بدت مؤشرات تمرد أوروبا على واشنطن، مع دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء جيش أوروبي، ودعوة وزير المالية الفرنسي برونو لومير، لجعل أوروبا إمبراطورية شبيهة بالولايات المتحدة أو الصين على الساحة الدولية، وهي المؤشرات التي ألقت بظلالها على مؤتمر باريس للسلام، بالعاصمة الفرنسية، الأحد الماضي، بمناسبة إحياء الذكرى المئوية للهدنة وانتهاء الحرب العالمية الأولى.
ترامب: الفكرة مهينة.. وماكرون: حماية للقارة
«الجيش الأوروبي» و «الإمبراطورية الأوروبية».. نوايا أو رغبات أوروبية، كشفت عنها فرنسا، للخروج من عباءة واشنطن والناتو، مما أثار غضب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منتقدا التجهات الأوروبية.. وكان لافتا إشادة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بفكرة ماكرون لتأسيس «جيش أوروبي»، معتبراً أنها قد «تعزّز الطابع المتعدد الأقطاب للعالم»،علماً أن الرئيس الفرنسي اعتبرها وسيلة لحماية القارة من «الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة»، رغم أنه حاول احتواء غضب الرئيس الأمريكي، الذي اعتبر الفكرة «مهينة»، وجدّد مطالبته أوروبا بأن «تدفع مساهمتها في الحلف الأطلسي».. وجاء رد ماكرون عبر شبكة «سي أن أن» الأمريكية، قائلا «لا أريد رؤية الدول الأوروبية ترفع موازنات الدفاع لشراء أسلحة أمريكية أو معدات من إنتاج صناعتكم.. إذا زدنا موازنتنا، فالغرض بناء استقلاليتنا».
قارة ذات سيادة
وكشف وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، عن طموحات أكبر، بدعوته لجعل أوروبا إمبراطورية تكون شبيهة بالولايات المتحدة أو الصين على الساحة الدولية، وأن تكون الإمبراطورية كيانا محبا للسلام، وقائما على مبادئ سيادة القانون. ولفت إلى أهمية «الوقوف في طريق حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب»، مضيفا لصحيفة Handelsblatt الألمانية «يجب على أوروبا ألا تخشى بعد الآن استخدام قوتها، نحن نتحدث هنا عن ضرورة القول للولايات المتحدة وبكل وضوح، إننا قارة ذات سيادة، ونحن نقرر بأنفسنا مع من نقيم علاقاتنا التجارية»، في إشارة لرفض دول أوروبية الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران.
- بموازاة ذلك، شارك مئات الفرنسيين في احتجاج في باريس على زيارة ترامب، وحلّق خلال الاحتجاج بالون ارتفاعه ستة أمتار يصور الرئيس الأمريكي طفلاً غضوباً.
حلم الجيش الأوروبي
ويبدو أن حلم «الجيش الأوروبي» يراود عددا من قادة وكبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب خبراء بمراكز الدراسات الاستراتيجية، خشية المتغيرات المفاجئة للسياسة الأمريكية الخارجية. وبحسب ما عبر عنه رئيس الوزراء الفرنسى السابق، بيرنارد كازنوف، ومعه أمين عام الناتو السابق جورج روبرتسون وهو بريطاني، فإن الرئيس الأمريكي ترامب لديه مواقف عدوانية تجاه أوروبا تستدعي التقارب بين بريطانيا وفرنسا لمواجهته حتى بعد البريكست، وأن إدارة ترامب بالتحديد «أظهرت حاجة أوروبا لفعل المزيد لحماية مصالحها بنفسها، ونتيجة انتخابات التجديد النصفي لا تفعل شيئا بالنسبة لنا، سوى إظهار أن السياسة الأمريكية لا يمكن التنبؤ بها حاليا».
أوروبا تحمي نفسها من ترامب !
كان الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، قد أثار الجدل مجددا بشأن إنشاء قوة عسكرية أوروبية نظامية دائمة باسم الجيش الأوروبى، مؤكدا أن «القارة العجوز فى حاجة لجیش أوروبي حقیقي، ویجب أن تعتمد على نفسھا في حمایة مصالحھا بدلا من الاعتماد على أمریكا»..وموضحا الهواجس الأمنية الأوروبية، قائلا: «عندما أرى ترامب يعلن انسحابه من معاهدة مهمة لحظر الأسلحة (معاهدة الحد من أسلحة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى)، فمن الذى سيصبح ضحية رئيسية؟ إنها أوروبا، التي يجب أن تحمي نفسها من روسيا والصين ومن أمريكا أيضا»، وكان أكثر صراحة في تحذيره، «نعم علينا حماية أنفسنا من ترامب».
عقبات أمام الجيش الأوروبي
لو نجحت أوروبا في تشكيل جيش أوروبي، سيكون ثاني أكبر جيش في العالم بعد الناتو، ولكن التساؤلات داخل الدوائر الأوروبية تقول: ما هو موقف عضوية الدول الأوروبية في حلف الناتو بشبه قيادة أمريكية؟ وهل تتوافر الإرادة السياسية للموافقة على تشكيل الجيش الموحد؟ وهل تستطيع أوروبا التغلب على المعوقات السياسية والعسكرية؟ وهب ترتبط بالتمويل، والتسليح، والمواقف السياسية، فضلا عن تضارب مهام الجيش الأوروبي، مع مهام قوة عسكرية أخرى «الناتو»، وكذلك التحالف العسكرى NORDEFCO أو «التعاون الدفاعي الشمالي» بين فنلندا والدول الاسكندنافية، وهو تحالف للتعاون العسكري والاستخباراتي.
- يرى خبراء عسكريون، أن هناك عقبة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع اتفاقية «البريكست»، ويمثل وجودها داخل الاتحاد الأوروبي عاملا قويا لإنشاء الجيش الأوروبي، لكن مع البريكست لن تكون بريطانيا جزءا من هذه القوة.. إلى جانب مشكلة التسليح، فإذا كان حلف الناتو يعتمد على السلاح الأمريكي، فما هو نوع السلاح الذي سيعتمد عليه الجيش الأوروبي؟ وإذا كان الهدف من إنشاء الجيش الأوروبي هو أن تدافع القارة العجوز عن نفسها ضد أمريكا أيضا فهذا يعني أن واشنطن لن تمد هذا الجيش بالسلاح، فضلا عن أن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف «الناتو» تدفع 2% من ناتجها القومي لتوفير ميزانية حلف شمال الأطلسى، الأمر الذي يعني أن تضاعف هذه الدول من ميزانياتها العسكرية.