كشفت العمليات الإرهابية التي ضربت الأردن، على مدى الأيام الثلاثة الماضية، عن مخططات«خوارج العصر» تستهدف نقاطاً أمنية وتجمعات شعبية، وأن معركة الأردن مع الإرهاب مستمرة.. وبينما توعد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بـ «مقاتلة الخوارج وضربهم بلا رحمة»، مشيراً إلى أن «هدفنا دائماً كسر شوكة الإرهاب ودحره، ولن نحيد عن هذا الهدف رغم التضحيات».
الحالة الأردنية
- «الحالة الأردنية»، كما وصفها مراقبون وخبراء أمن، تلتقي مع ظواهر مشابهة في دول كثيرة حول العالم، فسنوات الصعود الأخيرة للجماعات الإرهابية وفرت لها أنصارا وأتباعا في كل مكان، ما يزالون على استعداد لتنفيذ عمليات إرهابية، هي في جوهرها عمليات انتقامية يائسة بعد كل ما طالهم من هزائم وملاحقات أمنية شلت قدرتهم على التجنيد والتمركز كما كان الحال في سورية والعراق..وأن الفرق في الحالة الأردنية، أن المنتمين لفكر التيار الظلامي مكشوفون تماما للأجهزة الأمنية، ولو كان الأردن من الدول التي لا تحترم القانون وتلتزم فيه لأمضى هؤلاء حياتهم في الزنازين والسجون، لكن منحوا فرصة للعودة للحياة الطبيعية، ثم عادوا لطبيعتهم الإرهابية الدموية.
مواجهة مع النسخة المحلية من الخلايا التكفيرية المنتشرة
وتشير المعلومات الأولية عن عملية مدينة السلط الإرهابية، إلى أن أعضاء الخلية؛ من قتل منهم ومن تم إلقاء القبض عليه، هم من حملة الجنسية الأردنية، وبعضهم من المعروفين بانتمائهم للجماعات الإرهابية. وعلى شاكلة عمليتي «إربد والكرك»، اختار الإرهابيون التحصن في منزل بحي سكني لدرء الشبهات، والتخطيط لجرائمهم من دون لفت انتباه الأمن، وأن مسار الخلايا الثلاث في «إربد والكرك والسلط» يلتقي عند نقطة مشتركة أساسية، وهي أن التنظيم الإرهابي ما يزال قادرا على التحرك في بيئاته التقليدية، رغم انهيار مركز التنظيم في سورية والعراق، والضربات الأمنية التي تلقاها من الأجهزة الأمنية الأردنية. ويعتمد في نشاطه على عناصر قديمة ووجوه جديدة لم يسبق لمعظمها أن خرج للقتال مع التنظيمات الإرهابية.
- وتبدو سلسلة الأحداث الإرهابية في مدينتي الفحيص والسلط الأردنيتين خلال الأيام الثلاثة الماضية أقرب إلى مواجهة مباشرة وواسعة النطاق هذه المرة مع النسخة المحلية من الخلايا التكفيرية المنتشرة أصلاً في بنية عدة مدن، أكثر من كونها معركة مع إرهاب متسلل عبر الحدود أو تم تصديره بقرارات مركزية من تنظيمات خارج الحدود مثل داعش وأخواتها.. ويؤكد خبراء، أن السلطات الأردنية، سبق وأن حذرت من محاولات المساس بالأمن الداخلي الأردني بعد عمليات الحسم العسكرية في جنوب سوريا والتي أعلن الجيش الأردني عملياً مشاركته بها عندما قصف كتيبة خالد بن الوليد الموالية لتنظيم داعش شمالي البلاد وفي منطقة حوض نهر اليرموك.. وهناك من يربط بين إعلان الحسم ضد كل فصائل المعارضة في الجنوب السوري وبين التداعيات الأمنية في مدينتي الفحيص والسلط الأردنيتين حيث الأولى مدينة مليئة بالسكان المسيحيين، وحيث الثانية من المدن التي توجه بعض أولادها من الجهاديين إلى سوريا والعراق في الماضي، ومعروفة أمنيا واجتماعياً باعتبارها من معاقل التيار التكفيري في المملكة.
«عش الدبابیر» و «الخلایا النائمة»
وفي توصيفه للحالة الأردنية والمعركة المستمرة مع «الخوارج».. قال المحلل السياسي الأردني، محمد كعوش، للغد، إن جذور المسألة في «عش الدبابیر» و «الخلایا النائمة»، التي استیقظت في موسم العودة من الشمال، بعد تحریر ریف درعا، ھذه المجموعات استغلت غضب المواطن وتململھم من الظروف الاقتصادیة الصعبة، واحتجاجھم على رفع الأسعار والغلاء وانتشار الفساد المسكوت عنه، في تمویه مشروعھا السیاسي المرتبط بأجندات خارجیة.. ومن حیث التوقیت، جاءت العملیة الأرھابیة في موسم المھرجانات الفنیة الثقافیة التراثیة في جرش والفحیص وعمّان، وما حدث في السلط، وقبلھا الفحیص، لا یمكن عزله عن محیطنا الملتھب، الذي یلقي بظلاله على وضعنا الداخلي، فنحن لا نعیش في جزیرة معزولة عن الصراعات القائمة، رغم النھج المتوازن الحذر، الى حد ما، الذي اخترناه، في وقت یواجه الاردن فیه ضغوطا اقلیمیة ـ دولیة غیر مسبوقة، وحصارا اقتصادیا غیر معلن لاجباره على المشاركة في صراع لا یرضاه ولا یراعي مصالحه العلیا، مع ضرورة التذكیر أن الصراع في سوریا بدأ تحت شعار المطالبة بالاصلاح والحریة والدیمقراطیة وانتھى بمشروع أمريكي یعمل على تقویض الدولة وتقسیم الشعب والأرض.
- وأضاف المحلل السياسي: على ھامش ما حدث في الأردن من عمليات إرهابية اتساءل: كیف سیكون حالنا لو انتصرت التنظیمات المسلحة المتطرفة في سوریا؟ ما حدث في السلط، وما سبقه من عملیات ارھابیة، لا یثنینا عن الایمان بأن الأردن محصن بوعي شعبه ویقظة قیادته وجیشه ومؤسساته الأمنیة، ولكن نشر العنف والفوضى بادوات محلیة غیر واعیة لشمولیة المشھد، یصب في طاحونة الصراع الدموي الأقلیمي المرتبط بالمشروع الأمريكي والحل النھائي الساعي الى تصفیة القضیة الفلسطینیة، والذي نراھن على الشعبین الأردني والفلسطیني لدحره واسقاطه.
نهاية «دولة داعش» في العراق وسورية لا تعني نهاية التنظيم وخطورته على الأردن
- بينما يرى الباحث الأردني، د. محمد أبو رمان، الخبير في حركات الإسلام السياسي، أن تطوّر الأحداث وتلاحقها من تفجير «مدرّعة الأمن» يوم الجمعة إلى المواجهات بين «خلية متطرفة» وقوات الأمن في السلط، يحمل دلالات ويبعث برسائل مهمة على الصعيد الوطني العام، ومنها أنّ نهاية «دولة داعش» في العراق وسورية لا تعني ـ بحالٍ من الأحوال ـ نهاية التنظيم وخطورته على الأمن الوطني، فهذا الفكر لا يموت وينتهي، بل يصعد في فترات ويتراجع في أخرى، بحسب الأوضاع والشروط العامة المنتجة له، وكان العام الماضي بمثابة «إعادة هيكلة» في أوساط التنظيم، وهو اليوم يدخل مرحلة جديدة في العراق وسورية، والعالم، تمثّل الأحداث الأخيرة علامة من علامتها، وعودة الحيوية لهذا التيار بعد تلقي صدمة انهيار دولته.
وأضاف: حتى لو افترضنا تراجع الخطر الخارجي، فما يزال «التيار» داخلياً في الأردن موجوداً، له أنصاره ومريدوه وأعضاؤه، المؤيدون لهذا الفكر والمؤمنون به، وإن كان أغلبهم اليوم في مراكز الإصلاح والتأهيل (السجن)، لكن المشكلة الكبيرة التي سنواجهها في مرحلة قريبة أنّ نسبة كبيرة من المحكوم عليهم على خلفية هذه القضايا (بخاصة قضايا الترويج لداعش أو الالتحاق به ومحاولة الالتحاق به، ومعدل عقوبة هذه التهم بين 3 و7 أعوام) سيخرجون من مراكز الإصلاح، من دون أن تكون هنالك عملية جديّة ومؤسسية لإعادة تأهيلهم، بل على النقيض من ذلك ربما كانت مرحلة السجن بمثابة «الفترة الذهبية» لتجنيد العناصر وتأطيرهم بصورة عميقة أيديولوجياً وتنظيمياً مع هذا التيار.
- وتابع الخبير في حركات الإسلام السياسي، إن التحدي الحقيقي داخلي، والأحداث التي وقعت من الضروري أن تحفّزنا على عدم الاسترخاء (سياسياً وثقافياً ومجتمعياً)، وكأنّ خطر التطرف انتهى وزال، والمطلوب هو مراجعة شاملة؛ تقييم وتقويم لبرامج وخطط مكافحة التطرف والإرهاب، مقارباتنا الوقائية والعلاجية.
بصمات «داعش» الإرهابية
وفيما لم تُعلن الحكومة الأردنية عن انتماءات الخلية الإرهابية، إلا أن مراقبين قالوا أن العملية الأخيرة تحمل بصمات تنظيم «داعش» الإرهابي، بعد كشف مخطط إرهابي كان يستهدف مقار أمنية ومواقع حيوية، في وقت استطاعت الخلية عدم جذب الانتباه إلى طبيعة تصنيعها مواد كيميائية، وحيازتها أسلحة أتوماتيكية داخل منزل مستأجر في مبنى سكني تقطنه عائلات.