يشهد الشارع السياسي الجزائري، جدلا واسعا، في الربع ساعة الأخير من سنة 2017 حول غموض وضبابية آخر منعرج في الولاية الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة .. هل يترشح لولاية خامسة رغم ظروفه الصحية؟ ومن هو البديل؟ وهل يوجد توافق بين مكونات السلطة بخصوص الخليفة؟
وفي دائرة الجدل الواسعة داخل الشارع السياسي الجزائري، تطرح المعارضة وبالحاح السؤال: من يحكم في الجزائر؟ وتتحدث باستمرار عن شغور في منصب الرئاسة، وتدعو إلى تطبيق المادة 102 من الدستور لعزل الرئيس لدواع صحية!! بينما الحكومة وأحزاب الموالاة من جهتها، تؤكد أن الرئيس هو من يحكم، وأنه يتابع تسيير شؤون البلاد أولا بأول، ويستدلون بترؤسه لمجلس الوزراء للتدليل على أن صحته جيدة، وأن الكلام عن تطبيق المادة 102 من الدستور هي مناورة من معارضة فشلت في الوصول إلى السلطة عن طريق الصناديق، وتريد الوصول إلى السلطة عن أي طريق، حتى لو كان ذلك عن ظهر دبابة، على اعتبار أن بعض الأصوات طالبت بتدخل الجيش لوضع حد لما يعتبرونه استيلاء على السلطة.
ويرى مراقبون وحزبيون ، أن الجزائر تسير شيئا فشيئا نحو عملية خلافة مستعصية، فالانتخابات الرئاسية موعدها ربيع 2019 لكن كل شيء تقريبا سيحسم في 2018. ورغم أن الوقت يسير بسرعة، إلا أن كل المؤشرات توحي أن الجماعة الحاكمة لم تحسم أمرها بعد، وهناك أسماء كثيرة تم تداولها، لكن لم يتم الاتفاق على أي اسم منها.. بينما يتوقع كثيرون أن يترشح سعيد بوتفليقة لخلافة شقيقه، لكن هذا السيناريو (التوريث) يتم الحديث عنه منذ 2008 ولكن لا توجد مؤشرات حقيقية لتجسيده.
وقبل شهر تقريبا، في السابع من اكتوبر/ تشرين الأول الماضي، طالبت ثلاث شخصيات جزائرية، بينها احمد طالب الابراهيمي، بعدم ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 80 عاما والذي يعاني من مشاكل صحية، لولاية خامسة في 2019، وأصدروا بيانا وقع عليه كل من أحمد طالب الابراهيمي، وزير سابق ومرشح للانتخابات الرئاسية في 1999، قبل أن ينسحب منها ويفوز بها بوتفليقة، والمحامي علي يحيى عبد النور (96 سنة) الذي يعتبر أقدم مناضل حقوقي بالجزائر ووزير سابق، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس قائد القوات البحرية سابقا.
ويذكر أن دستور الجزائر الذي تم تعديله في 2016 ينص على تحديد الولايات الرئاسية باثنتين فقط، ما يعني أنه يحق للرئيس الحالي الترشح مرة اخرى.. وكان تم تعديل الدستور الجزائري في 2008 ما مكن بوتفليقة من الترشح لولاية ثالثة في 2009 ثم رابعة في 2014.
وجاءت تصريحات جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، حزب السلطة الأول في الجزائر، لتشعل حالة الجدل أكثر، بل وتثير غموضا حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.. مشيرا إلى أن الرئيس بوتفليقة لن يكون مرشح الجيش في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها في 2019، مؤكدا بذلك الكلام الدائر حول اعتزام بوتفليقة الترشح الى ولاية رئاسية خامسة..وأضاف في تصريحات صحفية، قبل أسبوعين (28 اكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، أن الجيش هو مؤسسة جمهورية صلاحياتها محددة دستوريا، وأنه لا دخل للجيش في السياسة وفِي الانتخابات الرئاسية المقبلة، رافضا الاعتراف بوجود شرعية عسكرية، وأن الشيء الوحيد الذي مازال موجودا هي الشرعية الثورية، على حد قوله.
وفي إشارة تلقفتها المعارضة الجزائرية، دافع جمال ولد عباس، الأسبوع الماضي، عن سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي قال عنه إنه إنسان خجول جدا، وأنه اكتسب خبرة طويلة طوال فترة حكم شقيقه، من دون أن يخوض في موضوع إمكانية ترشحه للرئاسة، مع العلم أن ولد عباس سبق له أن قال إنه من حق سعيد بوتفليقة الترشح إلى الرئاسة.. مشددا في المقابل على أن الرئيس بوتفليقة هو من سيختار الرئيس الذي سيحكم الجزائر بعد 2019، وأن هذا الرئيس سيكون من حزب جبهة التحرير الوطني.
ومن جهة أخرى، كشف رئيس الحكومة الجزائرية، وأمين عام حزب السلطة الثاني «التجمع الوطني الديمقراطي» ، أحمد أويحيى، عن طموحه في الترشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية.. وقال الأسبوع الماضي ( 5 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري) إنه لن يترشح إذا قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسةز ولكنه ـ في نفس الوقت ـ راح يستعرض قدراته وامكانياته، مؤكدا أن حزبه موجود في كل مفاصل الدولة من البلديات إلى الولايات إلى البرلمان إلى الوزارات، مشيرا إلى أن اعتماد نظام لا مركزي سيحل 50% من مشاكل الدولة و80% من مشاكل المواطنين
اللافت في الأمر، بحسب الدوائر السياسية والإعلامية في الجزائر، أن أحمد أويحيى الذي يعرف وزن الكلمات وتبعات الكشف عن الطموح، اختار هذا التوقيت للحديث عن رغبته في الترشح لانتخابات الرئاسة، واختار ولاية سطيف تحديدا، علما أنها الولاية التي ألقى فيها بوتفليقة آخر خطاب للجزائريين في أبريل/ نيسان 2012، وهو الخطاب الشهير الذي قال فيه عبارة «جيلي طاب جنانو» معناها انتهى وقته، ولما ارتفعت أصوات من القاعة تنادي: «ولاية رابعة» رد عليها الرئيس قائلا: «رحم الله امرءًا عرف قدره».
وفي أجواء الجدل الدائر حاليا ..وجهت «المنظمة الوطنية للزاويا» في الجزائر، في السادس من الشهر الجاري، دعوة للرئيس بوتفليقة من أجل الترشح لعهدة (ولاية) رئاسية خامسة، وقالت إنها تدعم ذلك وأن التفكير في رئيس آخر من دون بوتفليقة «حرام».. وقال عبد القادر باسين، رئيس المنظمة: «قلنا وكررنا أننا مع الرئيس اليوم وغدا، نحن إلى جانبه منذ 1999 »، مؤكدا أن الرئيس موجود ويقوم بواجباته بشكل عادي، «في كل مرة نطلب منه الترشح، واليوم أيضا، نطلب منه الترشح لعهدة جديدة، وأن التفكير في شخص آخر حرام، بسبب الالتزام الأخلاقي الذي عقدته الزوايا مع الرئيس بوتفليقة منذ 1999»
معروف أن الرئيس بوتفليقة، أحد أتباع إحدى الزوايا (الطرق الصوفية) المنتشرة بشكل خاص في غرب وجنوب الجزائر، و المعروفة باسم «الزاوية الهبرية البلقايدية.
ولا يزال الجدل قائما حول «الخلافة المستعصية» في الجزائر . وإن كان سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الأصغر، لا يزال لغزا حقيقيا. لغز زاد تعقيدا منذ بداية الولاية الرابعة، فالبعض يعتبره الحاكم الفعلي، وخاصة منذ مرض شقيقه، والبعض الآخر يؤكد أنه لا دخل له في كل ما يحصل، وأنه يكتفي برعاية شقيقه الرئيس، والكثير من المسؤولين يقسمون بأغلظ الايمان أنه لم يسبق أن تدخل في عملهم أو اتصل بأحدهم هاتفيا، وأنه حتى ليس مستشارا في الرئاسة، لكن هذا لا ينفي أن ظهوره في الخلفية باستمرار، وأحيانا في الواجهة يطرح أكثر من تساؤل.