الإعلانات في مصر.. لـ«الإرهاب» وجوه أخرى

الطبقية شيء معتاد في الأعمال الفنية، سواء الأفلام والمسلسلات وغيرهما، كالمسرح والروايات، وفي الغالب سترى النقيضين، المليارديرات ساكني القصور، والفقراء ساكني المقابر.

لكن طبقية الإعلانات في مصر لم تعد قاصرة على تلك التي تخاطب الأغنياء والأخرى الخاصة بالفقراء، بل أصبحت «مستفزة» إلى درجة بعيدة، بسبب استهزائها من الطبقات العاملة والأقل تعليما وأصحاب المستويات المعيشية المتوسطة والأقل دخلا.

ومن أبرز الإعلانات الطبقية التي تسخر  من المصريين، وتلقى رواجا واسع النطاق عبر مختلف القنوات الفضائية، إعلانات “لايف بارك” للوحدات السكنية، وإعلانات “بيريل” المشروب الغازي.

https://www.youtube.com/watch?v=MmAUrHOQvIA

لا احترام للمجتمع

سلمى، مصرية غاضبة جدا من إعلانات المنتجعات والمدن السكنية، حيث أصبحت تسوق لـ«الطبقية والعزلة»، وترى أن تلك الإعلانات لا تحترم بقية المجتمع، «المستفز أكثر أنها تتطور من كون الشخص يدفع ملايين ويسكن في فيلا أو قصر، إلى اختيار من يستحق أن يسكن في مكان هادئ بعيدا عن الزحام والتحرش، ومن لا يستحق السكن»، مؤكدة «الطبيعي أن يسكن الجميع في مكان هادئ، يحتوي على كل الخدمات، إنما أن تبيع لي حقا من المفروض أنه مكفول لي من الدولة، وكمان يتم الاختيار على مزاج صاحب الكمباوند، فهذا قمة الاستفزاز».

https://www.youtube.com/watch?v=EZQkzyNUG0s

إعلانات المدن الفاضلة

أما أميرة، فتقول: «إعلانات المدن الفاضلة، هكذا أسميها، كلها أحلام بالنسبة لي، بعيدة عن الواقع، تشعرني بالطبقية، فلا يوجد أمر وسط، وأشعر بالاستفزاز، خاصة عندما يتبعها إعلان للتبرعات، كم من التناقض المجتعمي، كل طموحي في الدينا حياة مستوره، والقصر الجميل في الجنة، إن شاء الله».

إرهاب محتمل

«لم تراعِ مشاعر الطبقات غير القادرة، وهي موجهة في الأساس إلى طبقة تريد الانسلاخ من النسيج الاجتماعي بصنع مجتمع خاص بها»، الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، تقول إن «تلك الإعلانات الطبقية تجعل البعض يقارن بين وضعه وبين ما يراه في الإعلان، فيتجه إلى الهجرة غير الشرعية بهدف تحسين وضعه المالي والاجتماعي، وهذا إلى حد ما قد تكون محاولة إيجابية، ولكن هناك محاولات سلبية، فقد يحدث نوع من الهروب، مثل الاتجاه للعنف والإرهاب، أو الاتجاه إلى الإدمان كنوع من الانسحاب، لأنه يشعر بالعجز في طموحاته ورغباته».

وترى الفايد، أن تلك الإعلانات تتغاضي عن الأخلاق بسبب الهدف التجاري، وكذلك تحض وتروج للعنف والسلوكيات السلبية، لأن «الهدف التجاري عماهم عن الأخلاق وأدبيات التعامل، ومن السهل أن يقلد الطفل ما يراه في الإعلان، وكذلك الأم الجاهلة».

استغلال بيولوجي

الدكتور محمد المرسي، أستاذ بقسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، يقول إن من موصفات الإعلان الجيد أن يكون محدد الهدف، ويخاطب الفئة المستهدفة بشكل مناسب، يراعي أخلاقيات الإعلان، وحاصلا على التصريحات المطلوبة، وجاذبا للانتباه، مصاغا بشكل جيد، وأنه من حق أي شخص ينتج سلعة الإعلان عنها.

ويشير المرسي إلى أننا “نعاني من ظروف اقتصادية صعبة جدا، وأن الطبقة المتوسطة تتآكل، وأن إعلانات المنتجعات والمدن السكنية والكمباوندات مستفزة جدا، فالمواطن المصري يحارب من أجل الحياة، وأولئك يعلنون عن فيلا بـ3 حمامات سباحة. والمفارقة في نظر المرسي أن تلك الإعلانات الطبقية تأتي بعد إعلانات التبرع للمستشفيات والمنظمات الخيرية، وفي نظره تؤدي إلى إحباط المواطنين، خاصة أن أكثر من 95% من الجمهور غير مستهدف، وبالتالي نسبة الاستفزاز تكون عالية، ما يشعر المواطن العادي بعدم الانتماء، ويصبح من السهل استقطابه لأي عمل، مثل الاختلاس والسرقة أو العنف والإرهاب، وكلها إعلانات تستفز الناس، وتستغل حاجتهم البيولوجية، وأحلامهم وطموحاتهم، وتستنزف طاقاتهم وأموالهم.

ولفت أستاذ الإعلام إلى أن الإعلانات تأخذ أكبر من حجمها، ولا تراعي الأخلاق، وتؤثر بالسلب على النشء، وصورة المجتمع، مؤكدا أن البعد عن الأخلاق لا يصنع إعلانا جيدا، ويذكرنا بإعلانات حسن عابدين عن شويبس، أول ممثل يظهر في إعلان، وأنها غاية في البساطة ولاقت إعجاب الناس.

صنيعة الدولة

محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنين ضد الغلاء، يرى أن مصر بها حاليا 6 طبقات اجتماعية، طبقة فقيرة، طبقة فوق خط الفقر، طبقة تحت المتوسطة، طبقة متوسطة، وطبقة فوق متوسطة، بالإضافة إلى الطبقة الغنية، وأن السبب في ذلك هو الانهيارات الاقتصادية. الإعلانات المستفزة في نظر العسقلاني صنيعة الدولة المصرية، التي باعت الأراضي للمستثمرين بأغلى الأسعار، دون توجيههم بالبناء للطبقة المتوسطة.

هذه هي الحياة

على الجانب الآخر يقف الناقد السينمائي طارق الشناوي، حيث يرى أن الطبقية موجودة في الحياة عموما، على سبيل المثال السيارات، فهناك من يركب أحدث موديل من المرسيدس والـBMW، ومن يركب «فيات 128»، ومؤخرا تم الإعلان عن أن 8 أثرياء فقط يملكون نصف ما تملكه البشرية، هذه هي الحياة ويجب أن نتعود عليها.

وعن الحديث عن أن جمهور القنوات الفضائية ليس الجمهور المستهدف من إعلانات المنتجعات والمدن السكنية والكمباوندات، يقول الشناوي إن رأس المال ليس غبيا، وكذلك ليس في «خناقة» مع الفقراء من أجل استفزازهم، ويجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال، فمن الطبيعي وجود ناس أغنياء جدا وآخرون فقراء جدا.

الشناوي أضاف أن الفروق الطبقية موجودة في الأفلام والمسلسلات والبرامج، فهل معنى ذلك أن نمنع تلك الأفلام والمسلسلات؟ وأشار إلى أنه توجد «مفارقة» ولكن لا توجد «مفاجأة»، مثل إعلانات التبرعات والمرضى، والدنيا قائمة على المفارقة.

استغلال المرأة

وعن استغلال المرأة والطفل في الإعلانات، تشير أستاذ علم النفس إلى أن «المرأة تستخدم كأنها سلعة، وفي رأيي هذا نوع من القهر مقابل المادة، غياب الوعي والتخلف الثقافي يجعل بعض الفئات الطامحة للثراء تبيع نفسها كأنها سلعة، وتستغل في الترويج للسلعة والانجذاب لها»، لكنها تؤكد أن «الإعلانات في الأول والأخير هدفها تجاري، وهي تستثمر المرأة والأطفال كجمهور من أجل الترويج، حيث يمثل الأطفال 40% من المجتمع، والمرأة نصف المجتمع، وهذا جمهور واسع يتسم بالعاطفية، فديمغرافيا النسبة عالية، وسيكولوجيا جمهور يتسم بالعاطفية والانفعالية وعدم العقلانية، ومن السهل انسياقه وراء الإعلانات، ومن السهل التأثير عليه أسرع وأعمق.

أما المرسي، فيقول إن المرأة في الإعلانات ما هي إلا جسد، ووجه جميل، ودلالات جنسية، وبالتالي هذا استغلال سيء جدا، وتساءل على سبيل المثال: ما علاقة المرأة بإعلانات الشوكولاتة، مؤكدا أنه لا توجد إعلانات تهتم بمشاكل المرأة وقضاياها.

ما الحل؟

وعلى سبيل الحل، ترى الفايد أنه لا بد أن «يمتلك متخذو القرار وعيا بخطورة ترويج الطبقية، وكذلك ترشيد الإعلانات حتى لا تأخذ مساحات واسعة وبشكل متكرر، حتى لا تمثل ضغطا طوال الوقت على من يشعر بالعجز، لكننا نعاني من عشوائية متخذ القرار، سواء في السياسات أو الإعلام»، وترى أن «الحل في تقليل مساحة الإعلان وعدم التكرار، وفي النهاية الإعلان سيستفز الفئة غير المستهدفة، وكذلك مراعاة الصور والرفاهية العالية، والاكتفاء بالكتابة قدر الاستطاعة».

أما المرسي، فيؤكد أن الإعلانات لا بد أن تخضع للرقابة، خاصة للإعلانات الصحية، وأن تبتعد أن استغلال المرأة جسديا، كذلك عدم استغلال الأطفال، بالإضافة إلى عدم الإساءة للمنتجات الأخرى، وأن يكون هناك ميثاق شرف إعلاني تلتزم به الشركات المعلنة والقنوات، مشيرا إلى أن المجلس الوطني للإعلام سيكون له دور إيجابي في الحد من هذا الفوضى الإعلانية، فمن غير المنطقي أن تتخطى مساحة الإعلان مساحة العمل الإعلامي أو الفني نفسه، فمثلا مسلسل مدته 45 دقيقة يجب ألا تتخطى الإعلانات فيه 10 دقائق.

بينما شدد العسقلاني على أنه “إذا لم تتحرك الدولة لإقالة الطبقة المتوسطة من عثراتها، فنحن ذاهبون بسرعة الصاروخ نحو ثورة الجياع، لأن الطبقة المتوسطة تمثل رافعة للطبقات الأخرى”.

الأغاني في الإعلانات

وبما إن الإعلانات كثيرا ما تستخدم أغاني المشاهير بصورة ساخرة، توجهنا بالسؤال إلى الشناوي، فالكرة في ملعبه، وهو بدوره أكد أنه “لا خوف على الأغاني من استخدامها في الإعلانات،  فمثلا فيلم “شنبو في المصيدة” استخدم في مقدمته الغنائية غنوة وطنية لعبد الحليم حافظ وموسيقى كمال الطويل تتغنى بجمال عبد الناصر، فالاستخدام لم يهن الوطن أو الفن أو الأغنية الوطنية، وشيء موجود في العالم كله، فلا مانع من استخدام شيء رصين وتقديم الوجه الساخر منه، سواء الضاحك أو العبثي.

الشناوي أكد كذلك أن استخدام الأغاني في الإعلانات يكون بتصريح من جمعية المؤلفين والملحنين، ولو تم استغلالها دون تصريح فسيدفع القائمون على الإعلان تعويضات كثيرة، ويرى أن الإعلان كذلك يجدد الأغنية في أذهان الناس، وأن محمد عبد الوهاب كان يرحب بمن يغني أعماله، لافتا إلى أن إعلان الليلة الكبيرة لفودافون رمضان الماضي حصل على موافقة ورثة صلاح جاهين وسيد مكاوي، أصحاب الأغنية الأصلية.

فوضى إعلانية

سوق الإعلانات في مصر يعاني من فوضى على جميع الأنحاء، فليست الطبقية هي المعضلة الوحيدة، فالكثير من القنوات، خاصة التي يطلقون عليها «قنوات بير السلم» تعج بالكثير من الإعلانات، التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا دواء لإطالة القضيب، وذلك لتأخير القذف، وذاك لتكبير حجم الثدي، وهناك ما هو لتخسيس البطن وشد الأرداف وإزالة التجاعيد، وما أدراك عن أدوات التجميل، والأخطر أنها في الغالب أدوية مغشوشة ولا تحوز أي تصريحات أو موافقات من وزارة الصحة، والأمر ذلك النجم الذي يقدم الإعلانات طمعا في حفنة من المال، بالإضافة إلى إعلانات الطعام والمشروبات، فمثلا إعلانات مشروب بيريل مليئة بالطبقية والاستهزاء من المصريين.

النصب في الإعلانات لم يتوقف على ما سبق ذكره، فهناك كارثة أخرى، تسمى «المسابقات»، وبالأمس القريب، وقف رئيس حماية المستهلك، اللواء عاطف يعقوب، أمام لجنة الثقافة والإعلام والآثار بالبرلمان المصري، بعد طلب إحاطة عن المسابقات الوهمية،  وحذر يعقوب المواطنين من الاتصال بالأرقام التليفونية الخاصة بتلك المسابقات، التى وصفها بـ”غير القانونية”، مؤكدا أن جهات تستخدم تلك المسابقات لاختراق قاعدة بيانات الشعب المصرى لتنفيذ جرائم إرهابية، ولفت إلى أن الجهاز استقبل عددا من الشكاوى من مواطنين لم يتمكنوا من الحصول على مستحقاتهم بعد الفوز ببرنامج “من سيربح المليون”، وقال إنه طالب وزير الاتصالات بوقف عمل تلك الأرقام، وأنه “لا يوجد ظهير قانوني لتلك المسابقات، حتى التي تنظمها وزارة التضامن وتشرف عليها”، فيما وجهت إحدى النائبات اللوم لرئيس الجهاز، لعدم السيطرة على المسابقات المضللة، التى تُبث عبر الفضائيات، قائلة، “دا معناه إن لو بثوا لينا أفلام جنسية من الخارج مش هنقدر نمنعها”.

%27 من المصريين فقراء

ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء -في آخر تقاريره يوليو 2016- فإن 27.8% من سكان مصر فقراء، ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وأن 10.8% (أكثر من 11.8 مليون مواطن) في أدنى فئة إنفاق في مصر، حيث يبلغ معدل إنفاق الفرد سنويا أقل من 4 آلاف جنيه، (أي أقل من 333 جنيها شهريا)، وأن 14.7% من إجمالى الأفراد في مصر في أغنى فئة وينفقون أكثر من 12 ألف جنيه سنويا.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]