الحملة الفرنسية على فلسطين.. دلالات ورسائل أول خطوة على طريق الاحتلال
تستعيد ذاكرة فلسطين، أحداث ووقائع ومشاهد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت (حملة استعمارية عسكرية وسياسية) قبل 223 عاما لاحتلال فلسطين ـ 7 فبراير/ شباط 1799 ـ واستمرت أربعة أشهر، وانتهت بهزيمته أمام قلاع عكا، ومن ثم خروج الفرنسيين من مصر.
كانت ورقة «نابليون بونابرت» من خارج أسوار القدس ـ مع بداية الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين 1798 ـ أول خطوة على طريق احتلال فلسطين.
وتقول إحدى فقراتها : «إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد إختار القدس مقرا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي إستهانت طويلا بمدينة داود وأذلّتها.. ياورثة فلسطين الشرعيين .. إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء »..
- وفي تلك الأيام كان الكلام عن العودة إلى فلسطين نداء يتردد على لسان أحد الحاخامات بين حقبة وأخرى، وربما مرة كل ثلاثين أو أربعين سنة، ولم يكن هناك من يأخذ هذا النداء جدا، أو يعلق عليه.
حشود فلسطينية لصدّ الحملة الفرنسية
لم يحاول نابليون بونابرت السير إلى القدس، واكتفى بعدم الاقنراب من أسوأرها.. وفي 9 مارس/ آذار 1799 أرسل بونابرت إلى شيوخ نابلس يخيرهم بين الحرب والسلام.. وكتب إلى أحمد باشا الجزار، حاكم عكا، يدعوه إلى ترك القتال والعيش في سلام مع الفرنسيين.
وقام أحمد باشا الجزار بتحصين عكا، عندما وصلته أخبار الحملة الفرنسية، ومنع رسو السفن القادمة من مصر في مينائه خوفًا من أن تكون فرنسية.
وأرسل رسالة (قصيدة شعرية) إلى الشيخ يوسف الجرار، شيخ جبل نابلس، يطلب النجدة والوقوف في وجه الخطر الكبير الذي يهدد فلسطين، فقام بدوره بتوجيه رسائل إلى مشايخ القبائل في جبل نابلس، ورسائل أخرى إلى مشايخ القبائل في جبل القدس، والخليل، والبلقاء والكرك، وعجلون طلب منهم فيها إرسال النجدات للدفاع عن الوطن، فأرسلوا مجموعات من فرسانهم ( 7 ألاف مقاتل) للمرابطة في مرج ابن عامر..والتقى قادتهم بالشيخ يوسف في قلعة صانور، ووضعوا خطة لقتال العدو في أثناء تقدمه نحو عكا.
لماذ أطلق على جبل نابلس «جبل النار»؟
وفي يوم 18 مارس/ آذار 1799، كان نابليون أمام أسوار عكا، وبدأ يستعد لاقتحامها، وحاول اختراق الأسوار ونسف الأبراج أكثر من مرة، ولكن الفلسطينيين ثبتوا في الدفاع عن قلعتهم، ومنعوا نابليون من دخولها.. والتقت حشود النجدة من الفلسطينيين، بميمنة الجيش الفرنسي الزاحف إلى عكا، في أحراش وادي الرشا بجوار عزون. وهناك أحاطت بجنود نابليون الجموع العربية وأحرقت لأحراش من حولها، فاحترق وقتل عدد كبير من جنود الحملة الفرنسية، وتمكن البعض من الهرب وإخبار نابليون بما حدث فأرسل القائد دوماس لإخضاع جبل نابلس، ولكنهم تمكنوا من قتل دوماس وهزيمة قواته في شعاب وادي قاقون، وسمي جبل نابلس بعد ذلك بـ «جبل النار» .
- في تلك الأيام وجه نابليون «نداء الأسطورة» لليهود عبر «الورقة الفرنسية».
مرارة الهزيمة الأولى للحملة الفرنسية على فلسطين
أحس نابليون بمرارة الهزيمة الأولى للحملة الفرنسية، وقرر الانسحاب من فلسطين مع من تبقى من جيشه، بعد حصار لعكا دام شهرين، وخسارة تكبدها بلغت ( 1200 ) قتيل في الحرب، وألف جندي ماتوا بمرض الحمى والطاعون، و(2300 ) بين مريض وجريح.
وقبل الرحيل أمر بقذف عكا بجميع ما يملك من مدافع، لمدة أربعة أيام متوالية، وانسحب إلى يافا في 24 مايو / آيار، وهو يقول: «لو فتحت عكا أبوابها ليّ لبدلت وجه العالم، وجعلت التاريخ يسير حسب مشيئتي».
وبعد ثلاثة أيام أنهى احتلاله ليافا، وقبل رحيله نسف حصونها، ودفن ما فيها من مدافع وعتاد في الرمال، والقى بأربعة آالف بندقية في البحر، وأحرق المراكب الراسية في الميناء.
- ولكن انكسار نابليون على أسوار عكا، سحب معه أحلام «ورقة» احتلال فلسطين
فكرة الوطن اليهودي تسيطر على مطامع نابليون
وعندما أصبح «نابليون» إمبراطورا لفرنسا ، كانت فكرة الوطن اليهودي مستولية عليه، ودعا سنة 1807 إلى عقد مجمع يهودي «سانهردان» يحضره كل يهود أوروبا ممثلين في رؤساء طوائفهم، إلى جانب مشاهير حاخاماتهم، ليلم «شمل» الأمة اليهودية، على حد قوله، ثم كان ملفتا أن يكون القرار الذي يحمل رقم 3 من قرارات المجمع، قرارا يتحدث بالنص عن : «ضرورة إيقاظ وعي اليهود إلى حاجتهم للتدريب العسكري لكي يتمكنوا من أداء واجبهم المقدس الذي يحتاج إليه دينهم » ..
- ترأس نابليون بونابرت اجتماع المحفل اليهودي الأكبر ( سنهدرين) عام 1807 بعد عودته من حملة مصر وفشل حملته أمام أسوار القدس.. وقد طرح فيه نابليون مشروعه لدولة يهودية في قلب الضلع الذي يضم مصر وسوريا !!
عدد اليهود في فلسطين لم يتجاوز ألفين
كانت ورقة «نابليون » اليهودية ( وعدد اليهود في فلسطين ذلك الوقت لم يزد على ألفين ) محاولة لخدمة تصوراته الإستراتيجية المبكرة بخلق عازل يفصل بين مصر وسوريا، وهو يرى أن مصر في إتصال غير قابل للإنفصال مع السهل السوري الذي يشكل معها زاوية قائمة تحيط بالشاطئ الشرقي الجنوبي للبحر الأبيض، وهذه الزاوية القائمة بضلعها الجنوبي في مصر تمد تأثيرها بالعرض إلى كل الساحل الشمالي لإفريقيا، وبالطول إلى الجنوب حتى منابع النيل، ثم إنها بضلعها الشمالي في سوريا تلامس حدود بلاد ما بين النهرين (العراق ) وشبه الجزيرة العربية والخليج، وحتى طرق الإقتراب البري والبحري إلى فارس والهند.
- ولم تكن ورقة نابليون اليهودية ـ الرؤية والهدف والتصورات الإستراتيجية ـ غائبة عن فكر ساسة بريطانيا العظمى.. وهكذا تواصلت الحركة على هذا المسار، وتلاحقت على نفس المسار النوايا والخطط والتحركات، ترسم لنفسها ما يناسب هواها بإتجاه مشروع توطين اليهود في فلسطين.
135 يهوديا فقط في القدس
وقد كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتكثيف الإستيطان في القدس بالذات، واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف ( ولم تكن هناك قاعدة يهودية كافية تستطيع أن تتحمل عبء هجرة يهودية مؤثرة ).
ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود في فلسطين عام 1488 لم يتجاوز 70 أسرة يهودية، وفي عام 1521 أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة ، وفي عام 1798 تلقى الإمبراطور نابليون بونابرت تقريرا من مجموعة ضباط إستكشاف سبقت جيشه إلى فلسطين في بداية الحملة الفرنسية على مصر.
ويقول التقرير المرفوع إلى نابليون أن عدد اليهود في فلسطين 1800 منهم 135 في مدينة القدس !!.