه أن يضر جداً بصورة حربنا التحريرية..رأيت عددا كبيرا من الجثث.. لا أذكر أني رأيت جثة رجل مقاتل.

أتذكر أساسا نساء وشيوخا»، موضحا إنه رأى «شيخا وامرأة يجلسان في زاوية الغرفة ووجههما على الحائط وإصابتهما من الخلف» !! ووصف أحد مرتكبي المذبحةالمشهد العالم في القرية .. قائلا «لم نكن هناك بقفازات من حرير، بل دخلنا منزلا إثر منزل، نلقي مادة متفجرة والسكان يهربون، تفجير يتلوه آخر، وفي غضون بضع ساعات لم يعد نصف القرية موجودا»،

  • وقدم وصفا قاسيا عن حرق جثث القتلى بعد احتلال القرية، حيث أخذ الجنود الإسرائيليون القتلى الفلسطينيين، وجعلوهم في كومة واحدة، ثم أحرقوهم وبدت الرائحة الكريهة !! ويروي ضابط استخبارات كان في الهاغانا وقت المجزرة، يدعى شرغا بيلد، إنه تم إرساله إلى دير ياسين لتوثيق ما حصل، قائلا: «عندما وصلت إلى القرية، كان أول شيء صادفته شجرة كبيرة محترقة علق عليها شاب عربي، ربطوه وأحرقوه مع الشجرة. لقد صورت هذا، ووثقت صورا لعشرات القتلى الآخرين الذين تم تجميعهم في محجر قرب القرية!!»

مذبحة مدينة حيفا

كان الهدف من المذابح الإرهابية الشيطانية،  أن يدب الذعر والهلع في نفوس الفلسطينيين.. وفي منتصف الليل من يوم 22 إبريل/ نيسان 1948 ـ بعد 12 يوما فقط من مذبحة دير ياسين ـ هاجم المستوطنون الإسرائيليون مدينة حيفا، وقتلوا العشرات من أهلها، وهرب الباقون عن طريق مرفأ المدينة، فتبعهم اليهود وأطلقوا عليهم النيران، وكانت حصيلة المذبحة أكثر من 150 شهيدا و40 جريحا.

مذبحة قرية «أبو شوشة»

وفي الساعات الأولى من صباح يوم 14  مايو/ آيار 1948 بدأت مذبحة قرية «أبو شوشة » القريبة من قرية دير ياسين، راح ضحيتها 50 شهيدا من النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وضربت رؤوس العديد منهم بالبلطات، وكان العمل جاريا وبكل الوسائل لدفع أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين إلى الهرب من مدنهم وقراهم وبيوتهم ومزارعهم، حتى أن  رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، «إسحاق رابين» ـ وكان وقتئذ برتبة  «ماجور» ـ قام وحده كما روى في مذكراته، بطرد ما بين خمسين إلى ستين ألف رجل وامرأة وطفل من  أصحاب الأرص الفلسطينيين، من منطقة القطاع الأوسط ما بين  «اللد» و«الرملة» وحولهما!

مذبحة  قرية «صلحة»

وكانت مذبحة  «صلحة» أيضا مجرد مثال.. وتقع بلدة  «صلحة» على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وهي إحدى القرى السبع التي إحتلتها إسرائيل عام 1948، وفي ذلك العام وقعت مصادمات بين أهالي البلدة والقوات الإسرائيلية التي أرادت إرغامهم على الهجرة، وحاصر الإسرائيليون البلدة، وأمروا الأهالي بالتجمع في المسجد والوقوف بشكل تواجه فيه وجوههم جداره، ثم أطلقوا النار عليهم مما أدى إلى سقوط 105 شهداء وتشريد من تبقى من سكان البلدة !!

مذبحة قرية  «بيت داراس»

وقبل أن ينتصف يوم 21 مايو/ آيار 1948 حاصر الإسرائيليون قرية  «بيت داراس» شمال شرق مدينة غزة، ودعوا المواطنين الفلسطينيين إلى مغادرة القرية من الجانب الجنوبي، وسرعان ما حصدت نيران الإسرائيليين سكان القرية العزّل وبينهم نساء وأطفال وشيوخ، بينما كانوا يغادرون القرية وفق تعليمات قوة الحصار، ونسفوا منازل القرية وأحرقوا حقولها.

  • وهكذا دأبت دولة الاحتلال على «إبادة كل ذاكرة للقرى والمدن  الفلسطينية» في معركة شرسة على الذاكرة الفلسطينية.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]