الحريري نحو رئاسة الحكومة اللبنانية للمرة الرابعة

يتجه رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري بقوة لتولي رئاسة الحكومة للمرة الرابعة في تاريخه، فيما بدأ الرئيس اللبناني ميشال عون اجتماعات مع أعضاء مجلس النواب لتسمية رئيس جديد للوزراء خلال ساعات، وذلك بعد أن أدت خلافات على مدار أسابيع إلى تأخير الاتفاق على حكومة جديدة يمكنها العمل على انتشال البلاد من أزمتها المالية.

وتؤكد المصادر أن الحريري في سبيله لتلقي تكليف بتولي المنصب مرة أخرى خلال المشاورات الرسمية مع الكتل النيابية، إلا أنه سيواجه هو أيضا تحديات كبرى لتجاوز الشقاق الحالي في المشهد السياسي اللبناني.

ومن أبرز التحديات التي تواجه أي حكومة جديدة هي التعامل مع انهيار مالي يزداد سوءا ومع تفشي فيروس كورونا المستجد وتداعيات الانفجار الهائل الذي شهده مرفأ بيروت في أغسطس آب وأودى بحياة نحو 200 شخص.

الحريري يظهر مجددا

وظهر الحريري مجددا في المشهد السياسي بعد اعتذار مصطفي أديب الشهر الماضي عن تشكيل الحكومة،  وذلك كمرشح لقيادة حكومة  يمكنها إحياء جهود فرنسا التي وضعت خارطة طريق لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تفتح الباب أمام عودة المساعدات الخارجية التي يحتاجها لبنان بشدة.

وكان من المفترض أن تعقد المشاورات النيابية في الأسبوع الماضي لكنها تأجلت وسط خلافات سياسية.

ويتعين على عون اختيار المرشح الذي يحظى بأكبر قدر من التأييد من أعضاء مجلس النواب الذي يمثل فيه حزب الله وحلفاؤه أغلبية.

ومن المتوقع أن يحصل الحريري على عدد كاف من الأصوات اليوم الخميس، ما لم تظهر عقبات في اللحظات الأخيرة، ليتولى المنصب في بلد غارق في الديون، حيث استقالت حكومته الائتلافية أواخر العام الماضي وسط احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة.

وكان الحريرى قد فتح الباب أمام إمكانية الترشح لتولى مهمة تشكيل حكومة جديدة طالما وافقت الكتل السياسية على شروط صندوق النقد الدولى للإصلاح.

وكانت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجييفا قد اشترطت عقب انفجار بيروت فى الرابع من أغسطس الماضى لتسليم مساعدات بمليار دولار إلى لبنان أن تلتزم السلطات بسلسلة من الإصلاحات المالية.

وفي نفس السياق، كشف الحريرى أنه التقى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أثناء زيارة الأخير للبنان حيث اتفقا على تشكيل حكومة هدفها وقف الانهيار وإعادة بناء بيروت” دون أن يتطرق لتفاصيل أخرى.

من هو سعد الحريري؟

فمن هو سعد الحريري المرشح بقوة لتولي رئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة.

وُلد سعد الدين الحريري في 18 أبريل/نيسان عام 1970 في الرياض في المملكة العربية السعودية، والده هو رجل الأعمال السعودي- اللبناني ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الدين الحريري.

درس سعد الحريري التعليم الابتدائي في مدرسة Frères Maristes في الرميلة قرب مدينة صيدا مسقط رأس والده، وأكمل دراسته الثانوية في فرنسا والسعودية.

ودرس الحريري إدارة الأعمال في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية وتخرج منها عام 1992.

عمل سعد الحريري بعد تخرجه في شركة سعودي أوجيه للمقاولات التي كان يملكها والده، وبعد وصوله إلى منصب المدير العام في عمر ال26، قرر توسيع أعمال الشركة إلى قطاع الاتصالات؛ فاستحوذ على شركة تورك تيليكوم في صفقةٍ كانت الأكبر في عالم الأعمال الخاص التركي في ذلك الوقت.

وبعد اغتيال والده رفيق الحريري بانفجار سيارةٍ مفخخة في 14 فبراير/شباط عام 2005 في بيروت، اُختِير سعد الحريري من قبل عائلته ليكمل طريق والده السياسي، ورغم أنّه كان مترددًا في البداية إلّا أنه دخل عالم السياسة وأصبح رئيس حركة المستقبل التي كان يتزعمها والده والتي كانت من أكبر الكتل السياسية في البلاد، وساهمت بشكل كبير في إنشاء حركة 14 آذار التي مهدت للخروج السوري من لبنان في عام 2005.

بعد خروج السوريين من لبنان وحصول حركة 14 آذار، ومن بينها المستقبل على الأغلبية البرلمانية بالانتخابات، دعم سعد الحريري وصول فؤاد السنيورة إلى رئاسة الحكومة بدلًا منه، حيث لم يكن يعتبر نفسه جاهزًا لتولي هذا المنصب بعد.

وخلال السنوات الأربعة اللاحقة حاول الحريري زيادة خبرته في العالم السياسي واستكمال النضال لكشف حقيقة اغتيال والده، وهو ما تُوج لاحقًا بقرار مجلس الأمن في أيار/ مايو عام 2007 بإحداث محكمةٍ دوليةٍ خاصة بهذا الأمر.

كما كان الحريري أحد الأطراف المفاوضين لحل الأزمة السياسية الخطيرة التي مر بها لبنان في مايو/أيار من عام 2008 والتي انتهت بتوقيع اتفاق الدوحة.

رئاسة الحكومة

وفي عام 2009، قاد الحريري تحالف 14 آذار للفوز بالانتخابات البرلمانية مجددًا وتمت تسميته رئيسًا للحكومة اللبنانية لأول مرةٍ في تاريخه، ودخل في أسابيع شاقة لمحاولة تأليف حكومة وحدةٍ وطنية، وتمكن من النجاح في النهاية بحلول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من ذلك العام.

وتلى ذلك فترةً من الاحتقان والتوتر السياسي في البلد وضمن الحكومة، انتهت باستقالة ثلث أعضائها في كانون الثاني/ يناير عام 2011 لتصبح الحكومة بحكم المستقيلة، وبعد تأليف حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي، قرر الحريري عدم مشاركة تياره السياسي فيها.

ودخل لبنان مجددًا في حالة من الفوضى والفراغ السياسي منذ منتصف عام 2014 استمرت هذه الحالة حتى عام 2016 حين تم عقد صفقة سياسية تضمنت تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، فاجأ الحريري لبنان والعالم بإعلان استقالته من رئاسة الحكومة أثناء تواجده في المملكة العربية السعودية، إلا أن الرئيس اللبناني ميشيل عون رفض قبول الاستقالة وأشار إلى أن الحريري أُجبر على الاستقالة تحت الضغط وهو أشبه بالمعتقل في السعودية، وطلب منه العودة إلى لبنان لمناقشة الأمر.

ولم يعد الحريري إلى لبنان إلا بعد عدة أسابيع وسط الكثير من الشائعات حول حريته، وبعد عودته إلى لبنان تراجع الحريري عن قرار الاستقالة.

وجرت في لبنان عام 2018 أول انتخاباتٍ تشريعية منذ عام 2009 وفيها خسر سعد الحريري وتياره السياسي 12 مقعدًا نيابيًا، فيما خسرت كتلة 14 آذار الأغلبية النيابية لأول مرة منذ عام 2005، رغم ذلك فقد أُعيدت تسمية الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية.

وكلف عون الحريري بتشكيل حكومة ائتلافية بعد مشاورات مع أعضاء البرلمان، حصل فيها الحريري على 111 صوتا من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 128، وهي الحكومة التي اضطرت للاستقالة أواخر العام الماضي وسط احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة.