ما زالت تداعيات الحادث الدموي الذي وقع يوم الجمعة الماضية ضد مصلين مسلمين في نيوزيلندا مستمرة. فإلى جانب ما أسفر عنه الهجوم على مسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية من استشهاد 50 شخصا وإصابة عدد مماثل له، فإن الحادث الذي استهدف المصلين أوجد حالة واسعة من التضامن مع الضحايا وقلقا من تداعياته.
ومن التداعيات المتوقعة للحادث وقوع ردود فعل عنيفة من متطرفين، إذ قد يفتح هذا الهجوم العنصري شهية داعش وذئابها المنفردة لاستغلال تلك اللحظة في الظهور من جديد.
وتبدو تلك اللحظة مثيرة لقلق المتابعين بسبب إمكانية استغلال عناصر داعش تلك اللحظة في القيام بعمليات دموية تحت دعوى الثار.
نشط التنظيم الإرهابي مع كل حادث يتم ضد المسلمين ليبرهن على وجوده في الساحة العالمية، ويجعل من هذه الحوادث فرصة سانحة لاستقطاب العديد من الشباب الغاضب بسبب مثل هذه الأفعال للانضمام إليه .
داعش يفشل في راخين
حاول التنظيم الإرهابي من قبل اللعب على هذا الوتر في الجرائم الموجهة ضد مسلمي إقليم راخين في ميانمار.
وأرادت عناصر التنظيم استغلال مقتل آلاف المسلمين في الإقليم والتهديد بتفجر الأوضاع داخل تلك المنطقة،
وعقب مقتل 89 من الروهينجا، في “ميوتو جوى” بالقرب من “مونجداو” المدينة الكبيرة في شمال ولاية راخين، حاولت بعض التنظيمات تقديم المساعدات، لكن المسلمون هناك رفضوا ذلك تماما، وذلك بعد أيام على دعوة وجهها تنظيما القاعدة وداعش “لنصرة المسلمين”.
وأكد “جيش إنقاذ روهينجا أراكان”، الذي يقول، إنه يحاول الدفاع عن أقلية الروهينجا، عدم وجود أية روابط له مع هذه التنظيمات، وكتب “جيش إنقاذ روهينجا أراكان”، في بيان على تويتر، “ليس لدينا أية علاقات مع تنظيمي القاعدة وداعش، أو أي مجموعة إرهابية دولية، ولا نرغب في تدخل هذه المجموعات في النزاع الحالي”.
ودعا وقتها تنظيم القاعدة المسلمين إلى دعم الروهينجا ماليا وعسكريا، ووجه بيانا حمل عنوان “أراكان تناديكم” تداولته حسابات تابعة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب المقاتلين التابعين له في بنجلاديش والهند وباكستان والفلبين بالنفير إلى بورما لنصرة إخوانهم المسلمين هناك، وتهيئة ما يلزمهم من إعداد وتدريب لمقاومة هذا الظلم الواقع عليهم.
لكن عناصر جيش إنقاذ روهينجا أراكان رفضوا بشكل واضح هذه المساعدة، وطالبوا “دول المنطقة باعتراض ومنع دخول أي عناصر من هذه التنظيمات إلى ولاية راخين”، معتبرين أن دخولهم “من شأنه أن يفاقم الوضع”.
داعش وحادث نيوزيلندا والاستثمار في الكوارث
عقب حادث مسجدي نيوزيلندا تلقف التنظيم الإرهابي اللحظة ساعيـًا إلى استغلالها في التحريض على القتل والانضمام للتنظيم والهجرة إليه.
وأعلن التنظيم الاستنفار بين عناصره للدعوة إلى “الجهاد” والتأكيد على أن التنظيم يسعى لحماية الإسلام والمسلمين من – الكفار- الذين لا يفرقون بين مسلم مجاهد أو قاعد عن الجهاد – بحسب وصفهم .
وفور وقوع الحادث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكم كبير من رسائل التحريض على العنف والانتقام من “الكفار والملحدين الذين يستهدفون الإسلام والمسلمين”، مستغلين في ذلك حالة الغضب الشديد التي تجتاح العالم الإسلامي جراء الهجوم الإرهابي المروع على المسجد.
ونشر التنظيم عبر إحدى منصاته رسالة يقول فيها : “هذه رسالة لجميع المسلمين حول العالم … أن يعلموا أن حرب #الدولة_الإسلامية مع دول #الصليب ورعاياهم إنما تأتي دفاعًا عن الإسلام والمسلمين” بحسب نص رسالتهم .
مرصد الإفتاء التابع لدار الإفتاء المصرية قال إن تنظيم داعش يتلقف تلك الأعمال الإرهابية التي تستهدف المسلمين في الخارج بالفرح والسرور كونها تمثل طوق النجاة للتنظيم ومعول الهدم الذي يوظفه في جذب الأتباع والمناصرين والمتعاطفين مع ضحايا العمليات الإرهابية من المسلمين، كما أنها تمثل فرصة كبيرة في تنفيذ الأعمال الإرهابية في الدول الغربية.
وفي رسالة صوتية عقب الهجوم توعد المتحدث باسم التنظيم أبو الحسن المهاجر تم بثها في المواقع التابعة للتنظيم قائلا : إن مشاهد القتل في مسجدي نيوزيلندا “ستوقظ الجهاديين النائمين وستحفز أنصار الخلافة على الثأر”، واختتم الرسالة بقوله “انتظروا بحورًا من الدماء”.
جماعات على خطى داعش تتوعد بالثأر
تنظيم “جماعة أنصار الإسلام” الكردية بدوره أصدر بيانًا في اليوم التالي للحادث دعا إلى إعلان ما وصفه بالجهاد ضد الغرب ومصالحه.
أما “هيئة تحرير الشام” إحدى الفصائل المتنازعة في سوريا، فقد دعت، عبر منصات إعلامية لها، المسلمين إلى الانتقام لقتل المسلمين في الهجوم.
وسعت حركة طالبان الأفغانية إلى استغلال الحادث في شن هجوم على أمريكا وقالت إن الحادث امتداد للانتهاكات الأمريكية في أفغانستان.
أما جماعة أنصار الدين الموالية للقاعدة في سوريا فدعت إلى ما أسمته بيقظة الأمة في معركتها ضد “الكفر”- على حد تعبيرها.
وكذلك توعدت حركة الشباب الصومالية بالانتقام، حيث عقد المتحدث الرسمي باسم الحركة في اليوم التالي للهجوم مؤتمرًا تعهد فيها بأن “وقت الانتقام سيأتي”.
رئيسة الوزراء تنجح في احتواء الأزمة
جاءت مواقف جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا إيجابية بشأن الحادث واستطاعت من خلال ردود فعل عقلانية أن تحتوي الأزمة وتجنب بلادها ردة فعل عسكية، وتصدت لمن يرغبون في العبور عبر باب المزايدات.
وطالبت جاسيندا أرديرن بالاتحاد والتكاتف الدولي للوقوف ضد أيديولوجية اليمين العنصرى، وقامت بزيارة إحدى المدارس فى مدينة “كرايست تشيرش” التى فقدت اثنين من طلابها فى الهجوم وطالبت الطلاب فى المدرسة – خلال زيارتها – بالمساعدة من أجل وقف انتشار العنصرية والتطرف في البلاد.
وفي تصريحات إعلامية لها قالت ” أركز على عكس المبادئ التي يمثلها الشعب وهذا يواجه ما يطرحه المتطرفون، وأعتقد أن من يملكون الأسلحة لأغراض شرعية سيدعمون القيود التي ستفرض على اقتنائها “، وأعلنت بث الأذان في وسائل الإعلام دعماً للجالية المسلمة ورداً على الهجوم الإرهابي على المساجد .
وأظهرت رئيسة الوزراء النيوزيلاندية تضامناً جديداً مع أهالي ضحايا مجزرة المسجدين من خلال بث أذان الجمعة مباشرة على وسائل الإعلام. كما تمّ إطلاق حملة “حجاب من أجل الألفة ” التي تهدف إلى دعم الجالية الإسلامية في نيوزيلندا.
وللمرة الأولى في تاريخه يستهل البرلمان في نيوزيلندا جلسته الأولى بعد مجزرة المسجدين بتلاوة آيات من القرآن الكريم .
وعلى النطاق الخارجي قام جريج لويس، سفير نيوزيلندا بالقاهرة، بزيارة دار الإفتاء المصرية وتقديم واجب العزاء للمفتي في ضحايا حادث مسجدي مدينة “كرايستشيرش،
وقال السفير النيوزيلندي إنه جاء نيابة عن رئيس وزراء نيوزيلندا والشعب النيوزيلندي لتقديم خالص العزاء في ضحايا الحادث الإرهابي الأليم، مؤكدًا على رفض نيوزيلندا لهذا العمل الإرهابي الذي يهدد السلم المجتمعي.
وأكد السفير على أن المسلمين في نيوزيلندا جزء مهم من النسيج المجتمعي هناك، وأن بلاده تضم 200 عرْق و160 لغة يحظى أصحابها جميعهم بالاحترام والرعاية، وأن احترام التعددية من أكثر السمات التي تتسم بها بلاده.