أصبح الترقب الحذر سيد الموقف داخل المشهد اللبناني العام.. وبات تكليف الدكتور حسان رئيسا للحكومة اللبنانية بعد فترة تعثر وعدم توافق، أقرب إلى طريقة لبنانية تقول «الكحل أفضل من العمى»، ولذلك بدأ تكليف د. حسان دياب يشق طريقه نحو القبول الداخلي والخارجي على السواء. وبحسب تقرير صحيفة اللواء اللبنانية، فإن «الكحل أفضل من العمى»ن يعني أن إنجاز الاستشارات النيابية الملزمة، وتكليف دياب، يبقى أفضل بكثير من حالة الضياع التي كانت سائدة في متاهات الانهيار! ويبقى السؤال الأساس: متى التأليف بعد حصول التكليف؟
الثورة أمام مفترق طرق
ومع تسمية «دياب» رئيسا للحكومة، ظهر التباين والانقسام داخل الشارع اللبناني «المنتفض»، ويترد في بيروت، أن «الثورة أمام مفترق طرق»، وإن كان الخلاف ليس حول الهدف النهائي للثورة، بل يتمحور حول الأسلوب الأجدى لهذا الهدف، بين من يدعو الى هدنة لصالح الثورة نفسها، ومن يطالب بحرب لا هوادة فيها ضد السلطة، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، عمّار نعمة، لكن على وجه العموم، لا يزال الجميع على رفضه لتسمية رئيس الحكومة من غرف السلطة، ومن سمته الأحزاب، لكن الواقع أن صوت المجموعات المطالبة بالتريث لمعرفة شكل الحكومة وإعطاء دياب وقتا، إرتفع، خاصة وأن دياب قد وعد بحكومة يهيمن الإختصاصيون عليها.
«دياب» جاء ترشيحه سريعا لتجنيب سمه «الحرق»
وفي حقيقة الأمر.. لا يختلف إسم الوزير الأسبق حسان دياب لترؤس الحكومة، عن غيره، بالنسبة الى الحراك الشعبي، ويبدو الاعتراض عليه مشابها، نسبيا، لتلك الاعتراضات التي علت على إسمي الوزير الأسبق محمد الصفدي والمهندس سمير الخطيب، وطبعا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الذي يشكل جزءا من الطبقة السياسية التي رفضها الثوار. لكن الأمور حول «دياب» لا تتخذ التشنج الذي حصل حيال الأسماء الأخرى التي تعاطى معها الحراك برفض متوتر وعالي النبرة، وهو الذي جاء ترشيحه سريعا لتجنيب إسمه «الحرق» كما حصل لغيره، قبل ساعات من الاستشارات النيابية، علما أنه كان مطروحا في الفترة الأخيرة وإن في شكل غير علني.
وجهات نظر متباينة داخل الحراك الشعبي
ويرصد «عمّار نعمة»، تمايز موقف «هيئة تنسيق الثورة» ومعظم المجموعات الناشطة في الجنوب والبعض في طرابلس إضافة الى مناطق أخرى، عمّن يدعو الى حرب مستمرة لا تعرف هدنة مع السلطة، وإن بات أن أي هناك وجهة نظر تتمثل في أن «دياب» غير فاسد ويتمتع بالكفاءة، وأن الوضع في البلاد لا يحتمل المزيد من النزيف، ويجب العمل على تجنّب الانهيار الكبير الذي سيُسقط الجميع، وهي وجهة النظر تقوم على أهمية الاستمرار في الشارع وأن يكون الثوار رقباء على سلطة قد تلجأ الى التسويف والمماطلة. هم لا يثقون في السلطة ويرون بضرورة تشكيل مجلس نيابي رديف في الشارع.. وفي موازاة ذلك، ترى غالبية نسبيّة من المنتفضين ان ما تحقق ليس ما تريده الثورة، وإلا لما كانت قامت أصلا في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهي تعتبر أن ما حصل هو تصفية للحسابات وصراع على السلطة تم عبر إخراج سلبي وليست الثورة معنية بما حصل..ويعتبر هؤلاء أن دياب ليس شخصية المرحلة، وهو لن يستطيع مقارعة المتمرسين في السلطة، أو انه قد جاء بدعم منهم وسيكون عليه تنفيذ كل ما يطلبونه منه.
- ويتفق غالبية من في الساحات اللبنانية على ضرورة الاستمرار فيها، بين من يترقب بهدوء تشكيلة الحكومة.. وبين من يترقب بحذر ولا يدعون الى تحركات متوترة في الشارع.. ولكن لا خريطة محددة لهذه الأراء والمواقف، نتيجة توسع ساحة الثوار وتداخلها.
قبل أن يسقط السقف فوق رؤوس الجميع
ووفقا لتقارير وسائل الإعلام اللبنانية، فإن تكليف د. حسان دياب بدأ يشق طريقه نحو القبول الداخلي والخارجي على السواء.. ومؤشرات الداخل ت بحسب صحيفة اللواء، ظهرت باكراً من خلال تخلّي تيّار المستقبل عن ترشيح نواف سلام في اللحظة الأخيرة قبل بدء الاستشارات النيابية الملزمة، الأمر الذي فتح الطريق أمام تكليف دياب من دون منافسة جدية. وتبقى مشاركة «المستقبل» في الحكومة من خلال ترشيح أصحاب الاختصاص والكفاءات المشهود بنظافتهم، احتمالاً وارداً بقوة، على خلفية التفاهم الذي تمّ بين الحريري والثنائي الشيعي «حزب الله وحركة أمل» على تسهيل تأليف الحكومة الجديدة، تجنباً لسقوط السقف فوق رؤوس الجميع.ومن المؤشرات الداخلية ذات الأبعاد الملفتة، البيان الصادر عن اللجنة المركزية لحراك العسكريين المتقاعدين الذي أيّد فيه تكليف دياب، داعياً لتسهيل مهمته في تشكيل الحكومة التي ستبقى قيد المراقبة والمتابعة تحت طائلة العودة إلى الشارع والاعتصامات في حال أخفقت في تحقيق مطالب الانتفاضة.
تفاهمات دولية – إقليمية وصلت موجاتها إلى الجهات المعنية
وكذلك فإن غياب الاعتراضات الجدية على التكليف، من معظم الأطراف السياسية يؤشر إلى عدم وجود معارضة حقيقية لشخصية الرئيس المكلف، الذي يبدو وكأن نجمه ظهر فجأة في سماء الاستشارات نتيجة تفاهمات دولية – إقليمية، وصلت موجاتها إلى الجهات المعنية في الداخل.. وأن تصريحات الدبلوماسي الأمريكي، دايفيد هيل، بعد جولاته على الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال) ، يوحي وكأن واشنطن لم تكن بعيدة عن تكليف نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت بتشكيل الحكومة الجديدة، مع حرصه على التأكيد بضرورة مراعاة معايير المجتمع الدولي في تأليف حكومة من الاختصاصيين المستقلين، القادرة على وضع خطة إنقاذية تستعيد ثقة الدول المانحة، حتى يستطيع لبنان الحصول على المساعدات بالسرعة اللازمة لإنعاش اقتصاده، والسيطرة على الأزمة النقدية الراهنة.
- تصريحات «هيل» في بيروت، تلتقي مع تصريحات فرنسية مماثلة من باريس، يتركّز على أهمية الهيكلية التي ستُعتمد في تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد إنجاز خطوة التكليف وتسمية حسان دياب.
لا يوجد تصور حول شكل الحكومة الجديدة
ومن جهة أخرى.. أكدت مصادر سياسية مطلعة، لصحيفة الجمهورية اللبنانية، أن ليس في الامكان حتى الآن تحديد شكل الحكومة المقبلة، خصوصاً أنّه لا يوجد ايّ تصوّر محدد لدى القوى السياسية حول الشكل الذي ستكون عليه الحكومة الجديدة، وهذا معناه انّ كل الاشكال الحكومية مفتوحة، سواء تشكيل حكومة اختصاييين بالكامل، أو تشكيل حكومة اختصاصيين مطعّمة بعدد قليل ومحدود من السياسيين..وبحسب المصادر، فإن هذا الأمر يقود الى افتراض أنّ حكومة الاختصاصيين واردة جداً، وكذلك الأمر بالنسبة الى حكومة اختصاصيين مطعّمة بسياسيين.
لقاء «عون ـ بري ـ دياب».. ونصيحة للرئيس المكلّف
ووفقا لمعلومات الصحيفة اللبنانية، فانّ اللقاء الرئاسي الثلاثي الذي عقد بعد استشارات التكليف أمس الاول، بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والرئيس المكلف حسان دياب ، تجاوز إطار التهنئة والمجاملات الى رسم معالم المرحلة المقبلة ومتطلباتها. وخلال الاجتماع توجّه الرئيس بري الى الرئيس المكلف قائلاً: «قبل ان أغادر أود ان اتوجّه اليك بنصحية، وهي ان تسعى جهدك لأن تشكل حكومة في اقرب وقت، جامعة من كل الاطراف، وان تسعى الى تمثيل حتى الأطراف التي لم تُسمِّك في الاستشارات. والأهم في هذا السياق هو ان تسعى الى تمثيل الحراك الذي بات امراً ضرورياً لأن يكون شريكاً في أي عملية انقاذ للبلد»..وبحسب معلومات ، فإن الرئيس المكلف كان متجاوباً مع نصيحة بري ووعد بالعمل في هذا الاتجاه.