مر “الاتحاد الوطني الكردستاني”، وهو ثاني أكبرِ فصيل سياسي في إقليم كردستان العراق، بتجربة غيرِ معتادة، هددته بالانقسام أو بداية الانهيار.
التأسيس
تأسس الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975، بالتزامن مع انهيار ما تسمى الثورة الكردية واستسلام الأكراد للحكومة العراقية، نتيجة تخلي شاه إيران محمد رضا بهلوي عنهم.
وبشأن هيكلة الحزب الداخلية، يعد المؤتمر أعلى سلطةٍ في الاتحاد الوطني الكردستاني، ويتولى المؤتمر انتخابَ السكرتير العام، وهو المسؤول عن تنفيذ سياسات الحزب، وظلت هذه الصيغة هي المعمول بها، حتى وفاة جلال الطالَبَاني أمينِ الحزب وأحدِ مؤسسيه في عام 2017.
وفي عام 2020، اعتمد الحزب صيغةً مشتركة يقود فيها بافِل طالباني، نجل الزعيم الراحل جلال طالباني، ولاهور شيخ جنكي ابن عمه، بوصف كل منهما أمينا عاما مشتركا.
خلافات
وظهرت الشهر الماضي، الخلافات الكامنة على السطح، بعد أن قرر بافل طالباني تعيين شخصيةٍ مُقربة منه لرئاسة “جهاز زانياري” الأمني، الذي يُعتبر بمثابة المركز الاستخباراتي الأكثرَ قوة.
هذا القرار يعني عزل محمد طالباني من قيادة الجهاز، المحسوب على لاهور شيخ جنكي الأمين العام الشريك.
وبعد أن بدا أن لاهور قد قَبِل بالقرار كأمر واقع، عاد مطلع الأسبوعِ الجاري ليعلن رفضه للقرار، معلنا بأنه يواجه بثبات هذه المؤامرة حتى أنفاسِه الأخيرة.
هذه الأحداث والتطورات المتسارعة، دفعت بالرئيس العراقي، برهم صالح، الذي يشغل منصباً قيادياً في الاتحاد الوطني الكردستاني، للتدخل مباشرة، في محاولة لاحتواء أي اصطدام مسلح بين أبناء العم، كما دخلت أطراف أمريكية وإيرانية على خط التصدع الحاصل.
منهجية الاتحاد الكردستاني
بداية، قال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، محمود خوشناو، إن الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تأليفه، وهو مألوف لجميع السياسيين والمتابعين على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي بأنه مختلف عن بقية الأحزاب المركزية في العراق.
وأضاف محمود خوشناو، أن منهجية الاتحاد الكردستاني فكرا وتطبيقا، تتنافى مع المناهج الأخرى الغريبة أمام الشارع العربي أو العراقي، لأن أغلب الأحزاب على الساحة السياسية أحزاب شمولية ومركزية.
وأوضح خوشناو، أن ما حدث مع الشيخ جنكي طبيعي، موضحا أنه رئيس مشترك للتحالف الكردستاني، وكذلك بافل طالبني هو رئيس مشترك الاتحاد الوطني، ولكن الورقة الإصلاحية التي تبناها المؤتمر الرابع في نهاية العام 2019، هو التغييرات في المناسب الأمنية والحزبية والإدارية والبرلمانية التي تقودها أفراد من الاتحاد الوطني.
من المستفيد؟
من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي، حسين عمر، إن الصراع ليس بين أبناء العمومة بتفاصيله، مؤكدا أن الشيخ لاهور جنكي وبافلي طالباني كانا كما الأخوة حتى قبل 6 أشهر، لكن هناك أيادٍ خارجية لعبت دورا كبيرا، وحركت من كانوا يسمون بافل الطالبني سموه بالخائن، وأنه سلم كركوك إلى الحشد الشعبي.
وأضاف حسن عمر، أن هناك جهات خارجية أيضا لها يد في تلك الخلافات، مشيرا إلى أن تركيا هي المستفيد الأكبر في هذه الصراع.
وأوضح حسن عمر، أن هناك بعض الأسباب الخارجية التي أدت بالدرجة الأولى لتحريك هذا الملف، لافتا إلى أن تركيا كانت تهدد لاهور شيخ جنكي، لأن لديه علاقات مع كل الأطراف الكردستاني.
تحالف كردستاني
بينما يرى أستاذ النظم السياسية والانتخابية، الدكتور عبد الحليم قاسم، أن الأحزاب الكردية ستدخل الانتخابات المقبلة بدون تحالف مركزي، رغم أنها اعتادت سابقا الدخول بقائمة كردستانية كبيرة.
وأضاف قاسم، أن هذه المرة لا يوجد تحالف كردستاني كبير، وذلك بسبب طبيعة النظام الانتخابي في العراق، مشيرا إلى أن النظام الجديد يعتمد على دوائر أصغر وترشيحات فردية.
وأشار إلى أنه يعتقد أن “الأحزاب الكردية الموجودة في الساحة العراقية اعتمدت على الشخصيات السياسية أكثر من الاعتماد على المسميات الحزبية”.
اصطدام المصالح
وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، إحسان الشمري، إن الصورة غير واضحة داخل إقليم كردستان العراق، بسبب اصطدام المصالح بين القوى التقليدية والاتحاد الوطني.
وأضاف الشمري، أن طبيعة الصراعات التي شهدتها أربيل والسليمانية، خاصة وأن الأخيرة نادت بأن تكون إقليما منفصلا عن كردستان العراق، بالإضافة إلى ما برز أخيرا حول الخلافات الداخلية.
وأكد الشمري، أن هذه التغيرات جعلت المشهد هناك غير واضح، وبالتالي لا يمكن أن نرى بيتا كرديا متماسكا، بالإضافة إلى العامل الخارجي، الذي عمل على التدخل في شؤون داخلية وعقد المشهد برمته.
