في سابقة تاريخية، يتابع العالم شواهد محاولات «الانقلاب الدموي» على الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، والانتهاك السافر لقيم تداول السلطة، وأصبحت «الديمقراطية الأمريكية» تحت الحصار مع بدء اقتحام أنصار الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، لقلعة الشرعية والتشريع في أمريكا، ممثلة في مبنى الكابيتول «برلمان الشعب»، مما أحدث شرخا في جدار الولايات المتحدة، سوف تتداعى تبعاته وتداعياته.
شهد الكونغرس الأمريكي، أمس، جلسة تاريخية بامتياز للمصادقة على نتائج الانتخابات الأمريكية، في عملية عرقلها مؤيدو الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب الذين اقتحموا مقر الكونغرس وأوقفوا المصادقة على انتخاب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة.
إقالة ترامب
ويرى خبراء وسياسيون في واشنطن، أن «ترامب» يخطف «سمعة» أمريكا لأول مرة في تاريخ الرئاسة.. بينما أفادت وسائل إعلام أمريكية ، صباح اليوم، أنّ عدداً من الوزراء في إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ناقشوا إمكانية تنحيته بعد أن اقتحم مئات من أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها ويرفض الإقرار بنتيجتها
ونقلت ثلاث شبكات تلفزيونية أمريكية، هي «سي إن إن»، و«سي بي إس»، و«إيه بي سي»، عن مصادرها أنّ الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، ويسمح هذا التعديل لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنّه «غير قادر على تحمّل أعباء منصبه»، ويتطلّب تفعيل هذا التعديل أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب.
ترامب «خارج السيطرة»
ويؤكد مسؤولون جمهوريون، لشبكة «سي إن إن»، أن الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الخامس والعشرين بعدما اعتبروا أنّ ترامب أصبح «خارج السيطرة». وبينما نقلت شبكة «إيه بي سي» عن مصادر متعدّدة، أنّ مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة..وبدورها تؤكد النائبة إلهان عمر، أن عددا من النواب أعلنوا أنّهم بصدد تقديم طلب لمحاكمة ترامب في الكونغرس بهدف عزله، لكنّ هذه الآلية تستغرق وقتاً ومن غير المرجّح أن تنتهي قبل 20 يناير/ كانون الثاني حين يتسلّم جو بايدن مقاليد السلطة.
الديمقراطية الأمريكية تحت الحصار
المشهد الأمريكي، كان صادما للغرب بصفة خاصة، وللعالم بصفة عامة، وهو يتابع وقائع «الانقلاب الدموي» على الديمقراطية الأمريكية..ويؤكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن ما حصل في الكابيتول «اعتداء على الديمقراطية الأمريكية..وفي نظر العالم، تبدو الديمقراطية الأمريكية الليلة تحت حصار».
صورة المشهد الذي وصفه رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، بأنه «مخزي»، تجسد واقع أن أمريكا اليوم أكثر انقساماً، اجتماعياً وثقافياً، بحسب تعبير مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، وأستاذ في معهد الشرق الأوسط، ومحرر مساهم لدى منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حسن منيمنة، مؤكدا، أن أمريكا أكثر انقساماً، مما كانت عليه خلال حرب فيتنام، وفي وضع أكثر حرجاً سياسياً مما شهدته في أزمة ووترجيت في السبعينات، وفي حقبة مكارثي في الخمسينات.
ترامب أشعل عناصر الفرقة و«الجزر الثقافية»
وأضاف: داخل الأزمات وخارجها، الانقسام في الرؤى والقراءات والسياسات ليس جديداً على الولايات المتحدة. ولكن حدته وخطورته ووتيرته قد ارتفعت في العقود الأخيرة مع تبدد الثقة بين المواطن ودولته، وبين المواطن والآخر، بدائرة مفرغة غذّت الفرقة وتغذّت منها. ثم كانت «الجزر الثقافية» واندثار الملتقى الوطني، نتيجة عرضية للطفرة في الإعلام ووسائل التواصل الجديدة. ثم كان دونالد ترامب. هو لم يجترح الفساد في الخطاب والسلوك والأداء، ولكنه أتاح له أن يظهر ويتكاثر إلى حد التقرّح.
أخطر تحد لأمريكا كدولة ديمقراطية
وبحسب تقديرات الخبير في الشئون الدولية، حسن منيمنة، فإن المرحلة الحالية التي تشهدها الولايات المتحدة اليوم، ليست أكثر المراحل دقة في تاريخها. فقد سبق لها أن عانت ونجت من حرب أهلية دامية وواجهت أزمات سياسية على مدى القرن التاسع عشر امتحنت حدود متانتها كنظام سياسي وكمجتمع متناثر في المكان، ملتزم بوحدته واتحاده. غير أنها، منذ أن اعتلت مقام القوة العظمى الأولى ثم الوحيدة عالمياً، في القدرة الاقتصادية والوزن السياسي والحضور العسكري والتأثير الثقافي، لم تشهد ما تعيشه اليوم من تحدٍّ لتركيبتها كدولة ديمقراطية، قائمة على التمثيل الصادق لإرادة الغالبية من مواطنيها
.
قلق وفزع في أوروبا
تجسيد خطورة مشهد الاعتداء على الديمقراطية في الولايات المتحدة، قد بدا واضحا في كلمات عدد من القادة الغربيين ، وكتب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في تغريدة على موقع تويتر «مشاهد صادمة في واشنطن»، مضيفاً: «نتيجة هذه الانتخابات يجب أن تحترم»..وبدوره، وصف رئيس البرلمان الأوروبي، ديفيد ساسولي، ما شهده الكابيتول بأنه «مقلق للغاية»، داعياً إلى «وجوب احترام الأصوات الانتخابية الديموقراطية».
مشاهد مروعة ومحزنة للغاية
وإذا كان رئيس الوزراء الإيرلندي، مايكل مارتن، قد عبر عن حالة من «القلق والفزع كبيرين»، فجرتها المشاهد التي تتوالى في واشنطن.. فقد حمّل وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني، الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، مسؤولية ما يحصل. وقال كوفيني على تويتر: «مشاهد مروعة ومحزنة للغاية في واشنطن يجب أن نطلق عليها ما هي عليه: اعتداء متعمد على الديمقراطية من قبل رئيس حالي وأنصاره، في محاولة لإلغاء انتخابات حرّة ونزيهة!».
وفي برلين، دعا وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، «ترامب وأنصاره أن يقبلوا في نهاية المطاف بقرار الناخبين الأمريكيين وأن يتوقفوا عن الدوس على الديمقراطية».
