البنك الدولي يحث لبنان على تشكيل حكومة جديدة “خلال أسبوع”

توقّع البنك الدولي، الخميس، أن تتسبب الحرب الإسرائيلية على غزة في عودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، رغم التوقعات المتفائلة التي تحركها السياحة وتحويلات المغتربين في البلاد التي تشهد أزمة.

وتشهد الحدود الجنوبية للبنان، تبادلا منتظما لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، منذ اندلاع الحرب بغزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وأوضح البنك الذي يقع مقره بواشنطن في تقرير، أن تداعيات الصراع الحالي أثرت على الانتعاش الطفيف الذي حققه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات.

وجاء في تقرير البنك الدولي «قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان مـن المتوقع أن يسجل الاقتصاد – لأول مرة منذ عام 2018 – نموًّا طفيفًا في عام 2023 (بنسبة 0.2%). ويعود السبب في معدل النمو الإيجابي المتوقع إلى الموسم السياحي الذي حقـق عائدات كبيرة في الصيف، وتحويلات المغتربين».

لكنه أضاف أن «مع اندلاع الصراع الحالي، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود في عام 2023. وبافتراض استمرار الوضع الحالي المتمثل باحتواء المواجهة العسكرية على الحدود الجنوبية، تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد سينكمش في عام 2023، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصدمة التي أصابت الإنفـاق السياحي. وعلى وجه التحديد، من المتوقع أن يتراوح انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين -0.6% و -0.9% وفقًا لحجم الصدمة التي سيشهدها القطاع السياحي».

وأشار البنك الدولي، إلى أن أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان لتمضية العطلة الشتوية ألغيت، محذرا من أن «اعتماد لبنان على السياحة وتدفقات التحويلات المالية لا يمثل استراتيجية اقتصادية سليمة أو خطة لحل الأزمة الاقتصادية.
فنظرًا للتقلبات في قطاع السياحة وتعرضه لمخاطر الصدمات الخارجية والداخلية، لا يمكن لهذا القطاع أن يكون بديلًا عن محركات النمو الأكثر استدامة وتنوعا».

شاهد| البث المباشر لقناة الغد

أعلن البنك الدولي، عن موافقة مجلس مديريه التنفيذيين، على تمويل إضافي للبنان بقيمة 300 مليون دولار، للمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كورونا.

ووفقًا لبيان البنك، الصادر الجمعة، يسمح هذا التمويل الإضافي الثاني، بمواصلة وتوسيع نطاق تقديم التحويلات النقدية للأسر اللبنانية الفقيرة والأكثر احتياجًا، فضلًا عن دعم تطوير نظام موحد لشبكات الأمان الاجتماعي، يمكّن من الاستجابة للصدمات الحالية والمستقبلية على نحو أفضل.

ويشهد لبنان منذ عدة سنوات، واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم، والتي أثرت بشدة على مستوى معيشة المواطنين، كما انهارت العملة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة.

الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر.. هكذا وصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ عام 2019.. وعلى مدار 4 سنوات تقريبا، تعرض لبنان لأزمة متعددة الأبعاد، هي الأكثر إيلاما وتأثيرا في تاريخه الحديث.
حيث صنف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في لبنان بأنها واحدة من أسوأ “ثلاثة انهيارات مالية” في العصر الحديث، حيث خسرت العملة المحلية 95% “من قيمتها خلال ثلاث سنوات، وتخطت قيمة الدولار المئة ألف ليرة.
وبلغت خسائر القطاع المصرفي ما يقرب من سبعين مليار دولار. وتوقف القطاع المصرفي، الذي فرض بشكل غير رسمي قيودا على حركة رأس المال، توقف تماما عن تقديم القروض أو اجتذاب “الودائع”.
وخسر المواطنون ما يقارب 45% من قيمة ودائعهم البنكية.

في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي من قرابة 52 مليار دولار عام 2019 إلى 21 مليار دولار عام 2021. مسجلا انكماشا نسبته 58%.
ووفقا للبنك الدولي، يحتل لبنان المرتبة الأولى عالميا من حيث ارتفاع معدلات التضخم، والتي وصلت إلى مستويات قياسية.
ومنذ عام 2021 يعيش أكثر من نصف سكان لبنان تحت خطر الفقر.. فهل وصلت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى نقطة اللاعودة؟

حبيقة: أهملنا الأزمة فتفاقمت

من بيروت، قال لويس حبيقة الأكاديمي والخبير الاقتصادي والمالي، إن وصف البنك الدولي لحالة لبنان بأنها واحدة من أسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العالم يرجع إلى حجم وسرعة الانحدار الذي حصل في اقتصاد البلاد، فأزمة لبنان من بين الأهم والأصعب في العالم.

وأضاف: «بخلاف الإهمال والوضع السياسي الملتبس، في 2019 جاءت جائحة كورونا، ثم ثورة 17 تشرين، وهكذا تجمعت عوامل متعددة لتسبب الأزمة الحالية».

وواصل: «في بعض الدول يمكن معالجة مثل تلك الأزمات، بينما أهملت الأزمة في لبنان، ولم يتم بحثها بشكل علمي، كما أن معظم المواطنين في الانتخابات لم ينتخبوا أشخاصا تغييريين، فللأسف المجلس النيابي الحالي لم يكن مناسبا للطموحات اللبنانية وهذا ذنبنا».

وعن الحلول المتاحة قال حبيقة: «يجب إعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان مجددا، فلو بقي الفراغ الرئاسي على حاله سيستمر الوضع اللبناني في التدهور».

قانون كشف السرية المصرفية

وحول سؤال: لماذا وصلت الأزمة المالية في لبنان إلى هذا الحد؟ قالت سابين عويس رئيس جمعية الإعلاميين الاقتصاديين: “المشكلة قائمة وهي نتيجة تراكم سياسات كانت مطلوبة في فترة ما، لكن لا يمكن بناء اقتصاد دول على نفس المقاربات على مدى عقود، التطور في لبنان لم يواكب الأزمات، فوصلنا لمرحلة أكتوبر 2019 وانفجرت الأزمة».

وأضافت: «سأجري مقارنة لوضع لبنان وما حصل في الولايات المتحدة عندما سقط مصرف سيليكون فالي، إذ تحركت كل الإدارة الأمريكية ووزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي ووكالة التأمينات وحتى الرئيس بايدن تدخل لطمأنة المودعين، وفي جنيف حدث نفس الشيء بالنسبة لبنك كريدي سويس. أما في لبنان سقط القطاع المصرفي كاملا في أزمة السيولة ولم تتحرك الدولة أو المصرف المركزي أو وزارة المال لاحتواء الأزمة، بل شعرنا اليوم بعد 3 سنوات عليها وكأن هناك من يريد لهذا البلد أن يسقط في هذه الفجوة لتصل الأمور لمرحلة اللاعودة».

وأكدت أنه في ظل هذا الوضع، كان لا بد لحكومة تصريف أعمال أن تذهب لخطة طوارئ ويمكن للمجلس النيابي أن يشرع أبوابه بشكل متواصل. وهذا لم يحصل، ولذلك تركت الأمور لتأخذ كل التفاقمات، وأضافت: «بالأمس سمعنا بيان صندوق النقد عن وصولنا إلى “مفترق طرق خطير”».

وحول شرط صندوق النقد بتعديل قانون السرية المصرفية، قالت عويس: «هو أمر واجب ومطلوب لأنه يستحيل الولوج للخصوصية المالية ومعرفة من حول المال للخارج واستفاد إلا بعد إجراء هذا التعديل. وهذا الأمر يشكل خطرا على الطبقة السياسية المستفيدة. وصحيح أن القانون يتيح هذا الأمر ولكن اليوم إذا لم تتعدل القوانين لكشف الأمور بكل شفافية لن ينصلح الحال».

واختتمت: «مطلوب من السلطة المتشبثة بمواقعها أن تبدأ في الشعور بالخطر واقتراب المحاسبة وإلا سيبقى الوضع على ما هو عليه. ويجب أن يكون هناك من يشعرها بالخطر».

أزمة أخلاقية

ومن باريس، قال حسن عبيد الأستاذ والباحث الجامعي في العلوم المالية والاقتصادية: «الأزمة متشعبة ومتعددة الأسباب، لكن سببها الرئيس أخلاقي، متعلق بأخلاقيات العمل في مؤسسات الدولة لأنها كانت تستحوذ قبل الأزمة على أكثر من 60% من اليد العاملة ومن السوق اللبناني. وكانت تلك المؤسسات تضم عمالا يعملون وآخرون لا يعملون، ما أدى إلى اللاإنتاجية والهدر وسوء الإدارة».

وأضاف: «كان على الدولة دعم كافة أنواع الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي والفكري. فعندما دعمت الدولة الإنتاج الخارجي والتجارة على حساب الإنتاج المحلي ودعمت الاستيراد وصلنا لما وصلنا إليه».وتساءل عبيد: «وافق صندوق النقد على إقراض لبنان 3 مليارات دولار، وقبلها منحه من حقوق السحب الخاصة 860 مليون دولار.. فأين ذهبت هذه المبالغ؟».

واقترح عبيد اتباع التالي للوصول إلى حل للأزمة: «يجب أن يكون هناك حسن إدارة لهذا البلد سياسيا واجتماعيا ولا بد من إعادة الثقة في السوق المالي اللبناني وهذا لن يحدث إلا من خلال وجود مصارف ذات وجه مختلفة عن الوجه الحالي».

وألفت إلى أن التعهدات في مؤتمر المانحين الذي كان بباريس، كانت مشروطة بإصلاحات لبنانية، وتمت تلك الإصلاحات تشريعيا، بينما «لم تتم على مستوى السلطة التنفيذية».