فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي جرت الجمعة في المغرب، بنسبة مشاركة متواضعة بلغت 43 % ، متصدرا النتائج النهائية المعلنة السبت، بحصوله على 125 مقعدا من أصل 395، ما يمكنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، بعد أن أحتل خصمه الرئيسي، حزب الأصالة والمعاصرة، المركز الثاني بحصوله على 102 مقعدا، وبحسب هذا الدستور الجديد، يختار الملك رئيس الحكومة من الحزب الفائر بالانتخابات ويكلفه بتشكيل التحالف الحكومي.
النتائج كانت خارج توقعات الدوائر السياسية والحزبية في الرباط، خاصة بعد أن كشفت عن تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان من الأحزاب الكبرى التي قادت الانتقال الديموقراطي في المغرب بين الملك الحسن الثاني وابنه الملك محمد السادس، وانحدر إلى المرتبة السابعة بـ14 مقعدا، تبعه حزب التقدم والاشتراكية بسبعة مقاعد، والحركة الديموقراطية الاجتماعية بثلاثة مقاعد، ثم فدرالية اليسار الديموقراطي بمقعدين، وباقي الأحزاب حصلت على مقعدين.
لماذا جدد المعغاربة الثقة بالحزب الإسلامي ؟
وإذا كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة وأمين عام الحزب الإسلامي، وصف النتائج بأنها مكسبا “عظيما” للديمقراطية، فإن الدوائر السياسية بدورها، طرحت تساؤلات حول أسباب قوز “العدالة والتنمية” الإسلامي؟ ولماذا جدد المغاربة الثقة بالحزب الإسلامي ؟ رغم شكوك حزب العدالة والتنمية حول محاباة مؤسسات الدولة لأبرز منافسيه وهو “حزب الأصالة والمعاصرة” الذي يعمل مؤسسه حاليا مستشارا في الديوان الملكي، حيث تعيش الأحزاب السياسية التي تنافس حزب التنمية أزمات مختلفة تجعلها غير جاهزة تماما لمواجهة بعضهم.
كانت التوقعات أن الأوضاع السياسية في مصر وتونس أثّرت على وجود حزب العدالة والتنمية ؛ حيث عرفت هذه النسخة تعديلات جوهرية أفقدت الحزب ملف الخارجية ، إلا أن ملخص رؤية الحزب المغربي لتدبير هذه المرحلة يشير إلى أن النجاح الذي تم تحقيقه في هذه الفترة يتلخص في “بقاء الإسلاميين على رأس تدبير الشأن العام” وفشل القوى المناوئة لهم في إزاحتهم.
التحالف مع المؤسسة الملكية
ويرجع ” اثبات وجود الإسلاميين” في صورة “حزب العدالة والتنمية” على الساحة السياسية في المغرب، وفقا لتحليل خبراء سياسيون وحزبيون، إلى رؤية الحزب بأن بناء تحالف مع المؤسسة الملكيةـ له أهمية بالغة لإنجاح تجربة هذا الفصيل من الإسلام السياسي في السلطة؛ حيث تختلف المعطيات الخاصة بالإسلاميين في المغرب مقارنة بتجارب نظرائهم في دول أخرى ” مصر وتونس” ومن ثم الابتعاد بها عن الفشل، خصوصًا في ظل سياق عام يعرف تراجعً كبيرً للإسلاميين في عدد من الدول.
كما تبدو العلاقة بين العدالة والحاكم في وضعها الحالي نتاج تفاعلات حراك شعبي شهده المغرب ضمن سياق الثورات العربية، أكثر من كونها انعكاسًا لقناعة سياسية راسخة للمؤسسة الملكية تجاه الحزب، حيث أنه قد أحسن قراءة واستخدام المعطيات التي نتجت عن حركة 20 فبراير/ شباط في إعادة صياغة علاقته بالسلطة.
المغاربة لم يختاروا التصويت العقابي
وفي تقييمه لنتائج الانتخابات، قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري المغربي، دكتور حسن طارق، إن نسبة المشاركة في الانتخابات، التي وصلت إلى 43 في المائة، هي نسبة طبيعية، بسبب عزوف المغاربة لسنوات عن السياسة، كما أن المغاربة لم يختاروا التصويت العقابي، والدليل عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب الذي كان يقود الحكومة السابقة، فضلا عن أن حزب العدالة والتنمية، استفاد من خطاب المظلومية، خاصة عندما هاجمته أحزاب تشوبها خروقات، ومن الواضح أن الحملات كانت تفتقد الى البرامج الانتخابي، وكانت تقتصر فقط على الحديث عن القضاء على التحكم وأسلحة الدولة.
وأضاف ، ان حزبين فقط، هيمنا على المشهد السياسي، ويظهر ذلك في نتائج الانتخابات، وعدد المقاعد التي حصل عليها كل من حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، ما أثر على حزب مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية.
الفصل بين السياسي والخطاب الديني
ويشير مراقبون في الرباط، إلى أن حزب العدالة والتنمية بالمغرب، والذي يعد أقدم حركة أسلامية، سعى منذ البداية للفصل بين السياسية والخطاب الديني وذلك ما ساعد على انتشارهم وكما أنهم اشتغلوا على الشارع وهذا ما ساعدهم على تحقيق قاعدة جماهيرية كبيرة بالمغرب العربي ، وكما أنهم بعدوا عن السياسة حيث كانت هناك حركة 20 فبراير ضد الملك محمد السادس لم يشاركوا فيها ، واختلف “إسلاميو المغرب” عن الأسلامين بالمجتمعات العربية، حيث ابتعدوا عن السياسية والثورات، وهذا ما دعم مكانتهم، فكان تيارهم أقرب إلى جماعة خدمية أكثر من السياسية، والحزب يضم نخبة ثقافية وأكاديمية وفى الآونة الأخيرة أستطاع أن يقدم نجاحات وهذا ما ساعدهم على استثمار مكانتهم على الساحة
العلاقة مع القصر ورجال الأعمال
ويرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري المغربي، دكتور محمد جبرون، أن قبول الإسلاميين للاندماج في المشهد السياسي المغربي، أمر أَضحى متجاوزا، ليظل السؤال حول مدى عملهم على بناء الحداثة والديمقراطية، من موقع تدبيره للحكومة، مع ضرورة، عمل حزب “العدالة والتنمية”، على كسب المزيد من الثقة، مع القصر، ورجال المال والأعمال.
وانتقد “جبرون”، أداء احزاب المعارضة، مؤكدا أن مشكل المغرب سياسيا، هو غياب معارضة عقلانية حقيقة ذات مصداقية، لأن حزب العدالة والتنمية لم يخلق ليظل في السلطة، كما أن المعارضة، فوتت على المغرب فرصة أن تكون للمغرب معارضة أكثر نضجا، وعقلانية، إذ تظل تسير على بعض المشاغبات على الهامش، والابتذال فضلا عن إغلاق مقراتها الفرعية في المدن، بخلاف جزب العدالة والتنمية الذي يتفوق في هذا الجانب، بمسافات.
الحداثة الايجابية
وتأسس حزب العدالة والتنمية سنة 1997 وذلك بعد انشقاق داخل الحركة الشعبية قاده زعيم الحزب آنذاك ورئيس البرلمان المغربي الدكتور عبد الكريم الخطيب يوم امتنع عن موافقة ملك البلاد لإعلانه حالة الاستثناء وهو الأمر الذي لم يرق للقصر فقام بالتضييق على “الخطيب” وبالتالي حصول الانشقاق وبعدها سيعرف الحزب مسارا مسدودا بحيث مورست حوله مجموعة من العراقيل دفعته للانسحاب من الساحة السياسية.
ويُعرِّف حزب العدالة والتنمية المغربي نفسه بأنه: «حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل. مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية». ويعد حزب العدالة والتنمية من الأحزاب الأكثر انفتاحا على الحداثة «الإيجابية»،
صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة