جاء إعلان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، اليوم الإثنين، بمثابة صدمة جديدة قد تزيد الحياة السياسية ارتباكا في لبنان.
قال الحريري إنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة وإنه قرر تعليق مشاركته في الحياة السياسية داعيا حزبه لفعل الشيء نفسه.
وقال الحريري في كلمة بثها التليفزيون “نحن باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة”، مطالبا حزبه تيار المستقبل بعدم الدفع بأي مرشحين في الانتخابات.
وتقلد الحريري رئاسة وزراء لبنان ثلاث مرات، لكن حظوظه السياسية تراجعت في السنوات القليلة الماضية، وفق تقرير لرويترز.
وسرعان ما بدت الصدمة في تعليقات سريعة من بعض الساسة تجاه خطاب الحريري، على رأسهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي قال إن قرار الحريري تعليق دوره في الحياة السياسية “صفحة حزينة للوطن وله شخصيا”.
وبدا رد فعل السياسي اللبناني، وليد جنبلاط، أكثر حدة حين قال إن قرار الحريري، “يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين”.
بدأ الحريري (51 عاما) في حديثه اليوم كرجل يصارع تاريخه، فهو نجل رفيق الحريري السياسي البارز، الذي اغتيل عام 2005. ورث الشاب حينذاك دوره كزعيم من الطائفة السنية في نظام يقوم على فكرة المحاصصة الطائفية.
وقال الشيخ سعد كما يلقب في لبنان إن “مشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين: أولا: منع الحرب الأهلية في لبنان، وثانيا: حياة أفضل للبنانيين. نجحت في الأولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية”.
وبدا الحريري بعيدا عن اللغة التقليدية أمام الإعلام، ولجأ إلى عرض تجربته السياسية أمام الجمهور، وكأنه يعيد تقييمها مجددا.
أقر إنه خسر جزءا من ثروته الشخصية وبعض صداقاته الخارجية والكثير من تحالفاته الوطنية وبعض الرفاق وحتى الإخوة. على حد عبارته.
شهد العامان الماضيان تكثيفا وضغطا شديدين على رأس الحكومة سعد الحريري، ففي عام 2020 أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة عضوا في جماعة حزب الله المدعومة من إيران بالتآمر لقتل رفيق الحريري. بينما نفى حزب الله أي دور له. وكان على سعد عبور هذا الموقف دون تصعيد.
واسترسل الحريري، اليوم الإثنين، في استعراض ما تعرض له من ضغوط قائلا إنه استجاب لثورة 17 تشرين 2019 فقدم استقالة حكومته. مضيفا “كنت الوحيد الذي حاول بعد كارثة 4 آب في بيروت تغيير طريقة العمل عبر حكومة من الاختصاصيين. واللبنانيون يعرفون في الحالتين ما كانت النتيجة، وهم يتكبدون من لحمهم الحي كلفة الإنكار”.
كما بدا الحريري اليوم أشد صراحة في الإشارة إلى تغلغل النفوذ الإيراني في لبنان، مشيرا إلى أداء حزب الله المروع في الحياة السياسية اللبنانية، متخليا عن التوازنات، وكأنه يلقي القفاز في وجه الجميع. وصف ذلك بتأكيده على أنه “مقتنع أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعارة الطائفية واهتراء الدولة”.
كان الحريري على صلة وثيقة مع السعودية ورثها عن والده في مواجهة مع حلفاء سوريا وإيران في لبنان وأبرزهم جماعة حزب الله التي تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة.
وقاد تحالف سياسيين لبنانيين عرف باسم “قوى 14 آذار”. وبعدها تحول التوتر إلى نزاع مسلح قصير في عام 2008 سيطر حزب الله خلاله على العاصمة بيروت. لكن الحريري شكّل أول حكومة ائتلافية في عام 2009 بعد فوزه مع قوى 14 آذار بأغلبية المقاعد البرلمانية.
أُطيح بحكومته في أوائل عام 2011 عندما استقال وزراء حزب الله وحلفائه بسبب التوتر المرتبط بمحكمة الحريري.
في السنوات التالية بقي الحريري خارج لبنان لفترة طويلة لأسباب أمنية. ومع تصاعد الحرب في سوريا أصيبت الحكومة اللبنانية بالشلل بسبب التوتر المرتبط بالصراع. وصدرت تصريحات عدة للحريري ضد دور حزب الله في القتال دعما للرئيس بشار الأسد.
وبسبب الجمود السياسي أصبح موقع الرئاسة شاغرا بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في عام 2014. وبعد أن قاد المعارضة لترسانة حزب الله لسنوات، كان ينظر إليه على نطاق واسع بأنه وضع هذه القضية جانبا عندما بدأ بنسج تفاهمات سياسية مع حزب الله وحلفائه. نتج عن ذلك صفقة في عام 2016 قادت السياسي المسيحي المتحالف مع حزب الله ميشال عون إلى سدة الرئاسة بينما أصبح الحريري رئيسا للوزراء للمرة الثانية.
استمر في معارضة ترسانة حزب الله، لكنه قال إنها شأن إقليمي أكبر من لبنان وذكر أن التركيز يجب أن ينصب على المشاكل الاقتصادية المتنامية في البلاد. واتهم منتقدون مناهضون لحزب الله الحريري بتقديم تنازلات والتخلي عن المبادئ الأصلية لقوى “14 آذار”.
ويبدو أن سعد الابن قد أصبح في حاجة إلى هدنة، وصفها اليوم بتعليق النشاط السياسي، أشار إلى ذلك في تعرضه لمشروع رفيق الحريري، وقوله إن منع الحرب الأهلية فرض عليه تسويات، من احتواء تداعيات 7 أيار إلى اتفاق الدوحة إلى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها.
وقال “هذه التسويات، التي أتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة أفضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم.”.
في الهدنة التي بدأها سعد الحريري، قد يبدأ إعادة تغيير المسار على أمل تغيير اللعبة السياسية، فقد تكون بداية لعودة جديدة، أو اختفاء لإحلال وجه جديد. أما البديل الأخير، فأن تكون مجرد مناورة سياسية، قد لا يحتملها لبنان في هذه المرحلة.
