بعد أكثر من 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، باتت عودة دمشق إلى محيطها العربي قريبة، بعدما قادت دولة الامارات جهودا نشطة لطي صفحة المقاطعة الإقليمية والدولية لسوريا.
نشاط دبلوماسي
ففي ديسمبر من عام 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها بدمشق بعد إغلاقها لسبع سنوات، على خلفية قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا.
وفي 27 من مارس 2020، أجرى ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اتصالا هاتفيا بالرئيس السوري، بشار الأسد، أكد خلاله على دعم الشعب السوري في مواجهة كورونا.
وفي أغسطس 2020 قامت الإمارات بتسيير أولى شحنات المساعدات الطبية لسوريا، لتنطلق بعدها قوافل أخرى، بلغ حجمها نحو مائة طن من المساعدات حتى أبريل الماضي.
وفي مارس 2021، دعا وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، إلى ضرورة عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية.
وفي 10 من أكتوبر الماضي أعلنت الإمارات وسوريا التوصل إلى اتفاق على خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي، وفي العشرين من الشهر نفسه، جرى اتصال هاتفي بين الرئيس السوري وولي عهد أبوظبي، بحثا خلاله تعزيز العلاقات بين البلدين.
وفي التاسع من نوفمبر الماضي، كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وهي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات تقريبا .
وخلال نوفمبر أيضا، طالبت أبو ظبي برفع “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية، بالإضافة إلى التوافق على إنشاء الإمارات محطة كهروضوئية بريف دمشق.
أما يوم 18 من مارس الحالي ، فشهد زيارة الرئيس السوري للإمارات ليتأكد الدور الذي تلعبه دولة الإمارات لكسر جدار العزلة السورية و لعودتها إلى مكانها الطبيعي عربيا ودوليا.
الأمن القومي العربي
في هذا السياق، قال الباحث السياسي والاستراتيجي من دبي، الدكتور محمد مسعود الأحبابي، إن دولة الإمارات دائما ما تستشعر المسؤولية تجاه الدول الصديقة والشقيقة، خاصة المسائل المتعلقة بالأمن القومي العربي، مؤكداً أن الإمارات لم تترك الشعب السوري منذ بداية الأزمة في 2011، ودعمته من خلال المساعدات الإنسانية.
وتابع الأحبابي، خلال برنامج “مدار الغد”، أن الإمارات تقوم بجهود مكوكية لإعادة سوريا إلى الصف العربي بالتنسيق مع الدول الشقيقة، وعلى رأسهم مصر والسعودية والجزائر، لرأب الصدع وإعادتها للحاضنة العربية.
وتابع أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات تسعى دائما إلى الاستقرار والسلم في المنطقة، كما تحاول دائما الحفاظ على وحدة الصف العربي.
وأكد أنه آن الآوان لإعادة سوريا للصف العربي.
زيارة تاريخية
وأشار الكاتب الصحفي السوري، أسامة دنورة، إلى أن الزيارة التي قام بها الرئيس السوري للإمارات كانت لها أصداء مرحبة، خاصة في سوريا، إذ سرت الطمأنينة في نفوس السوريين، تفاؤلا بأن تكون عودة سوريا للوسط العربي عبر بوابة الإمارات.
وتابع أن “الاستنكار الأمريكي لهذه الزيارة يأتي لإدراك واشنطن أنه كلما كان هناك تشابك وترابط عربي فسيقلص هذا من مساحة النفوذ الخارجي والدولي على الساحة العربية”. مؤكداً وجود مقاربة قوية وحكيمة لدى القيادة الإماراتية.
ولفت إلى أن تلك الزيارة خلفت شعوراً بكسر أحد الممنوعات والثوابت التي كانت مفروضة على سوريا بمحاولة عزلها، ما يؤكد حرص الإمارات على أن تكون الدول العربية جميعا داخل إطار من التعاون وتعزيز الأمن القومي العربي المشترك.
وأشار دنورة إلى أن هناك دولا تعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
تحرك مدروس
من جانب آخر، قال أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة، دكتور طارق فهمي، إن التحرك الإماراتي كان مدروسا ومخططا له ولم يكن وليد اللحظة، كما كان هناك تحرك أردني في هذا الإطار، واصفا الزيارة التي قام بها الأسد إلى الإمارات بأنها بمثابة “نقلة نوعية”.
وأشار إلى أنه لكي تعود سوريا لشغل موقعها في الجامعة الدول العربية يجب أن يصدر قرار مؤسسة القمة العربية، وهناك جهود عربية متراكمة قادتها دولة الإمارات ومصر والأردن لإعادة دمشق إلى موقعها.
ورأى أن القضية ليست في العودة إلى الجامعة العربية ولكن عودة سوريا لممارسة دورها في النظام الإقليمي العربي، متابعا أن سوريا الآن تعود تدريجيا إلى هذا النظام بدعم كبير من الإمارات ومصر والأردن.
ولفت إلى أن هناك بعض التحفظات من دول بالجامعة العربية على العودة السورية، كما أن تأجيل موعد انعقاد القمة العربية يثير العديد من التساؤلات.
القمة العربية
وأوضح أستاذ العلوم السياسية جامعة الجزائر، الدكتور زهير بوعمامة، أن القمة العربية القادمة ستعقد في موعدها في الجزائر، أول نوفمبر المقبل بالتزامن مع الاحتفال بذكرى الثورة الجزائرية.
وأكد أن الجزائر تريد استضافة قمة ناجحة، ورغم أن القمة المرتقبة عادية في دورتها، إلا أنها تبدو استثنائية في السياقات التي تحيط بها، مؤكداً أن الجزائر كانت من الدول التي كانت على تواصل دائم مع سوريا ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية بدمشق، وعارضة في 2011 قرار تجميد عضوية سوريا بجامعة الدول العربية، كما أن وزير الخارجية الجزائري الأسبق زار دمشق في 2016 والتقى الرئيس السوري.
وشدد بوعمامة على أن الجزائري تريد تهئية الأجواء وتوفير الظروف الملائمة لكي تكون القمة القادمة جامعة وناجحة.
