الحبس المنزلي.. سياسة إسرائيلية للانتقام من أطفال القدس

ارتفعت وتيرة الحبس المنزلي الذي تستخدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال في مدينة القدس، خلال السنوات الأربع الماضية.

ووفق عبد الناصر فروانة المختص بشؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين فقد أصدرت سلطات الاحتلال 2200 قرار بالحبس المنزلي بين يناير/كانون الثاني 2018 ومارس/آذار 2022، بحق أطفال قصّر، 114 طفلاً منهم كانت أعمارهم تقل عن 12 عاماً، مقارنة بنحو 228 قراراً بالحبس المنزلي في الفترة بين 2015-2017.

 

 

سجناء في منازلهم

ويقول فروانة في حديث لموقع قناة الغد “الحبس المنزلي ظاهرة بدأت منذ سنوات طويلة، وأخذت تظهر جلياً بعد موجة الاحتجاجات التي أعقبت خطف الطفل محمد أبو خضير وقتله في يوليو/تموز 2014، مع المشاركة الواسعة من جانب الأطفال الفلسطينيين آنذاك، واتساعها مع اندلاع انتفاضة القدس في أكتوبر/تشرين الأول 2015”.

وتتمثل ظاهرة الحبس المنزلي، بحسب فروانة، في “تحويل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مئات البيوت الفلسطينية في القدس إلى سجون، ولمن لأبنائهم وبناتهم القُصّر”.

وفي هذه الظاهرة، تعمل السلطات الإسرائيلية على تحويل الآلاف من أفراد العائلات المقدسية، رغماً عنهم، إلى سجانين على أبنائهم القُصّر وحراس ومراقبين على من تصدر المحاكم الإسرائيلية بحقهم حكماً بالحبس المنزلي؛ فيقيّدون حركتهم، ويتابعون نشاطاتهم، ويراقبون تحركاتهم، ويمنعونهم من تجاوز البوابة الخارجية للمنزل وتخطي حدود البيت، تنفيذاً لشروط الإفراج التي فرضتها عليهم المحاكم الإسرائيلية.

وتخشى العائلات المقدسية من عواقب عدم الالتزام بالقرارات القضائية الإسرائيلية، وذلك تجنباً لاعتقال الكفيل أو المتعهد من أفراد الأسرة بتهمة عدم الالتزام ببنود الحكم، إذ أنه يوقّع على اتفاق وتعهد يلزمه بذلك.

 

سوار إلكتروني

ويُقصد بالحبس المنزلي احتجاز الطفل داخل البيت طوال الفترة التي تبحث فيها المحكمة الإسرائيلية في ملفه إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية بحقه وإصدار المحكمة حكمها في قضيته، والتي قد تكون بضعة أيام أو أسابيع، وقد تمتد إلى أشهر عدة، وربما تصل في بعض الأحيان إلى عام كامل أو أكثر، وهذه الفترة لا تُحتسب من فترة الحكم الفعلي الذي يصدر لاحقاً بحق الطفل.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر، “الطفل المقدسي باسل عويضة مكث في الحبس المنزلي ثلاث سنوات وقبل بضعة أشهر أصدرت المحكمة الإسرائيلية بحقه حكماً بالسجن لمدة شهرين”.

ويُجبر الطفل خلال فترة الحبس المنزلي بعدم الخروج من البيت بتاتاً، وقد وُضع لبعضهم أجهزة تتبع “سوار إلكتروني” مع GBS، ونادراً ما يُسمح للطفل، في مراحل متقدمة وبعد أشهر من الحبس المنزلي، بالتوجه إلى المدرسة أو العيادة برفقة الكفيل، ذهاباً وإياباً كما يقول فروانة.

ويوضح فروانة أنه تم تحويل 70٪ من الأطفال المقدسيين الذين تم اعتقالهم خلال السنوات الأخيرة إلى الحبس المنزلي قبل البت في قضاياهم، فيما تراجعت قرارات الحبس المنزلي المفتوح عددياً خلال العامين الأخيرين، الجاري والمنصرم، ولا سيما بعد إقرار عدد من القوانين الإسرائيلية التي أجازت اعتقال الأطفال القُصّر ومن هم دون 14 عاماً، وتغليظ العقوبة بحق الأطفال والمتهمين برشق الحجارة منهم، مما منح الشرطة والمحاكم صلاحيات أوسع باستمرار اعتقال الأطفال وتمديد فترة وجودهم في السجن. أمّا الحبس المنزلي الموقت والمحدود لعدة أيام فما زال مستمراً وبشكل واسع.

 

 

روايات مؤلمة

ويتضمن الحبس المنزلي، وفق فروانة، روايات مؤلمة في ظل الاستهداف الإسرائيلي للأطفال المقدسيين، فعلى سبيل المثال، تفيد الإحصاءات الرسمية بأن سلطات الاحتلال اعتقلت خلال العام الماضي نحو 1300 طفل فلسطيني، منهم 750 طفلاً من القدس يشكلون ما نسبته 57.7٪ من مجموع اعتقالات الأطفال، كما تم اعتقال نحو 450 طفلاً فلسطينياً منذ مطلع العام الجاري، منهم 353 طفلاً من القدس يشكلون الأغلبية العظمى وما نسبته 78.4٪ من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال هذا العام.

ويقول “ما زالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها ومعتقلاتها قرابة 170 طفلاً، بالإضافة إلى عشرات آخرين تجاوزوا سن الطفولة وهم داخل الأسر، ولعل أبرزهم الأسير أحمد مناصرة الذي يعاني أوضاعاً صحية صعبة جراء ما تعرض له من تعذيب وعزل انفرادي وضغوط نفسية”.

ويشير المختص بشؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين إلى أن الحبس المنزلي نوعان: في النوع الأول يبقى الطفل في بيته وبين أفراد أسرته طوال الفترة المحددة وفقاً لقرار المحكمة إلى حين البت في قضيته، أمّا في النوع الثاني، وهو أصعب من الأول، يُبعد الطفل عن بيت الأسرة أو الحي ومنطقة السكن، وقد يكون الإبعاد إلى خارج حدود المدينة، مثل حيفا وأم الفحم، ويُلزَم الطفل بالبقاء في بيت بعيد يسكنه أحد الأصدقاء أو الأقارب، الأمر الذي يشتت العائلة ويزيد من حالة القلق لدى أفرادها.

وأحياناً يكلف الأهالي مزيداً من الأعباء المالية لاضطرارهم إلى استئجار بيت بعيد عن سكناهم في حال عدم توفر بيت لأحد الأقارب لاستقبال طفلهم فترة الحبس المنزلي.

كما قد يتسبب هذا الأمر في مشكلات اجتماعية بين أسرة الطفل والكفيل من الأقارب والأصدقاء، ولا سيما إذا طالت الفترة في ظل القيود التي تُفرض عليهم أثناء فترة الحبس المنزلي.

شروط الاحتلال

ويُشترط وفق فروانة على الكفيل، سواء أكان أحد الوالدين أو من الأقارب والأصدقاء، أن يكون ذا سجل خال من أي مشكلات أمنية أو جنائية، وفقاً لتصنيف الاحتلال، ويتمتع بصحة تؤهله للحركة والانتقال مع الطفل إن تطلب الأمر ذلك، مما يصعّب الأمر على العائلة.

ورغم هذه الملابسات، إلا أن معظم الأهالي يُفضلون الحبس المنزلي على السجن الإسرائيلي لاعتقادهم بأنه أقل ضرراً على أطفالهم.

وتلجأ سلطات الاحتلال إلى الحبس المنزلي في محاولة منها للتحلل من مسؤولياتها والتخفيف من عمليات اعتقال الأطفال وعدم إبقائهم داخل سجونها نظراً إلى صغر سنهم، ولا سيما من هم دون 14 عاماً، تجنباً للانتقادات الحقوقية، وسعياً منها للحفاظ على صورتها الديمقراطية المزعومة أمام المجتمع الدولي.

ويشير فروانة إلى أن سياسة الحبس المنزلي “هي سياسة لقهر الإنسان الفلسطيني، ونوع من الانتقام والتعذيب للأطفال المقدسيين بهدف ترويعهم وتخويفهم وجعلهم يفقدون الثقة بأفراد أسرهم، والتأثير في توجهاتهم وتوجهات أفراد العائلة ومعتقداتهم في سياق العقاب الجماعي للمقدسيين، ودفعهم نحو الالتزام بما يصدر عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي من قرارات وما تتخذه من إجراءات مشددة”.

 

 

آثار مدمرة

من الآثار المرافقة للحبس المنزلي، توتر العلاقة بين الطفل وأهله نتيجة شعوره بأن أمه وأباه هما من يعتقلانه، وأن البيت الذي يفترض أن يكون موقع الشعور بالأمان أصبح هو السجن.

كما يترتب على الحبس المنزلي في كثير من الأحيان حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، وخلق أوقات فراغ طويلة لديهم لا يعرفون كيف يقضونها، وشعورهم بالضغط وممارسة الرقابة الذاتية على أنفسهم.

ويترك الحبس المنزلي آثاراً نفسية صعبة على الأطفال أنفسهم وعلى ذويهم الذين يضطرون لمراقبة طفلهم بشكل دائم ومنعه من الخروج من البيت، فيظهرون في مخيلة أطفالهم بصورة “السجان”، كما يترك أثره على مستقبل المدينة في ظل هذه الأجيال الصاعدة والناشئة.

وتفضل غالبية الأطفال البقاء في السجن الإسرائيلي على الخروج إلى الحبس المنزلي لما يُحدثه ذلك من مشكلات اجتماعية وتوتر وعدم استقرار في العلاقة الأسرية بين الطفل وأسرته، ويخلق العديد من المشكلات النفسية لدى أطفال الحبس المنزلي وسلوكياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ويسبب لهم الكثير من الخوف والقلق واليأس والتوتر والعصبية والتبول اللاإرادي وفقدان الثقة بالأسرة، كما يشكل خطراً على مسيرتهم التعليمية. وأحياناً تُفرض غرامات مالية على الكفيل في حال جاءت الشرطة إلى البيت ووجدت الطفل ولم تجد الكفيل معه، وفق فروانة.

ويتناقض الحبس المنزلي بشكل صارخ مع قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي منحت الكثير من الحقوق للأطفال، وفي مقدمها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989. كما يشكل عقوبة جماعية للأسرة بمجموع أفرادها، والتي لا يمكنها ممارسة حياتها ونشاطاتها اليومية بالشكل الطبيعي، إذ تضطر إلى أن تبقى في حالة استنفار دائم حرصاً على حماية ابنها من خطر تبعات تجاوزه الأحكام القضائية والشروط المفروضة عليهم، الأمر الذي يجعل من الحبس المنزلي جريمة قلّ مثيلها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]