التحالف الأوروبي الأمريكي في ميزان الربح والخسارة

بعد 9 أشهرٍ من الحرب الروسية في أوكرانيا، بدأت تظهر بعضُ الشروخ والخلافات في الجبهة الغربية الداعمة لكييف.

مجلة “بوليتيكو” الأمريكية نشرت تقريرا تحليليا، أكد غضب الأوروبيين من “إدارة جو بايدن، واتهامَ الولايات المتحدة “بالاستفادة من الحرب”.

التوتر لم يبدأ بسبب حرب أوكرانيا، ولكنه بدأ منذ يوليو 2021، بسبب القرار الأمريكي “بالانسحاب من أفغانستان”، دون استشارة إو إبلاغ الحلفاء في أوروبا.

كما ظهرت مشكلة أخرى بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وفرنسا من جهة أخرى، بسبب “اتفاقية أوكوس”، وصفقة بيع الغواصات إلى “استراليا”، التي وصفتها باريس بالطعنة في الظهر.

كما تتصاعد حالة الغضب في أوروبا، بشأن تحركات أمريكية، تهدد “الصناعة الأوروبية”، ما دعا جوزيب بوريل، الممثلَ الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، لدعوة  واشنطن للرد على “المخاوف الأوروبية”.

وفي الوقت نفسه، دفعت الاضطرابات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا بالاقتصادات الأوروبية إلى “حالة ركود”، مع تصاعد معدل التضخم، والضغط على “إمدادات الطاقة”.

وهو ما دفع أوروبا لشراء الغاز من “الولايات المتحدة”، بدلا من روسيا. لكن السعر الذي يدفعه الأوروبيون أعلى “بأربعة أضعاف” من نفس تكاليف الوقود في الولايات المتحدة.

حول هذه المحاور دار الجزء الأول من برنامج “مدار الغد” اليوم الأحد.

من باريس، قال د. رامي الخليفة العلي الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، إن هذه الحرب تقع في أوروبا وبالتالي  تجد نفسها معنية بها، هنالك دول في الاتحاد الأوروبي مهددة وتشعر بالتهديد من قِبل الجانب الروسي، وبالتالي فالاتحاد يشعر أنه إذا ما نجحت روسيا في تحقيق أهدافها في أوكرانيا فإنها ستمد نظرها إلى دول أوروبية أخرى ويمكن أن تكون الحجج التي ساقتها من أجل غزو أوكرانيا هي نفس الحجج التي ستسوقها من أجل غزو دول البلطيق أو دولا أخرى، وبالتالي فإن أوروبا عندما تتحالف مع أوكرانيا وتدعمها فإنها عمليا تدافع عن نفسها.

وأضاف الباحث أن السؤال الأهم هو ما هي خيارات أوروبا، هل تستطيع، على سبيل المثال، أن تقول إنها لن تتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل تستطيع أن تقول إن هذه حرب بين روسيا وأوكرانيا وليس لي فيها لا ناقة ولا جمل؟، ببساطة لا تستطيع لأن القرار هو قرار حلف الناتو، معظم الدول الأوروبية هي جزء من حلف الناتو وبالتالي ليس هناك خيارات بالنسبة لها.

ومن واشنطن، قال كورت فولكر الممثل الأمريكي السابق لدى أوكرانيا والسفير الأمريكي السابق لدى الناتو، إن أوروبا لها مصالحها الخاصة وأمريكا لها مصالحها الخاصة، وهناك خط يجمع بينهما فيما يخص الأمن والسلام وبعض المصالح الاقتصادية، وبالتالي فإن هناك الكثير الذي يجمع بين الطرفين ولكن هناك أيضا بعض الاختلافات التي لا يمكن تجاهلها، لذلك نكرر أنه لابد من وجود الكثير من المناقشات والمباحثات بينهما لأن هناك الكثير من القيم التي تجمع الطرفين.

وأضاف فولكر: “بالنسبة لفكرة زيادة الإمكانيات الدفاعية لأوروبا فهذا أمر يجعلها بحاجة إلى الناتو وبحاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تتصدر الناتو”.

وناقش الجزء الثاني من حلقة “مدار الغد” التداعيات الاقتصادية الجمة التي  تعرضت لها اقتصادات الدول الأوربية منذ إندلاع الحرب في أوكرانيا، بداية من ارتفاع معدلات التضخم ومرورا بأزمة الطاقة ووصولا إلى نقص الامدادات الغذائية ومدى قدرة الاقتصاد الأوروبي على الصمود في ظل هذه الحرب.

ومن برلين، قال د. توماس أودونيل أستاذ الطاقة والدراسات الاستراتيجية بجامعة هيرتي للدراسات العليا، ردا على سؤال حول هل تضررت أوروبا اقتصاديا من تحالفها مع واشنطن، إن السؤال الصحيح هو هل تضررت أوروبا من التحالف مع روسيا أو تحالف أمريكا مع روسيا؟، دعني أقول إنه تم الاستفادة بشكل كبير من هذا النظام الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية، استفادت من خصومها واستفادت من روسيا.

وأضاف: “أنا أعتقد أن الأسطول الأمريكي كان له الكثير من الأعمال التي أثرت سلبا على أوروبا، إن الدول الأوروبية لم يكن لديها النية أن تتدخل بشكل كبير في الخلاف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولتنظر إلى روسيا الآن ستجد أن روسيا تتحد بشكل كبير مع الصين، وما أريد أن أقوله إننا في أوروبا  الآن إذا كنا نختار، فلن نختار روسيا وإنما نختار الولايات المتحدة الأمريكية لأنها الأولى تجاريا على مستوى العالم وتؤثر بشكل كبير على اقتصاديات أوروبا.

من ميلانو، قال د. دومينيك أنتونيو دي جورجيو أستاذ الأسواق المالية في الجامعة الكاثوليكية، إنه رأى في الأشهر الماضية الدول الأوروبية والقادة الأوروبيين لم يتكلموا بشكل واضح عن المعاناة الاقتصادية التي يعاني منها الأوربيون.

وأضاف أن التصريحات التي سمعناها من القادة الأوربيين هي إرادتهم في تحرير أوكرانيا، والذي حقا يشعر بالمعاناة هو الشعب الأوكراني والشعوب الأوروبية أيضا، وأعتقد أن تلك المعاناة ستستمر لبعض السنوات.

وتابع: “هذا يدل على فشل القادة الأوربيين، فليس لديهم القدرة على أن يتفقوا وأن يحققوا ما تتمناه شعوبهم، هناك نقص كبير في الطاقة والنفط وسنرى إلى أي مدى ستستطيع الشعوب أن تتحمل”.